شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(فقال نوح6 فی حکمته لقومه: یُرْسِلِ اَلسَّمٰاءَ7 عَلَیْکُمْ مِدْرٰاراً8 و هی9المعارف العقلیّة فی10 المعانی و النظر الاعتباری11وَ یُمْدِدْکُمْ بِأَمْوٰالٍ12 أی، بما یمیل
________________________________________
(6) . أی فی بیان حکمته المقصودة له من الأمر بالاستغفار (جامی).
(7) . أی سماء الأسماء الإلهیّة: الأرواح القدسیّة (جامی).
(8) . نوح (71):11.
(9) . أی المدار من حیث ما یتنزّل منها هی (جامی).
(10) . أی فی طور فهم المعانی الباطنة عن المعانی الظاهرة (جامی).
(11) . الذی یعبّر فیه من الظاهر و الباطن و الصورة إلى المعنى. و فی بعض النسخ: «و النظر بالاعتبار». و المعنى واحد.
و أمّا فی طور فهم المعانی الظاهرة و النظر غیر الاعتباری المقتصر على الظاهر فالمدار هی السحاب الکثیر الدرور (جامی).
(12) . نوح (71):12.
جلد: 1، صفحه: 438
بکم إلیه1، فإذا مال بکم إلیه2 رأیتم صورتکم فیه).
اعلم، أنّ السماء فی الحقیقة عالم الأرواح و الأرض عالم الاجسام، و لا تفیض من عالم الأرواح إلاّ الأنوار الملکوتیّة و المعارف العقلیّة، الموجبة للکشف و الیقین؛ لیعتبروا بما حصل لهم ما3 لم یحصل، و یؤمنوا بالحقّ و کمالاته بما أفاض علیهم من آیاته، فلمّا کان الأمر کذلک أشار نوح إلى قومه، و بیّن حکمة ما دعاهم إلیه بقوله: یُرْسِلِ اَلسَّمٰاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرٰاراً أی، یرسل الحقّ علیکم من السماء المعارف العقلیّة و العلوم الحقیقیّة، و یعطیکم النظر الاعتباری فی الأشیاء؛ لتستدلّوا بوجودکم على وجود الحقّ، و بوحدتکم على وحدته، و بذواتکم على ذاته، و بما فی عالم الشهادة من الموجودات و الکمالات على ما فی الغیب من العقول و النفوس، و کمالاتهم.
وَ یُمْدِدْکُمْ بِأَمْوٰالٍ أی، بتجلّیات حبیّة4 و جواذب جمالیّة، لیجذبکم إلیه و یوصلکم إلى مقام الفناء فیه، و یتجلّى لکم بالتجلی الذاتی، و عند هذا التجلّی تشاهدون أعیانکم فی مرآة الحقّ.
و إنّما فسّر الأموال: بما یمیل بکم إلیه، تنبیها على أنّ المال أنّما سمّی مالا لمیل القلوب إلیه، و ضمیر «فیه» راجع إلى ما یرجع إلیه ضمیر «إلیه» و هو الحقّ.
(فمن تخیّل منکم أنّه رآه5 فما عرف6، و من عرف منکم أنّه رأى نفسه7 و8 فهو
________________________________________
(1) . أی إلى الحقّ سبحانه من التجلّیات الحببیّة و الجواذب الجمالیّة؛ فإنّ المال سمّی مالا لمیل القلوب إلیه (جامی).
(2) . أی إلیه سبحانه، و أوصلکم إلى مقام الفناء فیه و تجلّى علیکم بالتجلّی الذاتی (جامی).
(3) . مفعول قوله: «لیعتبروا».
(4) . إشارة إلى الحدیث القدسیّ: «کنت کنزا مخفیّا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لکی أعرف.»
جامع الأسرار و منبع الأنوار ص 102-159. أسرار الشریعة و أطوار الطریقة و أنوار الحقیقة ص 45. منارات السائرین.
(5) . أی الحقّ سبحانه (جامی).
(6) . الأمر على ما هو علیه؛ فإنّ الحقّ أجلّ من أن تسعه صورة (جامی).
(7) . قال الشیخ فی أوائل الجلد الرابع من الفتوحات: و کلّ مرئی لا یرى الرائی إذا رآه منه إلاّ قدر منزلته و رتبته، فما رآه و ما رأى إلاّ نفسه، و لو لا ذلک ما تفاضلت الرؤیة فی الرائین؛ إذ لو کان هو المرئی ما اختلفوا.
