شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(الثناء4 بصدق الوعد5 لا بصدق الوعید6، و الحضرة الإلهیّة تطلب الثناء7 المحمود بالذات8 و9، فیثنى علیها بصدق الوعد10 لا بصدق الوعید11 و12، بل بالتجاوز)13.
لمّا أثنى الحقّ على إسماعیل بصدق الوعد، شرع یبیّن فی حکمته أسراره کما بیّن أسرار الرضا14، و الثناء15 عقلا و عادة لا یکون16 إلاّ فی مقابلة خیرات المثنى علیه،
________________________________________
(4) . من جملة ما یختصّ به إسماعیل علیه السّلام أنّه کان صادق الوعد. و إذ قد فرغ من بحث الرضا أخذ فیه قائلا: «الثناء بصدق الوعد.» (ص).
(5) . الثناء یتحقّق بصدق الوعد و إتیان الواعد بالموعود (جامی).
(6) . و إتیان المتوعّد بما توعّد به؛ إذ لا یثنى عقلا و عرفا على من تصدر منه الآفات و المضرّات، بل على من تصدر منه الخیرات و المبرات (جامی).
(7) . أی من العبید حیث أخرجهم من العدم إلى الوجود، و جعلهم مظاهر أسمائه و صفاته الجمیلة (جامی).
(8) . قوله: «المحمود» مقدّم فی بعض النسخ على قوله: «بالذات» کما أنّ فی بعضها لا تکون لفظة «بالذات» مذکورة أصلا.
(9) . فإنّ الإله ما لم یظهر و یعبد لم یکن إلها (ص).
(10) . و إتیانها بالموعود (جامی).
(11) . و إتیانها بما توعّدت به (جامی).
(12) . و ذلک لأن الثناء المحمود أنّما یتقضی الظهور و الانبساط و اللطف على ما لا یخفى على الواقف لما سلف فی تحقیق معنى الحمد و صدق الوعید، أنّما یتسدعی الخفاء و الانقباض و القهر (ص).
(13) . حیث قال: «فلا تحسبن اللّه...» (ص).
(14) . فی حکمته.
(15) . مبتدأ.
(16) . خبر.
جلد: 1، صفحه: 625
لا فی مقابلة الشرور، إذ لا یثنى على من یحصل منه الضرر و النقم، بل على من یحصل منه النفع و النعم، فمن وعد بالخیر و أنجز وعده یثنى علیه بذلک، و من أوعد فلا یثنى علیه بذلک الایعاد إلاّ إذا عفا، و تجاوز عن ایعاده.
و الذات الإلهیّة لکونها منبع الخیرات و معدن المسّرات، تطلب بالذات الثناء من العبید، حیث أخرجهم من العدم إلى الوجود، و کساهم بحلل الکمالات، و جعلهم مظاهر الأسماء و الصفات.
و الشرور امور اضافیّة، لکونها عبارة عن عدم ملائمتها للطبائع، فکون الشرّ شرا لیس بالنسبة إلى الذات، کما نبّه النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بقوله فی دعائه «و الخیر کلّه بیدیک و الشّرّ لیس إلیک»1.
قال اللّه تعالى: مٰا أَصٰابَکَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اَللّٰهِ وَ مٰا أَصٰابَکَ مِنْ سَیِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِکَ2 بل بالنسبة إلى ذاته تعالى کلّها خیر؛ لأنّها وجودات خاصّة ظهرت فی هذه المظاهر، لذلک أردفه بقوله تعالى: قُلْ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ3.
أی، الحسنات المنسوبة إلى اللّه، و السیئات المضافة إلى نفسک، کلّها صادرة من عند اللّه، فهی خیرات فی أنفسها، لذلک صارت مقتضى أسماء اللّه، و إن کان بعضها شرورا بالنسبة إلیک.
(فَلاٰ تَحْسَبَنَّ اَللّٰهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ4 و5 و لم یقل: و وعیده، بل قال:6
وَ نَتَجٰاوَزُ عَنْ سَیِّئٰاتِهِمْ7 مع أنّه توعّد على ذلک)8.
________________________________________
(1) . بحار الأنوار، ج 84 ص 366 ح 21.
(2) . النساء (4):79.
(3) . النساء (4):78.
(4) . إبراهیم (14):47.
(5) . استشهد الشیخ - رض - على أنّ الثناء أنّما یکون بصدق الوعد لا بصدق الوعید بقوله تعالى: وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِینَ... إبراهیم (14) 47.
(6) . أی فیه (ص).
(7) . الأحقاف (46):16.
(8) . فهو سبحانه وعد بالتجاوز عن السیّئات، مع أنّه توعّد على ذلک، أی على اقتراف السیئات، و هو لا یخلف وعده، فیتجاوز عن السیّئات فیلزم إخلافه الوعید على اقترافها (جامی).
