شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و من أسمائه الحسنى4 «العلیّ»).
و اعلم، أنّه5 اسم من أسماء الذات، و هو بهذا الاعتبار لا یستدعی من یکون علّیا علیه، و أمّا باعتبار أنّ العلو نسبة اضافیّة یستدعی السفل فیستدعی ذلک.
لذلک قال: (على من؟6 و ما ثمّ إلاّ هو!) أی، علوه على من؟ و ما ثمّ فی الوجود شیء غیره.
________________________________________
(4) . و إذ قد تبیّن أنّ العلوّ لغیر المکان و المکانة، أنّما هو بالتبعیّة و الإضافة و الذی لهما مرجعه بالحقیقة إلى الحق - و أمّا الذی للمکانة فظاهر، و أمّا الذی للمکان فلأنّه باستواء الرحمان علیه و هو من أسمائه تعالى، فعلم أنّ العلوّ بالذات أنّما هو للحقّ فقط - أخذ فی تحقیق العلوّ الذاتی الذی للحقّ بقوله: و من أسماء الحسنى... (ص).
(5) . أی العلیّ.
(6) . فإنّ علوّ المکان غالبا أنّما یستعمل ب «على» کقوله تعالى: اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ (طه (20):5) فإذا لم یکن فی الوجود أحد یعلو علیه الحقّ بالمکان لا یمکن أن یکون علوّه بالإضافة؛ فإنّ کلّ ما فیه هو الحقّ (ص).
جلد: 1، صفحه: 488
(فهو العلیّ لذاته)1 أی، فهو العلیّ لذاته لا بالنسبة إلى غیره، فلا یستدعی من یکون علیّا علیه، کما مرّ.
(و عن ماذا؟ و ما هو إلاّ هو، فعلوّه لنفسه).
أی، عن من استفاد العلو حتّى لا یکون له لذاته، و الحال أنّ «ما هو» أی: لیس ذلک الشیء أیضا إلاّ هو، فلیس شیء آخر غیره استفاد منه العلو، فعلوّه لذاته، أو یکون «العلیّ» متضمّنا لمعنى الارتفاع، یقال: «على علیه» أی: غلب علیه، و «علا عنه» أی:
ارتفع عنه، معناه:2 أنّه المرتفع عن ماذا، أو عن من؟، و لیس فی الوجود غیره.
(و هو من حیث الوجود3 عین الموجودات4، فالمسمّى محدثات هی العلیّة لذاتها،5 و لیست6 إلاّ هو7، فهو العلیّ لا علو اضافة؛ لأنّ الأعیان التی لها العدم8الثابتة9 فیه10 ما11 شمّت رائحة من الوجود12، فهی على حالها مع13 تعداد
________________________________________
(1) . أی العلیّ المطلق الذی هو أعلى من أن یکون علوّه بالقیاس إلى السفل، هذا حال علوّ المکان، و کذلک أمر علوّ المکانة، و إلیه أشار بقوله: «أو عن ماذا» فإنّ علوّ المکانة أکثر ما یستعمل ب «عن» کما یقال: جناب الخلیفة عال عن کذا (ص).
(2) . أی معنى کلام الشیخ حینئذ.
(3) . فإذ قد تحقّق أنّ العلوّ الذی للحقّ هو العلوّ الذاتی - حیث إنّه لیس فی الوجود شیء یعلو علیه أو عنه فلا یکون فی الوجود إلاّ العلیّ بالذات - لا بدّ أن یحقّق أمر العلوّ الإضافی و أنّ العالی به من هو، و إلى ذلک أشار بقوله: و هو من حیث الوجود....... (ص).
(4) . لأنّها بها موجودة بل وجودها وجوده (ق).
(5) . لعدم المغایرة بینها و بین العلیّ لذاته (جامی).
(6) . أی تلک المحدثات (جامی).
(7) . أی الحقّ سبحانه فی مرتبة الفرق أیضا هو العلیّ، علوّ ذات لا علوّ اضافة، إذ لا غیر حینئذ حتى تعتبر إضافته إلیه (جامی).
(8) . الخارجی (جامی).
(9) . صفة للأعیان (جامی).
(10) . أی فی ذلک العدم (جامی).
(11) . نافیة.
(12) . الخارجی (جامی).
(13) . أی فى العدم (جامی).
جلد: 1، صفحه: 489
الصّور1 فی الموجودات).
أی، الحقّ من حیث الوجود المضاف إلى الموجودات هو عین الموجودات الخارجیّة، و ذلک لأنّ الأعیان مرایا لوجود الحقّ، و ما2 یظهر فی المرآة إلاّ عین الرائی و صورته، فالموجودات المسمّاة بالمحدثات صور تفاصیل الحقّ، فهی العلیّة لذاتها؛ لأن الحقّ علیّ لذاته لا بالاضافة، فالموجودات أیضا کذلک، لأنّها لیست إلاّ أثر من الحقّ.
و إنّما قال: (لأنّ الأعیان ما شمّت رائحة الوجود) لأنّ الأعیان صور علمیّة موجودة فی العلم معدومة فی العین، و لها إعتباران؛ اعتبار أنّها مرایا لوجود الحقّ و أسمائه و صفاته، و اعتبار أن وجود الحقّ یصیر مرآة لها، فبالاعتبار الأوّل لا یظهر فی الخارج إلاّ الوجود المتعیّن، بحسب تلک المرایا المتعدّد بتعدّدها، کما إذا قابلت وجهک بشیء فیه مرایا متعدّدة، تظهر صورتک فی کلّ منها فتعدد.
فعلى الأوّل: لیس شیء فی الخارج إلاّ الوجود، و الأعیان على حالها فی العلم معدومة فی العین، ما شمّت رائحة الوجود الخارجیّ، هذا لسان حال الموحّد الّذی غلبه الحقّ.
