شرح القیصری علی فصوص‌الحکم (حسن‌زاده الآملی):
(فجاء المحمّدیّ و علم أنّ الدعوة إلى اللّه ما هی من حیث هویّته،1 و إنّما هی من حیث أسمائه، فقال: یَوْمَ نَحْشُرُ اَلْمُتَّقِینَ إِلَى اَلرَّحْمٰنِ وَفْداً2 فجاء بحرف الغایة و قرنه بالاسم، فعرفنا أنّ العالم کان تحت حیطة اسم الهیّ، أوجب3 علیهم أن یکونوا متّقین)4.
فجاء القلب المحمّدیّ، أو الداعی المحمّدی، و علم أنّ الدعوة إلى اللّه لیست من حیث هویّة الحقّ، لأنّها موجودة فی کلّ موجود، و إنّما هی من حیث أسمائه، أی:
یدعو الخلق من الأسماء الجزئیة التی یعبدونها إلى الاسم الجامع الإلهیّ، و هو «اللّه»
________________________________________
(1) . الساریة فی الموجودات کلّها حتّى یرد أن یقال: لیست هی مفقودة من البدایة فیدعى إلیها فی الغایة، و إنّما هی الدعوة من حیث أسمائه فیدعى من اسم إلى اسم آخر کما یدعى من الخافض الى الرافع و من المنتقم إلى الرحیم و من المضلّ إلى الهادی (جامی).
(2) . مریم (19) 85.
(3) . و هذا الإیجاب إمّا أن یکون الاتّقاء فیهم أثرا من آثار ذلک الاسم کالاسم الواقی و الحفیظ مثلا أو یکون أثر ذلک الاسم ممّا یتّقى منه کالاسم المنتقم و القهّار و غیرهما.
و على کلّ تقدیر فحشرهم إلى الاسم «الرحمن» أنّما هو من ذلک الاسم، فکما أنّ الحشر لا یکون إلاّ من اسم إلى آخر فکذلک الدعوة إلى اللّه لا تکون إلاّ کذلک (جامی).
(4) . حقیقة التقوى أن یجتنب الإنسان من إضافة الخیرات و الکمالات و الصفات الحمیدة إلى نفسه أو غیره إلاّ إلیه، و یتّقى من أفعاله و صفاته فإنّها شرور من معدن الإمکان فیطّلع على سرّ قوله تعالى مٰا أَصٰابَکَ مِنْ سَیِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِکَ (النساء (4):79) لأنّ الشرور عدمیّة و أصل العدم و منبعه الإمکان (ق).
جلد: 1، صفحه: 445
و «الرحمن» کما قال تعالى: یَوْمَ نَحْشُرُ اَلْمُتَّقِینَ إِلَى اَلرَّحْمٰنِ وَفْداً أی، نحشر الّذین یتّقون - من الأمور المقیّدة الحاجبة لهم عن أنوار الاسم الجامع، الموجبة للظلمة و الضلالة - إلى الاسم الجامع الرحمانیّ.
فجاء بحرف الغایة و هو «إلى»، و قرنه بالاسم الرحمانیّ لیعلم أنّ العالم من حیث انّه أسماء إلهیّة، أی: مظهر أسماء إلهیّة جزئیّة کانت أو کلّیة، تحت إحاطة اسم إلهیّ، و هو «اللّه» و «الرحمن» أزلا، فأوجب ذلک الاسم على أهل العالم أن یکونوا متّقین، محترزین عن عبادة الأسماء الجزئیّة دائما، لیعبدوا اللّه بجمیع أسمائه؛ لأنّ العابد للّه عابد لجمیع الأسماء، لأنّها داخلة فیه، و أمّا عابد «المنعم» مثلا لیس عابد «المنتقم» فیما یعبد اللّه من حیث جمیع أسمائه، لذلک قال: أَ أَرْبٰابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أَمِ اَللّٰهُ اَلْوٰاحِدُ اَلْقَهّٰارُ1.
(فقالوا فی مکرهم2لاٰ تَذَرُنَّ آلِهَتَکُمْ وَ لاٰ تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لاٰ سُوٰاعاً وَ لاٰ یَغُوثَ وَ یَعُوقَ وَ نَسْراً3 فإنّهم إذا ترکوهم جهلوا من الحقّ على قدر ما ترکوا من4 هؤلاء، فإنّ للحقّ فی کلّ معبود5 وجها، یعرفه من عرفه، و یجهله من جهله)6.
