شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و هذه الحکمة1 من علم الأرجل، و هو2 و3 و4 قوله تعالى فی الأکل لمن أقام کتبه5: وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ6).
أی، هذه الحکمة الأحدیّة هی من العلوم التی حصل بالسلوک، و لما کان السلوک الظاهری بالأرجل، قال: (من علم الأرجل) ملاحظا قوله تعالى:
وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقٰامُوا اَلتَّوْرٰاةَ وَ اَلْإِنْجِیلَ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَکَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ أی و لو أنّهم أقاموا أحکامهما عملوا بهما، و تدبّروا معانیهما و کشفوا حقائقهما، لتغذّوا بالعلوم الإلهیّة الفائضة على أرواحهم، و عرفوا مطلعاتها من غیر کسب و تعمّل، و هو الأکل من فوقهم، و بالعلوم الحاصلة لهم بحسب سلوکهم فی طریق الحقّ، و تصفیة بواطنهم من الکدورات البشریّة، کعلوم الأحوال و المقامات الحاصلة للسالکین فی أثناء سلوکهم، و هو الأکل من تحت أرجلهم.
(فإنّ الطریق7 الّذی هو الصراط، هو للسلوک علیه8 و المشی فیه9، و السعی لا یکون إلاّ بالأرجل).
تعلیل قوله: (و هذه الحکمة من علم الأرجل) و معناه، أنّ الطریق أنّما هو لأجل السلوک علیه، و المشی و السلوک لا یحصل إلاّ بالأرجل، شبّه السلوک المعنوی
________________________________________
(1) . التی هی شهود أحدیّة من هو آخذ بناصیة کلّ دابّة (جامی).
(2) . أی یحصل بالسلوک (جامی).
(3) . أی من أسماء القوابل؛ فإنّ اللّه تعالى مع القوابل کما هو مع الأسماء الفواعل (ق).
(4) . أی علم الأرجل ما یشیر إلیه قوله تعالى فی الأکل الذی أثبته لمن أقام کتبه (جامی).
(5) . و هى کلیّة تفاصیل البیان، سواء کان من طرف الجزئیّات و فرقان الجوارح القوابل، أو من الکلیّات و قرآن العقول الفواعل، أو ما یجمعهما، کما قال اللّه: وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقٰامُوا اَلتَّوْرٰاةَ وَ اَلْإِنْجِیلَ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَکَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ المائدة (5):66 (ص).
(6) . المائدة (5):66.
(7) . و إنّما قلنا هذه الحکمة من علم الأرجل فإنّ الطریق... (جامی).
(8) . خ ل: الصراط المسلوک علیه.
(9) . أی فی ذلک الطریق (جامی).
جلد: 2، صفحه: 720
بالسلوک الحسّی1، و لما کان السلوک یعطی السالک الفناء فی اللّه و البقاء به، فتحصل الأحدیّة الذاتیّة بالأوّل و الأسمائیّة بالثانی، فیربّ هذا السالک فی رجوعه إلى الخلق مظاهر الحقّ، و یوصلهم إلیه لا غیر، قال:
(فلا ینتج هذا الشهود فی أخذ النواصی بید من هو على صراط مستقیم، إلاّ هذا الفن الخاصّ2 من علوم الأذواق).
أی، لا یحصل شهود أخذ النواصی بأیدی من هو على صراط مستقیم إلاّ بهذا النّوع من العلوم، فقوله: (فی أخذ النواصی) متعلّق بالشهود، و قوله: (بید من) متعلّق بالأخذ.
(وَ نَسُوقُ اَلْمُجْرِمِینَ3 و4 و5 و هم6 الّذین استحقوا المقام، الّذی ساقهم7إلیه8 بریح الدبور، التی أهلکهم9 عن نفوسهم بها).
