عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

شرح القیصری علی فصوص‌الحکم (حسن‌زاده الآملی):

(و هو1 قوله تعالى: یٰا أَیُّهَا اَلنّٰاسُ اِتَّقُوا2 رَبَّکُمُ اَلَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا وَ بَثَّ مِنْهُمٰا رِجٰالاً کَثِیراً وَ نِسٰاءً‌34.

الضمیر عائد إلى المعنى الّذی ذکره من قوله: (فآدم هو النّفس الواحدة... الخ) أی، هذا المعنى المذکور هو معنى قوله تعالى: یٰا أَیُّهَا اَلنّٰاسُ‌... الآیة.

و معناها بالنسبة إلى عالم الجبروت: اِتَّقُوا رَبَّکُمُ اَلَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ‌

________________________________________

(1) . أی کون آدم هو النفس الواحدة المذکورة یدلّ علیه قوله تعالى: یٰا أَیُّهَا اَلنّٰاسُ (جامی).

(2) . أمر من الاتّقاء بمعنى جعل الشیء و قایة لشیء، و الشیئان هاهنا المخاطبون و الربّ تعالى.

فإن جعلت الشیء الأول المخاطبین و الشیء الثانی الربّ لاحظت إضافة الوقایة إلیه، کان المعنى اجعلوا أنفسکم وقایة ربّکم.

و إن جعلت الشیء الأوّل الربّ و الشیء الثانی المخاطبین، کان المعنى اجعلوا ربّکم وقایة أنفسکم. فلما کانت الآیة تحتمل المعنین جمعهما الشیخ (رض) کما هو دأبهم فی الآیات القرآنیّة بالجمع بین جمیع المعانی المحتملة التی لا یمنع من إرادتهما الشرع و العقل، فعلى هذا یکون معنى قوله اِتَّقُوا رَبَّکُمُ‌... اَلَّذِی خَلَقَکُمْ أی أوجدکم باختفائه بصورکم فأنتم ظاهره و هو باطنکم (جامی).

(3) . نبّه على بعض معانی الآیة مما لم یتنبّه له أهل الظاهر (جامی).

(4) . النساء (4):1.

جلد: 1، صفحه: 308

أی، من عین واحدة هی العقل الأوّل وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا التی هی النّفس الکلّیة وَ بَثَّ مِنْهُمٰا رِجٰالاً کَثِیراً وَ نِسٰاءً‌ أی، عقولا و نفوسا مجرّدة.

و بالنسبة إلى عالم الملکوت خلقکم من ذات واحدة هی النّفس الکلّیة وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا أی، الطبیعة الکلّیة وَ بَثَّ مِنْهُمٰا رِجٰالاً کَثِیراً و هی النفوس الناطقة المجرّدة وَ نِسٰاءً‌ و هی النفوس المنطبعة و باقی القوى.

و بالنسبة إلى عالم الملک فظاهر.

(فقوله: اِتَّقُوا رَبَّکُمُ‌ اجعلوا ما ظهر منکم1 وقایة2 لربّکم، و اجعلوا ما بطن منکم3 و هو ربّکم وقایة لکم4، فإنّ الأمر5 ذمّ و حمد6، فکونوا وقایته7 فی الذّم8، و اجعلوه وقایتکم9 فی الحمد10، تکونوا ادباء11 عالمین12).

لمّا استشهد بالآیة ذکر مطلعها، و علّم السالک التأدب بین یدی اللّه تعالى؛ لتزداد

________________________________________

(1) . و هو النسب العدمیّة الإمکانیّة کالافتقار و الاحتیاج و أمثاله وقایة لربّکم عن أن یصیبه شیء من تلک النسب و الإضافات (ص).

(2) . أی آلة وقایة کما فی قوله تعالى: خُذُوا حِذْرَکُمْ‌ أی آلة حذرکم (جامی).

(3) . و هو ربّکم یعنی الوجود الحقیقی و ما یستتبعه من الأوصاف الوجودیة (ص).

(4) . عن أن ینسب إلیکم (ص).

(5) . أی الأمر المنسوب إلى ربّکم بوجه و إلیکم بوجه، من الصفات و الأفعال إمّا ذم یذمّ به من نسب إلیه و إما حمد یحمد به من یتّصف به، کل واحد منهما کما یقتضیه توحید الأفعال و الصفات مسند إلى اللّه تعالى، لکن إسناد المذامّ إلیه قبل زکاء النفس و طهارتها وقوع فی الإباحة و بعدهما إساءة للأدب (جامی).