أی، قال قومه فی مکرهم معه لیدعو علیهم لاٰ تَذَرُنَّ آلِهَتَکُمْ و هی ودّ، و سواع، و یغوث، و یعوق، و نسر؛ لأنّ هویّة الحقّ ظاهرة فیهم کما فی غیرهم، فلو ترکوهم جهلوا من مظاهر الحقّ على قدر ما ترکوا، لأنّ للحقّ فی کلّ معبود و موجود وجها، إذ وجه الباقی مع کلّ شیء یعرفه، أی: یعرف هذا المعنى من عرف الحقّ و مظاهره، و یجهله من جهل الحقّ و مظاهره.
________________________________________
(1) . یوسف (12) 39.
(2) . عطف على قوله: فأجابوه مکرا، بیانا و تفسیرا له أی قال بعض منهم لبعض آخر منهم حین أجابوا نوحا مکرا: لا تذرن آلهتکم... (جامی).
(3) . نوح (71):23.
(4) . بیان لما ترکوا (جامی).
(5) . منهم (جامی).
(6) . فمن ترک هؤلاء المعبودین جهل الحقّ من حیث الوجوه التی له سبحانه فیهم؛ فلهذا نهوهم عن ترکهم (جامی).
جلد: 1، صفحه: 446
(و فی1 المحمّدیین2: وَ قَضىٰ رَبُّکَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِیّٰاهُ3 و4.
أی، حکم و جآء فی حقّ المحمّدیین: وَ قَضىٰ رَبُّکَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِیّٰاهُ أی، حکم أزلا ربّ محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و هو الاسم «اللّه» الجامع، أن لا تعبدوا إلاّ اللّه الجامع للأرباب، و لا تعبدوا الأرباب المتفرّقة.
(فالعالم یعلم من عبد5، و فی أیّ صورة ظهر حتّى عبد، و إنّ التفریق و الکثرة کالأعضاء فی الصّورة المحسوسة، و کالقوى المعنویّة فی الصّورة الروحانیّة).
فالعالم باللّه و مظاهره یعلم أنّ المعبود هو الحقّ فی أیّ صورة کان، سواء کانت حسّیّة کالأصنام، أو خیالیّة کالجنّ، أو عقلیّة کالملائکة، و یعلم أنّ التفریق و الکثرة مظاهر لأسمائه و صفاته، و هی کالأعضاء فی الصّورة الانسانیّة؛ فإنّ العین مظهر للابصار، و الأذن للسمع، و الأنف للشمّ، و الید للبطش، و کالقوى الروحانیّة کالعقل و الوهم و الذاکرة و الحافظة و المفکّرة و المتخیّلة، فإنّها کلّها مظاهر لصفات الروح.
(فما عبد غیر اللّه6 فی کلّ معبود)7 إذ لا غیر فی الوجود.
________________________________________
(1) . أی جاء فی المحمّدیّین (جامی).
(2) . ما یؤکّد ما ذکرنا من أنّ للحقّ سبحانه فی کلّ معبود وجها، و هو قوله تعالى: وَ قَضىٰ رَبُّکَ الذی هو الاسم «الله» مع «أن لا تعبدوا إلاّ إیّاه» (جامی).
(3) . الإسراء (17):23.
(4) . أی حکم و قدّر فی الأزل، فلو لم یکن للّه سبحانه فی کلّ معبود وجها خاصا یعبد هذا المعبود لأجله لم یصحّ هذا الحصر و لا یطابق هذا الحکم الواقع، فإنّه قد یعبد آلهة متکثّرة متعدّدة فی الواقع.
(5) . فی صور المعبودین (جامی).
(6) . المعبود الحقّ (جامی).
(7) . أی المعبود هو الظاهر فی کل معبود، بل فی کلّ موجود و إن لم یشعر العابدون بذلک فی هذه النشأة.
قال الشیخ - ره - فی الفتوحات: عبد المخلوق هاهنا من عبده و ما عبد إلاّ اللّه من حیث ما لا یدرى، و یسمّی معبوده مناة و العزى و اللات، فإذا مات و انکشف الغطاء علم أنّه ما عبد إلاّ اللّه، فالناظرون إلى المعبود صنفان: أعلى و أدنى (جامی).