عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

شرح القیصری علی فصوص‌الحکم (حسن‌زاده الآملی):

(و حتّى تعلم من أین، و من أیّ حقیقة اتصف الحقّ بالغنى عن الناس، و الغنى عن العالمین).
الحقیقة التی اتصف منها الحقّ بالغنى عن الناس لیست غیر ذاته تعالى، فهو غنیّ بذاته عن العالمین، و الحقیقة التی اتصف منها العالم بغنى بعضه عن بعض، هو کون کلّ من أهل العالم عبدا للّه محتاجا إلیه فی ذاته و کمالاته، و العبد لا یملک شیئا فلا یحتاج إلیه غیره، بل کلّهم محتاجون إلى الحقّ‌، فاستغنى بعضهم عن بعض من هذه الحیثیّة، مع أنّ کلاّ منهم مفتقر إلى الآخر، فإنّ العالم مفتقر إلى الأسباب بلا شکّ افتقارا ذاتیا2، و إلیه أشار بقوله:
(و اتصف العالم بالغنى، أی: بغنى بعضه3 عن بعض4، من وجه ما هو عین ما افتقر إلى بعضه به).
«ما» فی الموضعین بمعنى الّذی، و «به» عائد إلى الوجه، أی: اتصف بعض العالم بالغنى عن بعضه، من الوجه الّذی افتقر ذلک البعض إلى بعض آخر بسبب ذلک
________________________________________
(2) . لإمکانه.
(3) . أی بعض العالم (جامی).
(4) . آخر (جامی).
جلد: 1، صفحه: 700
الوجه، و المقصود أنّ وجه الغنى هو بعینه وجه الافتقار؛ و ذلک لأنّ وجه الذی افتقر به بعض العالم إلى البعض، هو وجه عبودیّة ذلک البعض المفتقر إلى ربوبیّة الآخر، و الوجه الّذی غناه به عن بعض آخر هو أیضا عبودیّته، لأنّ وجه العبودیّة ظلّ‌، و الظلّ لا یحتاج إلى الظلّ‌، غایة ما فی الباب أنّ متعلّق الغنى هو عبودیّة من هو مستغن عنه1و ظلّیته، و متعلّق الافتقار ربوبیّته، فاتحاد جهتی الغنى و الافتقار من طرف الغنیّ و المفتقر، لا من طرف الآخر.2
و یجوز أن یکون من وجه ما بتنوین التنکیر، أی: من وجه من الوجود، و ذلک الوجه بعینه وجه الافتقار، و المعنى على حاله.
و یجوز أن یکون «ما» فی «ما هو» بمعنى لیس، أی:
لیس وجه الغنى عین الوجه الّذی به یحصل الافتقار، و الأظهر أنّ المراد هو الأوّل؛ لأنّ تغایر الجهتین3 أمر بیّن لا یحتاج إلى الذکر، و قد مرّ مثله فی الفصّ الثانی، من قوله: (و هو عالم من حیث ما هو جاهل).
(فإنّ‌4 العالم5 مفتقر إلى الأسباب بلا شکّ افتقارا ذاتیّا6، و أعظم الأسباب له7
________________________________________
(1) . و هو الطرف الآخر.
(2) . لأنّه کونه محتاجا إلیه یکون من جهة ربوبیته و کونه غیر محتاج إلیه، لا من جهة عبودیّته و ظلیّته، فلیس الجهتان فیه واحدة. أما مقابل هذا الطرف فتکون جهة احتیاجه هی عبودیّته و جهة استغنائه أیضا تکون جهة العبودیّة؛ لأنّ وجه العبودیّة ظلّ و الظلّ لا یحتاج إلى الظلّ‌.
أقول: جهة استغنائه لا تکون محض عبودیّته بل عبودیّة طرف المقابل، فالکلام لا یخلو عن مناقشة.
(3) . لا یکون المقصود محض تغایر الجهتین، بل مقصوده رفع التناقض الذی توهّم فی ظاهر الأمر و هو کون الشیء الواحد محتاجا و مستغنیا.
(4) . لما ذکر أنّ ما سوى اللّه - و هو العالم - مفتقر إلى اللّه بالفقر الکلّی و مفتقر بعضه إلى بعض بالفقر السببی، فبیّنه بقوله: «فإنّ العالم...» (جامی).
(5) . کلاّ أو جزءا (جامی).
(6) . لإمکانه فی نفسه (جامی).
(7) . أی للعالم (جامی).
جلد: 1، صفحه: 701
سببیّة الحقّ‌)1 لأنّ‌، ما سواه ممکن مفتقر إلیه، و هو واجب بذاته.
(و لا سببیّة للحقّ یفتقر العالم إلیها، سوى الأسماء الإلهیّة)2.
أی، لا سببیّة یفتقر العالم إلیها للحقّ سوى الأسماء الإلهیّة؛ لأنّه تعالى بذاته غنی عن العالمین و لا یطلب العالم إلاّ الأسماء فلها السببیّة. (و الأسماء الإلهیّة کلّ اسم یفتقر العالم إلیه من عالم مثله، أو عین الحقّ‌) أی، الأسماء الإلهیّة عبارة عن کلّ ما یفتقر العالم إلیه فی وجوده و ذاته، و کمالاته، سواء کان ذلک الاسم المفتقر إلیه من جنس عالم مثله، کالوالد بالنسبة إلى الولد، فإنّه سبب وجوده و تحقّقه فی الخارج مع أنّه من العالم، أو لا یکون من جنس العالم، بل ناش من عین الحقّ بتجلّ من تجلّیاته کالأرباب3 و4 للأعیان.
