شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(قال تعالى: لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ2 فنزّه3 و4وَ هُوَ اَلسَّمِیعُ اَلْبَصِیرُ فشبّه، و قال تعالى: لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ5 فشبّه و ثنّى6 و7وَ هُوَ اَلسَّمِیعُ اَلْبَصِیرُ فنزّه8 و أفرد).
اعلم، أنّ الکاف تارة تؤخذ زائدة، و أخرى غیر زائدة.
فعلى الأوّل: معناه التنزیه؛ لأنّه نفى أن یماثله شیء بوجه من الوجوه، و قوله وَ هُوَ اَلسَّمِیعُ اَلْبَصِیرُ تشبیه؛ لأنّهما یطلقان علیه تعالى و على غیره من العباد.
و على الثانی: معناه لیس مثل مثله شیء، فشبّه9 بالمثل فی نفی المثل عن المثل،
________________________________________
(2) . راجع الفص الإلیاسی ص 473.
(3) . بناءا على ما تقرر فی فنون البلاغة أنّ انتفاء أمر عمّا یماثل الشیء یدلّ على انتفائه عنه بأبلغ وجه و أتمّ قصد، کما یقال للجواد مثلک لا تبخل لا على أنّ الکاف زائدة (ص).
(4) . على أن تکون الکاف زائدة فیفید نفی المثل فیکون تنزیها. أو بناء على أنّ نفی مثل المثل یستلزم نفی المثل؛ فإنّه لو کان له مثل یلزم أن یکون لمثله مثل و هو نفسه (جامی).
(5) . الشورى (42):11.
(6) . لأنّ النفی إذا کان متوجّها إلى مثل مثله یدلّ على ثبوت المثل بالضرورة و على ثنویة الوجود و یلزم منه التشبیه فی عین التنزیه فی نفس الوحدة (ص).
(7) . أی حکم بالاثنینیة على أن تکون الکاف غیر زائدة، فیفید إثبات المثل و تشبیه الحقّ به و هو السمیع البصیر (جامی).
(8) . حیث حصر السمع و البصر فیه فلا یشابهه الخلق فیهما و أفرد أی حکم بتفرّده بهما (جامی).
(9) . لأنّ نفی المثل عن المثل یستلزم نفی المثل عنه.
جلد: 1، صفحه: 428
و ثنّى أیضا بإثبات المثل، و نزّه بقوله: وَ هُوَ اَلسَّمِیعُ اَلْبَصِیرُ فإنّ السّمع و البصر فی الحقیقة للّه لا لغیره، و فی علم الفصاحة و البلاغة مبیّن أنّ الضمیر إذا قدّم و خبره معرّف باللاّم یفید الحصر، کقولک «فلان هو الرجل» أی: الرجولیّة منحصرة فیه و لیست لغیره، کذلک هاهنا، أی: هو السّمیع البصیر لا غیره، فیفید حصرهما فیه، و هو الإفراد و التنزیه عن النقصان، و هو عدم السّمع و البصر.
و إنّما جعل السّمع و البصر فی الأوّل تشبیها و فی الثانی تنزیها، لیجمع بین التنزیه1و التشبیه2، و هو مقام الکمال3، و لمّا کان السّمع و البصر راجعین إلى الحقّ فی مقام الجمع، قال: (و أفرد) و لم یقل: «و وحّد» تنبیها على أنّ فردانیته لا تکون إلاّ فی عین الکثرة؛ لأنّ الفردیّة تشتمل علیها4 ضرورة، لکونه5 عددا،6 و الوحدانیّة تقابلها7.
(فلو أنّ نوحا علیه السّلام8 جمع لقومه بین الدعوتین9 لأجابوه10، فدعاهم جهارا11 ثمّ
________________________________________
(1) . فی مقام الجمع.
(2) . فی مقام التفصیل.
(3) . و هو جمع المقامین.
(4) . أی على الکثرة.
(5) . أی الفرد.
(6) . و العدد هو الکثرة.
(7) . أی الکثرة.