لمّا کان الحقّ آخذا بنواصی کلّ ذی روح و نفس، و کان هو السائق أیضا بظهوره فی مظهر الهوى، الّذی به یدخل فی حکم «المضلّ»10، شرع فی بیانه على سبیل الایماء، و جاء بقوله تعالى: وَ نَسُوقُ اَلْمُجْرِمِینَ إِلىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً استشهادا على أنّه هو السائق کما أنّه هو القائد، فیسوق المجرمین الکاسبین الهیئات و الصفات التی بها دخلوا جهنم،
________________________________________
(1) . و هو ترقّیات النفس بالأرجل المعنویّة، و هی القوة النظریّة و العملیّة.
(2) . و هو أنّ الناس عند تحرّکهم فی مدرکاتهم الجزئیة نحو مستلذّاتهم المألوفة و مشتهیاتهم المطبوعة غیر مستقلّ بنفسه فی تلک الحرکة، بل مجبور، جبر من أخذ نواصیه من هو أعلى منه و أقوى (ص).
(3) . مریم (19):86.
(4) . الجرمانیّین، أهل الأجرام و الآثام (ق).
(5) . و لمّا ذکر أنّ الأخذ بالنواصی کلّها و القائد لأصحابها أنّما هو الحقّ سبحانه أراد أن ینبّه على أنّه کما لا قائد لهم بأخذ نواصیهم إلاّ هو، کذلک لا سائق لهم إلاّ هو، فهو القائد و السائق، فذکر قوله تعالى: وَ نَسُوقُ اَلْمُجْرِمِینَ (جامی).
(6) . أی المجرمون (جامی).
(7) . أی ساقهم اللّه تعالى (جامی).
(8) . أی إلى ذلک المقام (جامی).
(9) . أی اللّه.
(10) . الاسم «المضل».
جلد: 2، صفحه: 721
و استحقّوها بصور الأهواء الناشئة من نفوسهم فی الظاهر1، و هی ریح الدبور لأنّها حاصلة من الجهة الخلقیّة و العالم الهیولانی المظلمة إلى2 عین جهنم البعد المتوهّم.
«فأهلکهم عن نفوسهم بها» أی، أفناهم عنها بتلک الریح، أوصلهم إلى ذاته، أو أراد بالمجرمین3 الکاسبین للخیرات، السالکین طریق النجاة، المرتاضین بالأعمال الشاقة، المشتاقین لظهور حکم الحاقة4، فإنّهم یکسبون بها التجلّیات المفنیة لذواتهم، فإنّه ذکر فی (الفتوحات) عند ذکر الأولیاء «أنّه من الأولیاء5 المشرکون، و منهم المرائون، و منهم الکافرون»6 و أمثال ذلک، إلاّ أنّ الکلام الآتی یؤیّد الأول.
(فهو یأخذ بنواصیهم، و الریح تسوقهم، و هی عین الأهواء التی کانوا علیها إلى7جهنم، هی8 البعد الذی کانوا یتوهّمونه9، فلمّا ساقهم10 إلى ذلک الموطن11
________________________________________
(1) . أی نشأت من نفوسهم التى هو الباطن فی الظاهر.
(2) . متعلّق بقوله: «فیسوق المجرمین».
(3) . قیل: أی ذوى الأجرام الطبیعیّة، أو المراد أی المجرمین على نفوسهم بأعمال شاقّة.
(4) . أی القیامة.
(5) . لعلّ المراد بالمشرکین الأولیاء الذین یرون الحقّ متلبّسا بالصفات و لا یرتقى بعد إلى مرتبة الأحدیّة، و بالمرائین الذین ارتقوا إلى المرتبة الأحدیّة، و لکن لصلاح الوقت و هدایة الناس یراؤون أنّهم فی مقام الکثرة، و بالکافرین الذین مستغرقون فی بحر الأحدیّة و ما سواه مستور عن نظرهم، أو المراد أنّ بعض الأولیاء فی بدء الأمر قبل الارتیاض إمّا مشرکون أو مراؤون أو کافرون و بعد الارتیاض و ارتکاب الأعمال الشاقّة یصیرون أولیاء، أو المراد أنّ المشرکین و المرائین و الکافرین - باعتبار کونهم على الصراط المستقیم الذی یخصّهم و کون مآل أمرهم إلى القرب - یکونون أولیاء.
