شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و لمّا4 خافت نفوس العمّال منّا أتبع المعیّة بقوله وَ لَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمٰالَکُمْ فالعمل یطلب المکان، و العلم یطلب المکانة، فجمع لنا بین الرفعتین؛ علو المکان بالعمل، و علو المکانة بالعلم).
أی، لمّا علم الزّهاد و العبّاد - الّذین لا علم لهم بالحقائق و لا معرفة - أنّ علو المکانة أنّما هو بحسب العلم و الکشف الحقیقیّ، و خافت نفوسهم و حسبوا أن لا نصیب لهم من العلو، ذکر الحقّ فی کلامه بعد قوله: وَ اَللّٰهُ مَعَکُمْ وَ لَنْ یَتِرَکُمْ5 أی، لا ینقصکم الحقّ أعمالکم فیکون لکم علو المکان بحسب أعمالکم، و إنّما کان علو المکانة للعلم، و علو المکان للعمل؛ لأنّ المکانة للروح کما أنّ المکان للجسم، و العلم روح العمل و العمل جسده، فاقتضى کلّ منهما بحسب المناسبة ما یشبهه و یماثله، فعلو المکانة للعالم، و علو المکان للعامل، و من جمع بینهما فله العلوّان.
(ثمّ قال تنزیها للاشتراک بالمعیّة: سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّکَ اَلْأَعْلَى6 عن هذا الاشتراک المعنوی)7.
________________________________________
(4) . إذ فهموا من الآیة معیّة علوّ المکانة - أن یفوت جزاء أعمالهم - یعنی علوّ المکان، اتبع المعیة بقوله: وَ لَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمٰالَکُمْ.
(5) . محمّد (47):36.
(6) . الأعلى (87):1.
(7) . فإنّ العلوّ الذاتی لا یکون إلاّ للحقّ، و العلوّ الذی لغیره بالتبعیّة (ص).
جلد: 1، صفحه: 483
و لمّا قال: وَ اَللّٰهُ مَعَکُمْ و أثبت له العلو أیضا کما أثبته لنا، و هو له لذاته و لنا بالتبعیّة، نزّه عن هذا الاشتراک المعنوی بقوله: سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّکَ اَلْأَعْلَى، الّذی له العلو الذاتی، و لیس ذلک لأحد غیره.
(و من1 أعجب الأمور کون الانسان أعلى الموجودات، أعنی الانسان الکامل، و ما2 نسب إلیه3 العلو إلاّ بالتبعیّة، إمّا إلى المکان، و إمّا إلى المکانة، و هی4المنزلة)5.
کون الانسان أعلى الموجودات أنّما هو باعتبار مرتبته الجامعة للمراتب کلّها، أی:
و من أعجب الأمور أنّه أعلى مرتبة من جمیع الموجودات، و لیس له العلو بذاته، بل باعتبار المکان الّذی هو دونه، أو باعتبار المکانة و هی المرتبة.
(فما6 کان علوّه لذاته فهو العلیّ بعلو7 المکان و المکانة8، فالعلو لهما)9 و10.
أی فلیس علو الانسان الکامل مع کونه أعلى الموجودات علوا ذاتیّا، فهو علیّ بعلو المکان و المکانة لا لذاته، فالعلو للمکان و المکانة لا له، و علوهما11 أیضا أنّما هو من تجلّیة12 لهما باسمه «العلّی»، فالعلو الذاتی لا یکون إلاّ للّه.
________________________________________
(1) . بیان أنّ العلوّ لیس إلاّ للّه (ق).
(2) . نافیة.
(3) . أی إلى الإنسان الکامل (جامی).
(4) . أی المکانة هی المنزلة (جامی).
(5) . و هما من الموجودات، فیکون علوّ الإنسان تابعا لما یکون هو أعلى منه، و هذا من خصائص جمعیّته الإطلاقیّة و إحاطتها بالأطراف و الأضداد (ص).
(6) . نافیة.
(7) . کإدریس (جامی).
(8) . کالمحمدیّین (جامی).
(9) . فالعلوّ بالأصالة لهما - أی للمکان و المکانة - و بالتبعیّة للإنسان الکامل (جامی).
(10) . فالعلوّ لهما بالذات لا للإنسان و لا لشیء غیرهما فانّ الأسماء الإلهیّة أیضا لا علوّ لها إلاّ بهما (ص).
(11) . أی المکان و المکانة.
(12) . أی الحقّ.