و بالاعتبار الثانی: لیس فی الوجود إلاّ الأعیان و وجود الحقّ، الّذی هو مرآة لها فی الغیب، ما یتجلّى إلاّ من وراء شق العزّة و سرادقات الجمال و الجلال، و هذا لسان من غلبه الخلق.
و أمّا المحقّق فلا یزال یشاهد المرآتین مرآة الأعیان و مرآة الحقّ، و الصور التی فیهما معا من غیر انفکاک و امتیاز، و الشیخ رضی اللّه عنه لکونه بحرا موّاجا، یخرج درر الحقائق و لآلئ المعانی على لسان کلّ طائفة من الطوائف الثلاث فی کلّ حین، و یعطی حقّها.
و قوله: (مع تعداد الصور) متعلّق ب «ما شمّت»، أی: الأعیان ما شمّت رائحة من الوجود مع أنّ آثارها، و هی صورها المتکثّرة الجاعلة للوجود الواحد موجودات
________________________________________
(1) . الکائنة فی الموجودات (جامی).
(2) . نافیة.
جلد: 1، صفحه: 490
متعدّدة،1 بحسب انعکاس صورها فی مرآة الوجود، و قبول النّفس الرحمانی إیّاها، حاصلة فی الموجودات العینیّة.
(و العین2 واحدة من المجموع فی المجموع)3.
أی، و الحال أنّ الحقیقة التی تتبدّل هذه الصّور علیها واحدة، ممتازة من جمیع الموجودات بحسب ذاتها من حیث اطلاقها و تقیید غیرها، و ظاهرة بذاتها فی صور جمیع الموجودات من حیث أسمائها و صفاتها، أو و الحال أنّ العین القابلة للصّور المتعدّدة واحدة، ثابتة فی صورة کلّ واحد من المجموع، و فی المجموع، ف «من» للبیان، و على الأوّل للتعدیّة.
(فوجود الکثرة فی الأسماء و هی النّسب، و هی أمور عدمیّة).
أی، إذا کانت الذات واحدة فالکثرة فی أسمائها و صفاتها، و تلک الأسماء ذات مع کلّ واحدة من الصفات، فالکثرة فی الصفات، و الصفات نسب معقولة لیست4 امورا عینیّة، فهی امور عدمیّة بالنسبة إلى الخارج؛ إذ لا أعیان لها فیه مجرّدة عن المظاهر، و إن کانت وجودیّة فی العقل و فی المظاهر ضمنا5، أو نقول: إنّ الأسماء لکونها لیست حقائق موجودة متمیّزة بوجودها عن وجود الحقّ، بل وجودها عین وجود الحقّ، کانت نسبا6واقعة على الوجود الحقّ المطلق، حاصلة بینه و بین الأکوان التی هی الموجودات المقیّدة.
________________________________________
(1) . فصور الأعیان الثابتة فی العلم - أی عکسها - موجودة فی العین بتبعیّة الوجود العقلی.
(2) . المتجلّیة فی مجموع الصور واحدة ظاهرة من المجموع، بل من کلّ جزء منه من حیث تقیدها باطنة فی المجموع من حیث إطلاقها. أو نقول: ظاهرة من المجموع بالنسبة إلى من کان وجود الخلق فی نظره مرآة لوجود الحقّ تعالى باطنة فی المجموع بالنسبة إلى من کان وجود الحقّ فی نظره مرآة لوجود الخلق و ظاهرة من المجموع (جامی).
(3) . یعنی واحدة حاصلة من مجموع الموجودات فی عین ذلک المجموع، لا فی الخارج عنه، فإنّه قد سبق مرارا أنّ أحدیّته تعالى أحدیّة جمع لا أحدیّة فرق حتى تقابلها الکثرة و یقبل طریانها لتلک الوحدة؛ إذ الکثرة مستهلکة الحکم فی الوحدة الذاتیة (ص).
(4) . أی لا یکون لها ما یحاذیه فی الخارج، و هذا معنى کونها نسبا.
(5) . أی موجود بوجود منشأ الانتزاع.
(6) . فالمراد من النسب هو المعنى المعروف من النسب، و هی الإضافة بین الشیئین.
جلد: 1، صفحه: 491
أمّا کون أسماء الأفعال نسبا فظاهر؛ لأنّ البارئ و الخالق و المبدع و الرزاق و أمثالها بالنسبة إلى المخلوق و المبدع و المرزوق.
و أمّا أسماء الصفات فالعلیم و الرحیم و السمیع و البصیر، فإنّها أیضا بالنسبة إلى المعلوم و المرحوم و المسموع و المبصر.
و أمّا أسماء الذات کالاسم اللّه و الربّ و القیوم، فإنّها أیضا من وجه1 نسب، و إن کانت من آخر2 غیرها، فإنّها تقتضی المألوه و المربوب و ما یقوم به من الموجودات المقیدة؛ إذ معنى «القیوم» القائم بنفسه المقوّم لغیره، و الحقّ أیضا اسم فاعل فی صیغة المصدر کالعدل، و معناه الثابت لنفسه و المثبت لغیره.
(و لیس إلاّ العین الّذی هو الذات) أی و لیس وجود الکثرة الأسمائیة إلاّ عین الذات الإلهیّة، الظاهرة - بحسب شؤونها المختلفة - بصور الأعیان الثابتة، و هی على حالها فی العدم، و فی بعض النسخ (و لیست) أی، و لیست الأسماء (إلاّ العین الّذی هو الذات الإلهیّة) لکون الاسم عین المسمّى.
________________________________________
(1) . أی من حیث المفهوم.
(2) . و هو کونها آلة لملاحظة الذات من غیر ملاحظة وصف.