(6) . الفتوحات المکیّة، ج 2، السؤال 194.
(7) . متعلق بقوله: «تسوقهم».
(8) . أی جهنّم.
(9) . لأنّه لا بعد فی الحقیقة؛ إذ المقامات و المواطن کلّها مراتب ظهوره سبحانه، فلا بعد إلاّ على سبیل التوهّم (جامی).
(10) . أی اللّه.
(11) . فإذا بلغوا غایاتهم لم یجدوا ما عملوا شیئا؛ لأنّهم وجدوا اللّه تعالى عاملا بهم ما عملوا و وجدوا الحقّ الذی به عملوا ما عملوا، فإذا وقفوا عند النهایة إلى الغایة على السرّ حصلوا فی عین القرب، فزال البعد فی حقّهم، فزال مسمّى جهنّم و هو البعد، ففازوا بالقرب بسعیهم و استحاقهم؛ فإنّهم إنّما وصلوا إلى - - ما وصلوا بأرجلهم التی سعوا علیها، و کانت أرجلهم عین الحقّ من حیث لم یعرفوا، فلما عرفوا غرقوا فی الذوق و اللذّة القریبة من حیث لم یعرفوا کذلک (جندی).
جلد: 2، صفحه: 722
حصلوا فی عین القرب1، فزال البعد، فزال مسمّى جهنم فی حقّهم، ففازوا بنعیم القرب من جهة الاستحقاق2؛ لأنّهم مجرمون3).
أی، الحقّ یأخذ بنواصی المجرمین و یسوقهم بریح الأهواء إلى جهنم، ثمّ فسرّ جهنم بالبعد، ایماء بأنّ کلّ من بعد من الحقّ بالاشتغال بالأمور الطبیعیّة و النفسانیّة، فهو من حیث ذلک فی جهنم، و لمّا کان فی نفس الأمر لا بعد لأحد من اللّه، إذ المواطن و المقامات کلّها صور مراتب الحقّ، وصف البعد بأنّه أمر متوهّم ینشأ من توهّمهم أنّ فی الوجود سوى و غیرا.
«فلمّا ساقهم» الحقّ «إلى ذلک الموطن»، أی إلى دار جهنم، و أهلکم و خلّصهم عن نفوسهم بالفناء فیه، حصل لهم عین القرب، و انکشف لهم أنّ البعد من اللّه ما کان إلاّ توهّما محضا، فانقلب جهنم فی حقّهم بالنعیم، لأنّهم کسبوا باستعدادهم ذلک، فصاروا عارفین باللّه و مراتبه، و لکن بعد أخذ «المنتقم» منهم حقّه.
و تحقیق هذا المعنى، أنّ جهنم مظهر کلّی من المظاهر الإلهیّة، یحتوی على مراتب جمیع الأشقیاء4، کما أنّ الجنة مظهر کلّی یحتوی على جمیع مراتب السعداء، فأعیان الأشقیاء أنّما یحصل کمالهم بالدخول فیها، کما أنّ أعیان السعداء یحصل کمالهم بدخول الجنّة، و إلیه أشار النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بقوله: «إنّ العبد لا یزال یعمل بعمل أهل الجنّة حتّى
________________________________________
- ما وصلوا بأرجلهم التی سعوا علیها، و کانت أرجلهم عین الحقّ من حیث لم یعرفوا، فلما عرفوا غرقوا فی الذوق و اللذّة القریبة من حیث لم یعرفوا کذلک (جندی).