و یجوز أن یکون «من عالم» بیان قوله: (کلّ اسم) أی، الاسم اللاّلهیّ کلّ عین یفتقر العالم إلیها، سواء کانت عینا من الأعیان الموجودة، أو الثابتة العلمیّة، أو عین الحقّ کافتقار الولد إلى عین الأبوین فی کونهما سببا لوجوده، و کافتقارنا فی وجودنا إلى أعیاننا العلمیّة؛ لأنّه ما لم توجد فی العلم لم توجد فی العین، و کافتقارنا إلى الأسماء التی الأعیان الثابتة مظاهرها، و هی الذات الإلهیّة باعتبار کلّ من الصفات، فالاسم یطلق على الأعیان الموجودة و الأعیان الثابتة التی هی مسمّى العالم، لکن من وجوده ربوبیّتها لا من وجوه عبودیّتها کما یطلق على أربابها، و هی الذات مع کلّ واحدة من صفاتها.
(فهو اللّه لا غیره، و لذلک قال: یٰا أَیُّهَا اَلنّٰاسُ أَنْتُمُ اَلْفُقَرٰاءُ إِلَى اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ هُوَ اَلْغَنِیُّ‌5
________________________________________
(1) . فإنّ المؤثر الحقیقی فی الوجود أنّما هو الحقّ سبحانه، و سائر الأسباب مظاهر سببیّته لا تأثیر لها فی الحقیقة؛ و لهذا سمّی مسبّب الأسباب (جامی).
(2) . إذ لا نسبة بین الذات الأحدیّة و بین العالم بوجه من الوجوه لا بالسببیّة و لا غیرها (جامی).
(3) . و هو الأسماء.
(4) . الأرباب، هی الأسماء التی الأعیان مظاهرها (الأستاذ الفاضل التونی - قده -).
(5) . فی ذاته.
جلد: 1، صفحه: 702
اَلْحَمِیدُ)1 و2.
أی، فالاسم المحتاج إلیه هو عین اللّه لا غیره، سواء کان من جنس العالم أو لم یکن، لأنّه أنّما صار مفتقرا إلیه باعتبار ربوبیّته، و هی للّه تعالى لا لغیره، و أیضا الوجود3 هو اللّه، و الکمالات اللاّزمة له من الرزق و الحفظ و الربوبیّة کلّها للّه، فلیس للعین من حیث إنّه عالم إلاّ العجز و النقص و أمثالهما کلّها راجعة إلى العدم، فالعین من حیث إنّها مغایرة للحقّ لیست إلاّ العدم، و لکون الفقر لازما لعین العالم، قال تعالى: یٰا أَیُّهَا اَلنّٰاسُ أَنْتُمُ اَلْفُقَرٰاءُ إِلَى اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ هُوَ اَلْغَنِیُّ اَلْحَمِیدُ.
(و معلوم أنّ لنا افتقارا من بعضنا لبعضنا4، فأسماؤنا).
أی، أسماؤنا5 الکونیّة هی أسماء اللّه باعتبار التنزّل و الاتصاف بصفات الکون، أو ذواتنا (أسماء اللّه تعالى) من حیث الربوبیّة و الصفات الکمالیّة، و أسماؤنا الملفوظة أسماء تلک الأسماء.
(إذ إلیه) أی، إلى اللّه (الافتقار6 بلا شکّ‌) لا إلى غیره.
و إنّما قال: (أسماؤنا أسماء اللّه) و لم یقل: ذواتنا لیشمل أسماء الأسماء، لأنّها أیضا أسماؤه تعالى، إذ هو الّذی یتنزّل بحسب المراتب، فیتصف بصفات الأکوان و یتسم بأسماء7 الأعیان، کما قال: (و هو المسمّى بأبی سعید الخرّاز و غیره).
________________________________________
(1) . بصفاته.
(2) . فاطر (35):15.
(3) . أی الحقیقی.
(4) . و لمّا کان الافتقار منا إلى أسمائه، و نرى افتقار بعضنا إلى البعض بالسببیّة و المسببیّة، فنحن إذا صور أسماء الحق، فعین افتقارنا إلینا هو عین افتقارنا إلى الحقّ‌، فهو الغنیّ و نحن الفقراء (جندی).
(5) . أی الأسماء الملفوظة.
(6) . فحسب؛ بمقتضى الآیة (جامی).
(7) . خ ل: بسمات.
جلد: 1، صفحه: 703
(و أعیاننا فی نفس الأمر ظلّه لا غیره، فهو هویّتنا1 لا هویّتنا).
أی، أعیاننا الثابتة و الموجودة2 کلّها ظلّه و ظلّ الشیء عینه باعتبار، فالحقّ هویّتنا من هذا الوجه، لا هویّتنا من حیث امتیاز الظلّ عن المظلّ‌، و لمّا کان هذا التحقیق إیضاحا للحقّ و طریقه، قال:
(و قد مهّدنا لک السبیل فانظر) أی، عیّنّا لک طریق الحقّ فانظر فیه تجده، و اللّه أعلم بالصواب.
________________________________________
(1) . یعنى حق تعالى حقیقت و هویّت ما است نه هویّتنا و هی أعیاننا. (أستاد فاضل تونی - ره -).
(2) . أی فی الخارج.