شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(فنقول: اعلم، أنّ المقول علیه2 سوى الحقّ أو مسمّى العالم، هو بالنسبة إلى الحقّ کالظلّ للشخص).
أی، کلّ ما یطلق علیه اسم الغیریّة، أو یقال علیه إنّه مسمّى العالم، فهو بالنسبة إلى الحقّ تعالى کالظلّ للشخص، و ذلک لأنّ الظلّ لا وجود له إلاّ بالشخص، کذلک العالم لا وجود3 له إلاّ بالحقّ، و کما أنّه4 تابع له5 کذلک مسمّى العالم تابع للحقّ لازم له؛ لأنّه صور أسمائه و مظهر صفاته اللاّزمة له.
و إنّما قال بلفظ التشبیه، لأنّه من وجه6,7 عین الحقّ و إن کان8 من وجه9 آخر غیره، و الظلّ لا یمکن أن یکون عین الشخص10، و المقصود إثبات أنّ العالم کلّه خیال، و کما قال: (سأبسط القول فی هذه الحضرة).
________________________________________
(2) . یعنی على ما یقال کذلک عرفا و فی المعهود عند الجمهور؛ فإنّ الحقیقة تأبى أن یکون لسوى الحق و غیره وجود، و لو سمّی ما سمّی سوى - سوى على مقتضى التحقیق و الکشف و النظر الدقیق - لقیل فیه: صور أسماء الحقّ و أشخاص تعیّناتها بالوجود الواحد الحقّ و تنوّعات ظهوره و تجلّیاته؛ فإنّه ما فی الوجود إلاّ هو و أسماؤه لا غیر، فإن اعتبرنا هویّته الذاتیّة فواحد و إن اعتبرنا أسماءه و نسب شوؤنه الذاتیّة فکثیرة ظاهرة فی عین واحدة.
(3) . تابع.
(4) . أی الظلّ.
(5) . أی للشخص.
(6) . أی من حیث الذات.
(7) . أی من حیث الحقیقة، لأنّهما وجود و مشترکان فی حقیقة الوجود.
(8) . أی من حیث التعیّن.
(9) . و هو التقیّد و الضعف و کونه ربطیّا.
(10) . لأنّهما لا یکونان من حقیقة واحدة.
جلد: 1، صفحه: 679
(فهو1 ظلّ اللّه).
و إنّما جاء بهذا الاسم الجامع دون غیره من الأسماء، لأنّ کلّ واحد من الموجودات مظهر اسم من الأسماء الداخلة فیه و ظلّ له، فمجموع العالم ظلّ للاسم الجامع للأسماء.
(فهو2 عین نسبة الوجود3 إلى العالم).
أی، ظلّ اللّه هو عین نسبة الوجود الاضافی إلى العالم، و ذلک لأنّ الظلّ یحتاج إلى محلّ یقوم به، و شخص مرتفع یتحقّق به و نور یظهره کذلک هذا الظلّ الوجودی یحتاج إلى أعیان الممکنات التی امتدّ علیها، و إلى الحقّ لیتحقّق به، و إلى نوره لیظهر به، و نسبة الوجود الکونی إلى العالم نسبة الظلّ إلى ما یقوم به، و نسبته إلى الحقّ نسبة الظلّ إلى من یتحقّق به و هو الشخص، و إلیه أشار4 بقوله:
(لأنّ الظلّ موجود بلا شکّ فی الحسّ، و لکن5 إذا کان ثمّة من یظهر فیه ذلک الظلّ حتّى لو قدّرت6 عدم من یظهر فیه ذلک الظلّ، لکان الظلّ معقولا غیر موجود فی الحسّ، بل یکون بالقوّة فی ذات الشخص المنسوب إلیه الظلّ) کالشجرة فی النواة.
(فمحلّ ظهور هذا الظلّ الإلهیّ المسمّى بالعالم، أنّما هو أعیان الممکنات، علیها7
________________________________________
(1) . أی العالم.
(2) . الضمیر یعود إلى العالم؛ فإنّ الوجود من حیث ما نسمّیه عالما سمّی سوى الحقّ» و إلاّ فالوجود واحد، و هو من حیث نسبته إلى الحقّ عینه لا غیر، و لا یصحّ من هذه الحیثیّة أن یقال: هو سواه (جندی).