(1) . أی عین القرب على الحقیقة؛ لأنّ الحقّ الذی هو قائدهم معهم، و إنّما توهّموا البعد لأنّهم کانوا یسعون إلى کمالات و همیّة فانیة تخیّلوها، فما وصلوا إلاّ إلیها، فزال البعد فی حقّهم، فزال مسمّى جهنّم؛ لأنّهم بلغوا الغایات التی کانوا یطلبونها باستعداداتهم، و ذلک نعمیهم من جهة الاستحقاق؛ لأنّ إحراقهم هو الذی اقتضى وصولهم إلى أسفل مراتب الوجود من عالم الأجرام (ق).
(2) . یعنی استحقاقهم المقام الذی ساقهم إلیه، و هو حبّهم (جامی).
(3) . أی مجبورون فی ذلک بما یحطّ به عند الناس مراتب أقدارهم و منازل تمکّنهم فی التعیّن و الاستقرار (ص).
(4) . أی الشقی بالذات یرجع بالمآل إلى جهنّم و إن عمل عملا خیرا فی مدّة، و السعید بالذات یرجع بالمآل إلى الجنّة و إن عمل عملا شرّا فی مدّة.
جلد: 2، صفحه: 723
لا یبقى بینه و بین الجنّة إلاّ شبر، فیعمل عمل أهل النار فیدخل فیها1، و لا یزال العبد یعمل بعمل أهل النار حتّى لا یبقى بینه و بین النار إلاّ شبر فیعمل عمل أهل الجنّة فیدخل فیها»2.
فکلّ من الأشقیاء إذا دخل جهنم وصل إلى کماله، الّذی تقتضیه عینه، و ذلک الکمال عین القرب من ربّه، کما أنّ أهل الجنّة إذا دخلوا فیها وصلوا إلى کمالهم و مستقرّهم و قربوا من ربّهم، هذا إذا کان المراد بالمجرمین أهل النار، و أمّا إذا کان المراد بهم السالکین، فالمراد بجهنم دار الدنیا، و لا اشکال حینئذ.
(فما3 أعطاهم هذا المقام الذوقی اللّذیذ4 من جهة المنّة5 و6، و إنّما أخذوه بما استحقّته حقائقهم7، من أعمالهم التی کانوا علیها8 و9).
أی، فما «أعطاهم» الحقّ «هذا المقام» أی، مقام الفناء على سبیل الفضل و المنّة کما لأهل الجنّة، بل إنّما أخذوه بما أعطتهم أعیانهم من الأعمال التی کانوا علیها.
(و کانوا فی السعی فی أعمالهم على صراط الربّ المستقیم، لأنّ نواصیهم کانت بید من له هذه الصفة10).
أی، و کانوا فی سعیهم فی أعمالهم التی عملوها، بحسب متابعة الهوى و النفس على الصراط المستقیم، الّذی لربّهم الحاکم علیهم بالربوبیّة، هذا على الأوّل.
________________________________________
(1) . نعوذ باللّه من سوء الخاتمة.
(2) . نسأل اللّه حسن العاقبة.
(3) . نافیة.
(4) . آخرا (جامی).
(5) . من غیر عمل منهم (جامی).
(6) . رحمت امتنانى، وسعت رحمته کلّ شیء، و رحمت استحقاقى مطابق استحقاق و جزاى عمل بنده داده مىشود.
(7) . أی أعیانهم الثابتة بعد اتّصافهم بالوجود (جامی).
(8) . فی أصول قابلیّاتهم (ص).
(9) . مدّة حیاتهم (جامی).
(10) . یعنى الاستقامة على الصراط (جامی).
جلد: 2، صفحه: 724
و على الثانی: کانوا فی سعیهم فی الریاضات و المجاهدات مع النفس، و تحمل المشاق و الأعمال الشرعیّة على الصراط المستقیم، لأنّ نواصیهم بید الحقّ، کما قال علیه السّلام: «قلوب العباد بین اصبعین من أصابع الرحمن یقلّبها کیف یشاء».