جلد: 1، صفحه: 626
و هذا التجاوز عامّ بالنسبة إلى أهل الجنّة و النار، أمّا بالنسبة إلى أهل الجنّة فظاهر، حیث تجاوز عن ذنوب وجوداتهم و صفاتهم و أفعالهم، کما قال:
فقلت و ما أذنبت، قالت مجیبة: وجودک ذنب لا یقاس به ذنب و أمّا بالنسبة إلى أهل النار من المؤمنین، فبالاخراج بشفاعة الشافعین، و بالنسبة إلى الکافرین یجعل العذاب لهم عذبا، أو برفعه مطلقا کما جاء فی الحدیث «ینبت فی قعر جهنم الجرجیر»1 و إن کانوا خالدین فیها، أو باعطائهم صبرا على ما هم علیه من البلایا و المحن، فیألفون فلا یتألمون منه بعد ذلک، على ما سیأتی آنفا إن شاء اللّه تعالى.
(فأثنى على إسماعیل2 ب إِنَّهُ کٰانَ صٰادِقَ اَلْوَعْدِ3 و4 و ذلک لوفائه على العهود السابقة، بابراز الکمالات المودعة فیه، و بعبادة ربّه بحیث صار مرضیّا عنده.
(و قد زال الامکان فی حقّ الحقّ5، لما فیه6 من طلب المرجّح)7.
أی، قد زال فی حقّ الحقّ امکان وقوع الوعید، إذ لا شکّ أنّ الحقّ تعالى وعد بالتجاوز، فقال: وَ نَتَجٰاوَزُ عَنْ سَیِّئٰاتِهِمْ8... و قال: إِنَّ اَللّٰهَ یَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ جَمِیعاً9... إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَ یَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِکَ لِمَنْ یَشٰاءُ10... وَ یَعْفُوا عَنْ کَثِیرٍ11 من السیئات و أمثال ذلک.
________________________________________
(1) . تره تیزک.
(2) . جریا على ما علیه الکمال الإلهی الوجودی.
(3) . مریم (19):54.
(4) . مع إمکان عینه و ما یطلبه بالذات من الأوصاف العدمیّة المذمومة (ص).
(5) . یعنى لمّا أثنى اللّه تعالى على إسماعیل بصدق الوعد توجّه الثناء و الحضرة الإلهیّة طالبة للثناء، فیلزم أن یکون اللّه صادق الوعد على سبیل الوجوب لا الإمکان (ق).
(6) . أی فی الإمکان (جامی).
(7) . أی لما فی الإمکان من طلب المرجّح، و لا تتوقّف صفة مّا من صفات اللّه تعالى على شیء، فتحقّق وجوب صدق وعده، و قد وعد التجاوز، فوجب التجاوز لکونه من جملة وعده (ق).
(8) . الأحقاف (46):16.
(9) . الزمر (39):53.
(10) . النساء (4):48.
(11) . المائدة (5):15.
جلد: 1، صفحه: 627
و وقوع وعده واجب و هو التجاوز و العفو و الغفران، فزال امکان وقوع الوعید؛ لأنّ وقوع أحد طرفی الممکن لا یمکن إلاّ بمرجّح، و ما ثمّ ما یطلب الوعید إلاّ الذنب، و هو یرتفع بالتجاوز، فزال سبب وقوع الوعید، و عدم العلّة موجب لعدم المعلول، و الوعید أنّما کان للتخویف و الاتقاء و لایصال کلّ منهم إلى کمالهم، لذلک قال تعالى:
وَ مٰا نُرْسِلُ بِالْآیٰاتِ إِلاّٰ تَخْوِیفاً1. و لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ2.
و قال بعض أهل الکمال:
و انی إذا أوعدته أو وعدته لمخلف ایعادی و منجز موعدی و لا یثنى بالوفاء3 بالایعاد، بل بالتجاوز عنه، و یثنى بالوفاء بالوعد، و حضرة الحقّ تعالى طالب الثناء، فوجب اتیانه بما وعده من العفو و المغفرة و التجاوز، و انتفى امکان وقوع ما أوعد به، و فیه أقول:
یا من بلطف جماله خلق الورى حاشاک أن ترضى بنار تحرق
أنت الرحیم بکلّ من أوجدته و لأجل رحمتک العمیمة تخلق
إن کنت منتقما فأنت مؤدب و معذّبا إن کنت، أنت المشفق
فاجعل4 عذابک للعباد عذوبة و ارحم برحمتک التی قد تسبق و إنّما قال: (فی حقّ الحقّ) و لم یقل: فی حقّ الخلق؛ لأنّ زوال الامکان أنّما هو بسبب التجاوز و العفو، و هو من طرف الحقّ لا الخلق، فإن اختلج فی قلبک أنّ الشرک لا یغفر، فیجب وقوع ما أوعده فضلا عن امکانه، فسیأتی بما یتبیّن عندک الحقّ بعد شرح الأبیات.
________________________________________
(1) . الإسراء (17):59.
(2) . البقرة (2):187.
(3) . خ ل: إذ لا یثنى بالوفاء.
(4) . جواب «إن کنت» الثانی.