(3) . فالوجود الإضافی - أی المقیّد بقیود التعیّنات - ظلّ اللّه، فهو عین نسبة الوجود، أی الظلّ عین نسبة الوجود إلى العالم و تقییده بصورها، أی بصور أعیان العالم، فانّ الوجود من حیث إضافته إلى العالم یسمّى سوى الحقّ، و إلاّ فالوجود حقیقة واحدة هی عین الحقّ، فهو من حث الحقیقة عین الحقّ و من حیث نسبته إلى العالم غیره، و بهذه النسبة و لأجلها قیل: الظلّ موجود بلا شکّ (ق).
(4) . أی إلى أنّ کون الظلّ عین نسبة الوجود.
(5) . إنّما یکون الظلّ موجودا (جامی).
(6) . أی فرضت (جامی).
(7) . متعلّق ب «امتدّ».
جلد: 1، صفحه: 680
امتدّ هذا الظلّ، فتدرک من هذا الظلّ بحسب ما امتد1,2,3 علیه من وجود هذه الذات)4,5,6«من» بیان «ما امتدّ»، و المراد بوجود هذه الذات: التجلّی الوجودی الفائض منها.
(و لکن باسمه7,8,9 «النور» وقع الادراک).
أی، «النور» اسم من أسماء الذات الإلهیّة، و یطلق على الوجود الاضافی و العلم و الضیاء، إذ کلّ منها مظهر للأشیاء، أمّا الوجود فظاهر لأنّه لو لاه لبقیت أعیان العالم
________________________________________
(1) . أی بقدر ما انبسط على المحلّ من الوجود المطلق (ق).
(2) . علیه أی على الظلّ.
(3) . من وجود متعلّق بقوله: «امتدّ».
(4) . أی الذات الإلهیّة (جامی).
(5) . یشیر - رض - [إلى] أنّه لا یدرک من الوجود الحقّ المطلق إلاّ بحسب ما امتدّ علیه فیضه الوجودی و تجلّیه الوجودی، فحقیقة الوجود لا تدرک و لکن من حث تعیّنه فی هذه الأعیان الممکنة، أی القابلة و الممکنة للوجود على الظهور بحسبها، و مع قطع النظر عن تعیّنه فی خصوصیات حقائقها، فلا تدرک حقیقة الوجود؛ إذ هو عین الحق (جندی).
(6) . بیّن أنّه لا بدّ للظلّ من أمور ثلاثة حتّى یظهر:
الأوّل هو الذات - ذات الظلّ.
و الثانی هو المحلّ الممتدّ علیه الظلّ.
و الثالث، النور الذی یدرک و یتمیّز به الظلّ.
فلمّا بیّن الأوّلین بقوله: المسمّى بالعالم أنّما هو أعیان الممکنات علیها امتدّ بهذا الظلّ، فیدرک من هذا الظلّ بحسب ما امتدّ علیه من جود هذا الذات أراد أن یشیر إلى الثالث.
ثمّ إنّ المعهود فی الظلال المحسوسة أن تباین النور الممیّز لتلک الذات، التی هی ذات الظلّ، و فیما نحن فیه وقع الأمر بخلاف ذلک؛ فانّ النور أیضا من تلک الذات؛ لذلک نبّه علیه بأداة الاستدراک قائلا: «لکن باسمه النور وقع الإدراک» (ص).
(7) . النور اسم اللّه الظاهر (ق).
(8) . و ما امتدّ علیه هذا الظلّ أنّما هی أعیان الممکنات و لکن باسمه «النور» الذی به یظهر الأشیاء فی العلم و العین (جامی).
(9) . تفصیل هذا المطلب الرفیع یطلب فی الوصل الأوّل من الباب الموفى ستّین و ثلاثمائة من الفتوحات المکیة حیث یقول: «وصل، و اعلم ایّدک اللّه أنّ الأمر یعطی أنّه لو لا النور ما أدرک شیء...».
جلد: 1، صفحه: 681
فی کتم العدم، و أمّا العلم فلأنّه لو لاه لم یدرک شیء، بل لا یوجد فضلا عن کونه مدرکا، و أمّا الضیاء فلأنّه لو لاه لبقیت الأعیان الوجودیّة فی الظلمة الساترة لها، فبالضیاء یقع الادراک فی الحسّ، و بالعلم یقع الادراک فی عالم المعانی، و بالوجود الحقّانی الموجب للشهود یقع الادراک فی عالم الأعیان و الأرواح المجرّدة.