(8) . أی، فی مرآة الحقّ أو الحقّ فی مرآة نفسه، لکن بقدر المرآة لا بحسب ما هو علیه فی نفسه (جامی).
جلد: 1، صفحه: 439
العارف1، فلهذا انقسم النّاس2 إلى عالم3، و غیر عالم)4.
الفاء للتعقیب، أی: بعد أن رأى صورته فی الحقّ، فمن تخیّل منکم أنّه رأى الحقّ فما عرف؛ لأنّ ذاته من حیث «هی هی» لا یمکن أن ترى، و الرؤیة أنّما تحصل عند التنزّل و التجلّی بما یمکن أن یرى، کما قال صلّى اللّه علیه و آله: «سترون ربّکم کما ترون القمر لیلة البدر»5 و شبّه برؤیة القمر، و من عرف منکم أنّه رأى نفسه و عینه فهو العارف بالحقیقة، و الآخر لیس بعارف کامل مع أنّه من أهل الکشف و الشهود، کما مرّ فی الفصّ الشیثی.
(وَ وَلَدُهُ6 و هو ما انتجه لهم نظرهم الفکری7، و الأمر8 موقوف علمه على المشاهدة، بعید عن نتائج الأفکار إِلاّٰ خَسٰاراً).
إشارة إلى قوله تعالى: قٰالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِی وَ اِتَّبَعُوا مَنْ لَمْ یَزِدْهُ مٰالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلاّٰ خَسٰاراً9 أی، أنّهم عصونی و لم یقبلوا منّی ما یوجب المشاهدة و العیان، و اتّبعوا عقولهم و نظرهم الفکری الّذی لَمْ یَزِدْهُ مٰالُهُ و هو علومهم العقلیة وَ وَلَدُهُ و هو نتیجتهم الحاصلة من ترکیب قیاساتهم العقلیة إِلاّٰ خَسٰاراً أی، ضیاعا لرأس مالهم من
________________________________________
(1) . لا الأوّل الذی هو صاحب التخیّل و إن کان هو أیضا صاحب الکشف و الشهود، و لمّا کان اعتقاد الأوّل أنّه رأى الحق خیالا حقیقة لا بخلاف الثانی قال رضی اللّه عنه فی الأوّل: فمن تخیّل و فی الثانی فمن عرف (جامی).
(2) . الذین هم أصحاب الکشف و التجلّی؛ فإنّ من عداهم لیسوا بناس فی الحقیقة (جامی).
(3) . عارف بأنّ المرئیّ أنّما هو صورته فی الحقّ لا الحقّ (جامی).
(4) . بتخیّل أنّ المرئیّ هو الحقّ سبحانه (جامی).
(5) . بحار الأنوار ج 94، ص 251 و جامع الأسرار و منبع الأنوار ص 172.
(6) . أشار الشیخ إلى قوله تعالى، حکایة عن نوح -: رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِی وَ اِتَّبَعُوا مَنْ لَمْ یَزِدْهُ مٰالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلاّٰ خَسٰاراً (نوح (71):21) فقال: و ولده... (جامی).
(7) . و قیاسهم العقلی فی معرفتهم الحقّ سبحانه تنزیها و تشبیها (جامی).
(8) . أی أمر التنزیه و التشبیه فی معرفة الحقّ سبحانه على ما جاء به الأنبیاء علیهم السّلام موقوف علمه على المشاهدة العیانیّة و التجلّیات الذوقیّة الوجدانیّة بعید عن نتائج الأفکار العقلیّة و القیاسات البرهانیّة؛ فلذلک لم تزدهم تلک النتائج إلاّ خسارا أی ضیاعا (جامی).
(9) . نوح (71):21.
جلد: 1، صفحه: 440
العمر و الاستعداد.
و ذلک لأنّ المقام مقام المشاهدة و هو فوق طور العقل، و العقل بفکره و نظره لا یصل إلیه، فمن تصرّف فی ما جآئت الأنبیاء به بعقله، أو اعتقد أنّ الحکماء و العقلاء غیر محتاجین إلیهم، فقد خسر خسرانا مبینا.