جلد: 1، صفحه: 484
و یجوز أن یکون «ما» بمعنى الّذی، و یکون المراد تشبیه الحقّ بما نزهه عنه، و هو کونه علیّا بعلو المکان و المکانة، و یعضده قوله: (فعلوا المکان ک اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ1... الخ).
و معناه، فالّذی کان علیّا لذاته فی مرتبة أحدیّته و مقام الوهیّته، هو أیضا علیّ بعلو المکان و المکانة فی مرتبة اخرى کغیره ممّا لیس له العلو الذاتی، و هذا من جملة ظهور الحقّ بالصفات الکونیّة کقوله: «مرضت فلم تعدنی»2، مَنْ ذَا اَلَّذِی یُقْرِضُ اَللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً3.
فالعلو للمکان و المکانة و للحقّ بتبعیتهما، کما جعل نفسه وکیلا للعباد بقوله:
أَلاّٰ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِی وَکِیلاً4 و قوله: رَبُّ اَلْمَشْرِقِ وَ اَلْمَغْرِبِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَکِیلاً5، مع أنّه مالک الملک کلّه؛ و ذلک لأنّه تجلّى لهما باسمه «العلیّ» فجعل لهما العلو، ثمّ جعل لنفسه العلو بتبعیّتهما فی بعض مراتب التنزّلات، و من علم أن لیس فی الوجود إلاّ هو، علم أنّ العلیّ بالذات و بالتبعیّة أیضا لا یکون إلاّ هو، و علم أنّ کلّ ما هو علیّ بالتبعیّة هو أیضا علیّ بالعلو الذاتی،6 کما یقرّره بقوله: (فالمسمّى محدثات هی العلیّة لذاتها، و لیست إلاّ هو).
(فعلوّ المکان اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ، و هو أعلى الأماکن،7 و علو المکانة)
________________________________________
(1) . طه (20):5.
(2) . بحار الأنوار ج 74 ص 368 ح 56. صحیح مسلم ج 8 13، کأنّه أشار إلیه العارف الرومی بقوله:
آنکه گفت إنّی مرضت لم تعد من شدم رنجور او تنها نشد مثنوى معنوى ج 1 ص 341.
(3) . البقرة (2):245.
(4) . الإسراء (17):2.
(5) . المزمّل (73):9.
(6) . قال فیما بعد: لأنّ الحقّ تعالى، علیّ لذاته لا بالإضافة، فالموجودات أیضا کذلک؛ لأنّها لیست إلاّ أثرا من الحقّ.
(7) . فإنّه لیس بین أسماء الحقّ أعلى و أشمل إحاطة من «الرحمن» فإذا کان العرش مستواه یکون هو أعلى الموجودات ضرورة (ص).
جلد: 1، صفحه: 485
کُلُّ شَیْءٍ هٰالِکٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ1 و2... وَ إِلَیْهِ یُرْجَعُ اَلْأَمْرُ کُلُّهُ3 و4أَ إِلٰهٌ مَعَ اَللّٰهِ5 و6.
أی، فما یقتضی نسبة العلو المکانی إلیه هو قوله: اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ فإنّ العرش أعلى الأماکن، و هو مستو علیه بحسب ظهوره فیه، فله العلو المکانی.
و لا تناقض بین قوله: (و هو یتعالى عن المکان، لا عن المکانة)، و بین إثباته له؛ فإنّ ذلک التعالی بحسب الذات، لا بحسب المظاهر و الأسماء، و الاثبات بحسبهما، و کذا ما یقتضى نسبه علو المکانة إلیه هو کُلُّ شَیْءٍ هٰالِکٌ... الخ؛ إذ البقاء مع هلاک الأشیاء، و کونه مرجع الأمور و الانفراد بالإلهیّة، منزلة عظیمة و مکانة رفیعة، لا یمکن أن یکون فوقها مرتبة.
________________________________________
(1) . القصص (28):88.
(2) . و هو طرف جامعیّته و ظهوره فللوجه رتبة العلوّ فی الظهور (ص).
(3) . هود (11):123.
(4) . و هو طرف غیبه و بطونه؛ فإنّ الهویة المطلقة لها رتبة العلوّ فی الوجود (ص).
(5) . النمل (27):60.
(6) . و هو الجامع بین الطرفین ظهورا و وجودا فعلم من هذا أنّ لعلوّ المکانة حضرات ثلاث، و علم أیضا وجه ذاتیّة العلوّ للمکان و المکانة، و أمّا أنّه لغیرهما بالتبعیّة فمن قوله: و لمّا قال تعالى: وَ رَفَعْنٰاهُ مَکٰاناً عَلِیًّا (ص).