(و امتدّ هذا الظلّ1 على أعیان الممکنات فی صورة الغیب المجهول)2 -3.
أی، و باسمه «النور» امتدّ الظلّ الوجودی على الأعیان، کما قال تعالى: اَللّٰهُ نُورُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ4 و أوّل ما یمتدّ علیها فی العلم ثمّ فی العین، و الأوّل هو الغیب المجهول لغیر اللّه إلاّ لمن أطلعه اللّه على ما یشاء منه، و إنّما کان مجهولا لظلمة عدمیّته بالنسبة إلى الخارج، و من شأن الظلمة اختفاء الشیء فی نفسه و اخفاء غیره أیضا، کما أنّ من شأن النور الظهور لنفسه و الإظهار لغیره.
(ألا ترى الظلال5 تضرب إلى السواد، و تشیر إلى ما فیها من الخفاء، لبعد المناسبة بینها و بین أشخاص من هی ظلّ له)6.
لمّا کان کلّ ما فی الخارج دلیلا و علامة لما فی الغیب، استدل بضرب الظلال إلى السواد على الخفاء التی فی الأعیان الغیبیّة؛ إذ السواد صورة الظلمة کما أنّ البیاض صورة النور.
فضمیر «فیها» و «بینها» یجوز أن یکون عائدا إلى الظلال و هو ظاهر، و یجوز أن
________________________________________
(1) . أی الوجود الإضافی (ق).
(2) . و هو اسمه الباطن (ق).
(3) . لما مهّد من أنّ محل انبساط الظلّ إذا کان معدوما أو قدّر کذلک، کان بالقوّة - فی ذات الشخص المنسوب إلیه - منغمرا فی کنه بطونها الذاتی (ص).
(4) . النور (24):35.
(5) . المحسوسة.
(6) . أی الأعیان لبعدها عن نور الوجود مظلمة، فإذا امتدّ علیها النّور المباین لظلمتها، أثّرت ظلمتها العدمیّة فی نوریّة الوجود فمالت النوریّة إلى الظلمة، فصار نور الوجود ضاربا إلى الخفاء، کالظلال بالنسبة إلى الأشخاص التی هی ظلالها، فکذلک نسبة الوجود الإضافی إلى الوجود الحقّ، فلو لا یقیّد بالأعیان العدمیّة لکانت فی غایة النوریة فلم تدرک لشدّتها (ق).
جلد: 1، صفحه: 682
یکون عائدا إلى الأعیان، لأنّها المستشهد علیها، و تقدیره1 ألا ترى الظلال تشیر بضربها إلى السواد إلى ما فی الأعیان من الخفاء، لبعد المناسبة بین الأعیان و بین أشخاص من هی ظلال له، و هی الأسماء الإلهیّة.
فإنّ کلّ عین ظلّ لاسم من الأسماء، و لا شکّ لبعد المناسبة بینها و بین الأسماء، فإنّها أرباب و هی عبیدها.
(و إن کان الشخص أبیض فظلّه بهذه المثابة) «إن» للمبالغة (ألا ترى أنّ الجبال2 إذا بعدت عن بصر الناظر تظهر سوداء، و قد تکون فی أعیانها على غیر ما یدرکه الحسّ من اللّونیّة، و لیس ثمّ علّة إلاّ البعد3، و کزرقة السماء، فهذا ما أنتجه البعد فی الحسّ فی الأجسام الغیر النیّرة)4 ظاهر.
________________________________________
(1) . أی الثانی.
(2) . خ ل: ألا ترى الجبال.
(3) . یعنی - رض - أنّ الوجود الظاهر فی العالم و إن کان نورا فی حقیقته، و لکنّه ظهر بحسب المظهر غیر نیّر. (جندی).
(4) . و ذلک لأنّ نور البصر یتحلّل بحسب المسافة؛ و لذلک لا یتشخّص البعید، و لا یفی بإدراک ما علیه من الأوضاع و الهیآت المشخّصة له ما لم یقرب، فإذا لم یکن البعید من الأجسام النیّرة، و لم یصل إلیه نور البصر بحیث یظهر فی ضوئه لا بدّ و أن یرى شبحا أسود (ص).