(8) . معناه، أنّ نوحا - علیه السّلام - بالغ فی التنزیه لإفراطهم فی التشبیه، و هم ألفوا بالتعدد الأسمائی و احتجبوا بالکثرة عن الوحدة، فلو لم یؤاخذهم بالتوحید الصرف و التنزیه المحض و أثبت التعدّد الأسمائی و دعاهم إلى الکثیر الواحد و الکثرة الواحدة و ألبس الوحدة صورة الکثرة و جمع بین الدعوة التشبیهیّة و التنزیهیّة کما فعل محمّد - صلّى اللّه علیه و آله و سلّم -، لأجابوه بما ناسب التشبیه من ظواهرهم؛ لإلفتهم مع الشرک و بما ناسب التنزیه من بواطنهم، و لکن اقتضى حالهم من التعمّق فی الشرک القهر بالغیرة الإلهیّة، فلم یرسل إلیهم إلاّ لیباریهم و لا یداریهم (ق).
(9) . و لم یقتصر على الدعوة إلى التنزیه الصرف أو التشبیه الصرف (جامی).
(10) . لمناسبة بواطنهم التنزیه و ظواهرهم التشبیه، لکنّه لم یجمع بینهما بل فرّق (جامی).
(11) . إلى الاسم الظاهر و التشبیه (جامی).
جلد: 1، صفحه: 429
دعاهم إسرارا1، ثمّ قال لهم2: اِسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کٰانَ غَفّٰاراً3,4 و قٰالَ رَبِّ إِنِّی دَعَوْتُ قَوْمِی5 لَیْلاً وَ نَهٰاراً فَلَمْ یَزِدْهُمْ دُعٰائِی إِلاّٰ فِرٰاراً67.
و لمّا کانت هذه الحکمة فی کلمة نوح و مرتبته، قال8: إنّه9 (علیه السّلام) لو کان یجمع بین الدعوتین، إی: لو کان یجمع فی دعوته بین التشبیه و التنزیه کما جمع فی القرآن بینهما10، لأجابوه؛ لأنّه لو أتى بالتشبیه لحصلت المناسبة بینهم و بینه من حیث التشبیه، إذ کانوا مثبتین لأصنامهم الصفات الکمالیّة، لذلک قالوا: مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِیُقَرِّبُونٰا إِلَى اَللّٰهِ
________________________________________
(1) . إلى الاسم الباطن و التنزیه فلم یجیبوه لما سیشیر إلیه الشیخ - ره -. (جامی).
(2) . قال مولانا صائن الدین: ثم إنّه لمّا شاهد منهم التصامم و التقاعد عن دعوته إیّاهم، و عرف ممّا نوّر علیه من مشکاة نبوّته أنّهم إنّما عملوا ذلک لما فی قوة قابلیّتهم من طلب القرآن الکمالی الذی هو غایة حقیقتهم النوعیة، و عرف أیضا أنّ کلمته النوحیة المبعوثة فی زمانه ذلک على ألسنة قومه إنما یفصح عن التنزیه الفرقانی، و ذلک هو الذی علیه کلمتهم و لسانهم فی زمانهم، فاقتضى ذلک أن یعتذر عن نفسه فیما صدر عنه من الإخفاء و الفرقان، فأشار إلى ذلک الاعتذار المترتّب على عرفانه بما رأى منهم بقوله: ثم قال لهم اِسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ... (شرح صائن الدین، ج 1، ص 250).
(3) . أی کثیر الستر لهذه الذنوب ثم شکى إلى ربّه و قال: رَبِّ إِنِّی دَعَوْتُ قَوْمِی لَیْلاً من حیث حقائقهم الباطنة إلى التنزیه وَ نَهٰاراً من حیث حقائقهم الظاهرة الى التشبیه (جامی).
(4) . نوح (71):10.
(5) . قال مولانا صائن الدین فلئن قیل: إذا کان نوح عارفا بالأمر على ما هو علیه من مشکاة نبوّته و علم أنّ عدم إجابتهم دعوته أنّما هو لما فی جبلّتهم من طلب القرآن الکمالیّ الجمعیّ، و کان الأنبیاء مبعوثین لتکمیل أممهم فما سبب توقّفه فی إبلاغهم القرآن الکمالی مع طلبهم إیّاه؟
قلنا: إنّ الامم و إن کان متوجّه طلبهم الأصلی ذلک الکمال القرآنی، و لکن لهم بحسب نشأتهم الطاریة على أصلهم ألسنة بها یتدرّجون إلى مراقی فهمه، و الأنبیاء مبعوثون بحسب تلک الألسنة؛ فإنّ کلّ نبیّ أنّما أرسل بلسان قومه؛ و لذلک وقف نوح موقف الاعتذار عن قومه و قال: ربّ إنّی دعوت... (شرح صائن الدین ج 1، ص 251).
