شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(ثمّ نرجع2 إلى الأعطیّات3، فنقول: إنّ الأعطیّات إمّا ذاتیّة أو أسمائیّة، فأمّا المنح و الهبات و العطایا الذاتیّة فلا تکون أبدا إلاّ عن تجلّ إلهیّ4، و التجلّی من الذات لا یکون أبدا إلاّ بصورة استعداد المتجلّى له5، و غیر ذلک6 لا یکون فاذا المتجلّى له ما رأى سوى صورته فی مرآة الحق)7.
________________________________________
(2) . لمّا قسم العطایا بحسب السؤال انجرّ الکلام إلى بحث الاستعداد و الأعیان، فبحث عن ذلک بقدر ما احتاج إلیه هاهنا ثمّ یرجع إلى المقصود من بیان القسمین الأوّلین، و استأنف القسمة لطول الکلام بقوله: «ثم نرجع» (ق).
(3) . بفتح الهمزة و تخفیف الیاء جمع أعطیة، جمع عطاء کأغطیة و غطاء أو بضمّ الهمزة و تشدید الیاء جمع أغطیة کأمنیة (جامی).
(4) . أی من تجلّى حضرة الاسم الجامع جمیع الصفات و الأسماء لا من الذات الأحدیة؛ فإنّه لا اسم و لا رسم و لا حکم و لا تجلّی و لا غیر ذلک فی الذات الأحدیّة، فیکون تعیّن التجلّی الذتی من الحضرة الإلهیة؛ فلهذا اضیف التجلّی إلیها لا إلى مطلق الذات، فإذا وقع التجلّى من هذه الحضرة استتبع تلک العطایا الذاتیّة (جامی).
(5) . أی بصورة یقتضیها استعداده (جامی).
(6) . أی غیر کون التجلّی بصورة استعداد العبد المتجلّى له لا یکون ابدا (جامی).
(7) . أی فی صورة مرآة وجود الحقّ و سوى الوجود المتعیّن فی هذه الصورة بحسبها؛ لأنّ الذات الإلهیّة لیس لها - - فی حدّ نفسها صورة معیّنة لیظهر بها و هی مرآة الأعیان، فتظهر صور المتجلّى له فیها بقدر استعداده، کما أن الحق یظهر فی مرایا الأعیان بحسب استعداداتها و قابلیاتها لظهور أحکامه (جامی).
جلد: 1، صفحه: 341
الأعطیّات جمع أعطیة، و هی جمع عطاء، فهی جمع الجمع، و المنح جمع منحة و هی العطایا.
و لمّا ذکر فی أوّل الفصّ أنّ العطایا منها ذاتیّة، و منها أسمائیّة، و شبّه انقسامها إلى القسمین بانقسام السؤال إلى قسمین، و فرغ عن تقریره، شرع بذکر الفرق بینهما فقال: أمّا (العطایا الذاتیّة فلا تکون إلاّ عن تجلّ إلهیّ).
أی، عن حضرة هذا الاسم الجامع، الّذی هو باعتبار اسم الذات فقط، و باعتبار آخر اسم للذات مع جمیع الصفات1، و غیره من أسماء الذات کالغنیّ و القدوس و أمثالهما، و التجلّی من الذات لا یکون إلاّ على صورة المتجلى له، و هو العبد و بحسب استعداده؛ لأنّ الذات الإلهیّة لا صورة لها متعیّنة لتظهر الذات بها، و هی2مرآة الأعیان، فتظهر صورة المتجلى له فیها بقدر استعداده.
کما أنّ الحقّ یظهر فی مرایا الأعیان بحسب استعداداتها و قابلیاتها بظهور أحکامه، غیر ذلک لا یکون؛ إذ لا بدّ من المناسبة بین المتجلّی و المتجلى له، و لمّا کان المتجلّی وجودا مطلقا غیر مقیّد باسم جزئی و صفة معیّنة، کذلک لا بدّ أن یکون المتجلّى له مخلّصا عن رقّ القیود المشخّصة، و عبودیّة الأسماء الجزئیّة3، إلاّ عن القید الّذی به تمیّزت ذاته عن ربّه؛ لأنّ الشیء لا یمکن أن یتخلّص عن ذاته إلاّ بالفناء، و حینئذ ینعدم المتجلّى له.