(6) . لأنّ ما نسب إلى الشیء فعلا کان أو صفة، لا یخلو من أن یکون مبدأ تلک النسبة هو الإمکان أو الوجوب، و الأوّل یسمّى بالذّم و الثانی بالحمد (ص).

(7) . عن نسبة النقص إلیه (جامی).

(8) . بأن تنسبوه إلیکم لا إلیه (جامی).

(9) . عن ظهور إنّیّاتکم (جامی).

(10) . بأن تنسبوه إلیه لا إلیکم (جامی).

(11) . حین تنسبون المذامّ إلى أنفسکم لا إلیه.

(12) . أی عالمین بحقیقة الأمر على ما هو علیه حین تنسبون المحامد إلیه تعالى؛ فإنّ الأمور کلّها مستندة إلیه تعالى بالحقیقة و تحذرون ممّا یلحقکم بإسنادها إلى أنفسکم من ظهور إنیّاتکم (جامی).

جلد: 1، صفحه: 309

نوریّته و لا یقع فی مهالک الاباحة1، فإنّ توحید الأفعال یقتضی اسناد الخیر و الشرّ إلى اللّه تعالى، فالسالک إذا أسندهما إلیه قبل زکاء النّفس و طهارتها یقع فی الاباحة، و بعد طهارتها یکون مسیئا للأدب باسناد القبائح إلیه.

و لکون الاتّقاء مأخوذا من «وقى، یقی» - کما یقال: «وقیته فاتّقى» أی2، اتخذوا الوقایة - فسّر اِتَّقُوا بقوله: (اجعلوا ما ظهر منکم وقایة لربّکم) أی، آلة الوقایة کما قال تعالى: خُذُوا حِذْرَکُمْ‌3 أی، آلة الحذر کالترس و غیره من السلاح، فالمراد ب‍ «ما ظهر» هو الجسد مع النّفس المنطبعة فیه.

أی، انسبوا النقائص إلى أنفسکم لتکونوا وقایته فی الذّم، و اجعلوا ما بطن منکم - و هو الروح الّذی یربّکم - وقایة لکم فی الحمد.

أی، انسبوا الکمالات إلى ربّکم، کما قال عن لسان الملائکة: سُبْحٰانَکَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا4، و عند نسبة الکمالات إلى اللّه تعالى یکون لکم الخلاص من ظهور إنّیاتکم و أنفسکم، و لا یکون للشیطان علیکم سلطان.

و إنّما جعل الظاهر وقایة للباطن فی الذّم، و الباطن وقایة للظاهر فی الحمد، و أثبت الربوبیّة للباطن؛ فأنّ‌5 الظاهر من حیث النّفس المنطبعة منبع النقائص و محلّ التصرّفات الشیطانیّة، و هو عبد مربوب أبدا و الباطن منبع الأنوار و مرآة التجلّیات الرحمانیّة، فله ربوبیّة من حیث اتّصافه بالکمالات، و إن کان له عبودیّة من حیث إنّه یستفیض من الربّ المطلق دائما.

فلا یقال6: إنّه7 جعل الربّ آلة الاتّقاء، لا المتّقی اسم مفعول.

________________________________________

(1) . فی الأفعال.

(2) . أی معنى قوله: اِتَّقُوا رَبَّکُمُ‌.

(3) . النساء (4):102.

(4) . البقرة (2):32.

(5) . جواب لسؤال یمکن أن یقال: إنّه لما کان کل منهما أی من الظاهر و الباطن - وقایة فلکلّ منهما جهة الربوبیّة، فلم اختصّت جهة الربوبیّة بالباطن.

(6) . أی الباطن الذی هو الربّ کیف یکون آلة و کیف یجعل الربّ آلة للمربوب.

(7) . أی الشیخ (ره).

جلد: 1، صفحه: 310

لأنّ‌1 الباطن الّذی جعله آلة الاتّقاء هو عبد من وجه، و أیضا جعل الباطن تارة آلة الاتّقاء و الظاهر متّقى، و اخرى الظاهر آلة الاتّقاء و الباطن متّقى2، و الظاهر و الباطن کلاهما حقّ‌3، فهو المتّقى و المتّقى به4، کما قال علیه السّلام: «أعوذ بک منک»5.

________________________________________

(1) . جواب «لا یقال».

(2) . فیصیر الباطن آلة الاتّقاء و یکون أیضا «متّقى» اسم مفعول، و الظاهر أیضا.

(3) . أی نحو وجود و تجلّ من الربّ المطلق.

(4) . أی آلة الاتّقاء.

(5) . بحار الأنوار ج 16 ص 253 ح 35.