(6) . و نفورا ممّا دعوتهم إلیه (جامی).
(7) . نوح (71) 6-5.
(8) . أی الشیخ ره.
(9) . أی نوح - ع -.
(10) . فی قوله تعالى: لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ الشورى (42):11.
جلد: 1، صفحه: 430
زُلْفىٰ1 فجعلوهم2 من المقرّبین عند اللّه و المقرّبین لغیرهم، و أثبتوا لهم الشفاعة، کما قالوا: هٰؤُلاٰءِ شُفَعٰاؤُنٰا عِنْدَ اَللّٰهِ3.
و التقریب من اللّه و الشفاعة4 لا یکونا إلاّ لمن له الصفات الکمالیّة، فلو أتى5بالتشبیه لصدّقوه، و قبلوا کلامه أیضا فی التنزیه، و لکن دعاهم جهارا، أی: ظاهرا إلى الظاهر المطلق من حیث صورهم و ظواهرهم، لیعبدوا اللّه بظواهرهم بالعبادات البدنیّة، و الاتیان بالأعمال الحسّیّة، ثمّ دعاهم إسرارا، أی: باطنا إلى الباطن المطلق من حیث عقولهم و روحانیّتهم، لیعبدوا الباطن المطلق، عبادة الملأ الأعلى6 و الملائکة المقرّبین.
فلمّا لم یقبلوا دعوته لرسوخ المحبّة للمظاهر الجزئیة - التی هی معبوداتهم - فی قلوبهم و بواطنهم، قال: اِسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کٰانَ غَفّٰاراً أی: اطلبوا منه ستر وجوداتکم و ذواتکم و صفاتکم، بوجوده و ذاته و صفاته، فنفرت بواطنهم منه؛ لأنّ الأنفس مجبولة على محبة أعیانها، أو لعدم قدرتهم بأنفسهم على ذلک.
فلمّا رأى النفور منهم قال: إِنِّی دَعَوْتُ قَوْمِی لَیْلاً أی: فی السرّ وَ نَهٰاراً أی:
فی العلانیّة، أو لَیْلاً فی الباطن و الغیب بالدعوة الروحانیّة وَ نَهٰاراً أی: فی الشهادة و الظاهر، بالدعوة الحاصلة بالقوى الجسمانیّة فَلَمْ یَزِدْهُمْ دُعٰائِی إِلاّٰ فِرٰاراً من قبول الوحدة و شهود الحقّ المطلق، الظاهر بصور الکثرة.
(و ذکر نوح عن قومه أنّهم تصامّوا7 عن دعوته8، لعلمهم بما یجب علیهم من إجابة دعوته).
________________________________________
(1) . الزمر (39):3.
(2) . أی الأصنام.
(3) . یونس (10):18.
(4) . عند الله.
(5) . نوح علیه السّلام.
(6) . أی لعبادة الملإ الأعلى.
(7) . فی النسخ کلّها بلا إدغام، (تصامموا).
(8) . إلى التنزیه حیث جعلوا أصابعهم فی آذانهم و استغشوا ثیابهم (جامی).
جلد: 1، صفحه: 431
أی، لمّا علموا أنّ إجابة دعوته واجبة علیهم تصامموا1، و سدّوا أسماع قلوبهم بعدم القبول لقوله، کما قال: جَعَلُوا أَصٰابِعَهُمْ فِی آذٰانِهِمْ2.
________________________________________
(1) . فتصامّوا عنها؛ لئلاّ یجب علیهم إجابتها، و کان هذا العلم حاصلا لهم بحسب فطرتهم الأصلیة و إن لم یعلموا بما اقتضاه؛ لغلبة الظلمة الحجابیة علیهم (جامی).
(2) . نوح (71):7.