و الکلام مع بقائه فهذا القید لا یقدح فی اطلاقه؛ إذ به «هو هو»، فإذا خلص عنها4
________________________________________
- فی حدّ نفسها صورة معیّنة لیظهر بها و هی مرآة الأعیان، فتظهر صور المتجلّى له فیها بقدر استعداده، کما أن الحق یظهر فی مرایا الأعیان بحسب استعداداتها و قابلیاتها لظهور أحکامه (جامی).
(1) . لأنّ اللّه اسم الذات، و لکن لمّا کانت الذات فی نفس الأمر حاویة لجمیع الصفات و الأسماء الذاتیّة، فیکون اسم الذات مع جمیع الصفات و الأسماء الذاتیة، قال مولانا الجامی فی آخر الفصّ الإدریسی - فی شرح قول الشیخ: «و لیس ذلک إلاّ لمسمّى الله خاصّة» -: یعنی الذات البحت و الوجود المطلق؛ فإنّ اسم الله کما یطلق على مرتبة الإلهیّة کذلک یطلق على الذات البحت و الوجود المطلق.
(2) . أی الذات الإلهیّة.
(3) . مثل القهّار و المنتقم و العلیم و الحکیم.
(4) . أی عن القیود المشخّصة و عبودیة الأسماء الجزئیة.
جلد: 1، صفحه: 342
و حصلت المناسبة من هذه الحیثیّة بینه و بین ربّه، حصل التجلّی الذاتی، و لا یرى حینئذ سوى1 صورة عینه فی مرآة2 الحقّ.
و ما اشتهر بین الطائفة أنّ التجلّی الذاتی، یوجب الفناء و ارتفاع الاثنینیّة، أنّما هو إذا کان التجلّی الذاتی بصفة القهر و الوحدة، المقتضیة لارتفاع الغیریّة و انقهارها، و لذلک جاء «الواحد القهّار» فی قوله تعالى: لِمَنِ اَلْمُلْکُ اَلْیَوْمَ لِلّٰهِ اَلْوٰاحِدِ اَلْقَهّٰارِ3، أو نقول: إنّ کلامه - رضى اللّه عنه - محمول على حال البقاء بعد الفناء، و حینئذ لا یوجب الفناء مرّة أخرى.
و المراد بالاستعداد هنا الاستعداد الکلّی4، الّذی لعین المتجلّى له بعد تخلّصها عن مقتضیات النّفس، و طهارتها عن کدوراتها، لا الجزئی، و إلاّ5 یشتبه الأمر فإنّ النّفس قد تتجلّى على الشخص فی بعض المقامات، و تظهر بالربوبیّة قبل أن یتخلّص عن رقّ القیود، و یکون6 شیطانیّا لا رحمانیّا، و قلیل من تمیّز بینهما، و من هنا یدّعی العبد و یظهر بالربوبیّة کالفراعنة.
(و ما رأى7 الحقّ8، و لا یمکن أن یراه9، مع علمه أنّه ما رأى صورته إلاّ فیه10،
________________________________________
(1) . لأنّ العبد یرى ذاته و لا یمکن له رؤیة ما سوى ذاته، و لکن رؤیة ذاته تکون بواسطة الوجود، فیکون الوجود هو المرآة لرؤیة نفسه، و إذا لم یکن موجودا لم یر نفسه.
(2) . أی فی الوجود المتعیّن فی هذه الصورة.
(3) . غافر (40):16.
(4) . أی غیر مقیّد بالقیودات المشخصة و الأسماء الجزئیة.
(5) . إن لم یتخلّص من مقتضیات النفس.
(6) . هذا التجلّی و الظهور.
(7) . أی العبد المتجلّی له (جامی).
(8) . من حیث إطلاقه (جامی).
(9) . من تلک الحیثیة (جامی).
(10) . أی فی الحقّ.