عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

شرح القیصری علی فصوص‌الحکم (حسن‌زاده الآملی):

(و فی هذه الریح عذاب، أی: أمر یستعذبونه1 إذا ذاقوه، إلاّ أنّه یوجعهم لفرقة2المألوف)3.
أی، الریح المهلکة و إن کانت فی الظاهر مؤلمة موجعة لهم، لاخراجهم عن العالم الجسمانیّ المتألفة قلوبهم به، لکن فیها لطف مستور؛ لأنّ تحت کلّ قهر للّه تعالى ألطافا مکنونة، یستعذبونه إذا وصلوا الیه عقیب الوجع.
(فباشرهم العذاب) أی، أهلکهم (فکان4 الأمر5 إلیهم أقرب ممّا تخیّلوه).
أی الأمر الّذی کان مطلوبهم بالحقیقة کان أقرب إلیهم من المطلوب المتخیّل لهم، و هو ما یحصل من المزروعات.
(فدمّرت6کُلَّ شَیْ‌ءٍ بِأَمْرِ رَبِّهٰا7,8 فَأَصْبَحُوا لاٰ یُرىٰ إِلاّٰ مَسٰاکِنُهُمْ‌9 هى10جثثهم11 التی عمّرتها أرواحهم الحقیة12 و13).
________________________________________
(1) . بحسب روحانیّتهم (جامی).
(2) . و هى مؤلمة من حیث إنّه تفرّق اتّصال، فهو عذاب ألیم (ص).
(3) . فإنّ للحقّ وجوها کثیرة و نسبا مختلفة من جملتها أحوالهم و ظنونهم و أقوالهم، فإنّ هذه الحالة خیر لهم ممّا ظنّوا و إن أوجعتهم بقطع الحیاة و فرقة المألوفات؛ لأنّ ذلک أراحهم ممّا هم فیه أکثر ممّا أو جعتهم، و نجّاهم من التوغّل و التمادی فی التکذیب و العصیان الموجب للدین على القلوب، و خفّف عنهم بعض عذاب الآخرة فجازاهم على حسن ظنّهم باللّه خیرا على وجه أتمّ (ق).
(4) . فی هذه الریح (جامی).
(5) . أی الخیر الذی تخیّلوه فی العارض الممطر (جامی).
(6) . أی الریح.
(7) . من العلائق العائقة عن بلوغهم إلى الکمال (ص).
(8) . الذی هو بعض من الأسماء الجلالیّة کالقهّار و المنتقم و أمثال ذلک (جامی).
(9) . الأحقاف (46):25.
(10) . أی مساکنهم (جامی).
(11) . الأصلیّة الوجودیة الجوهریة، دون الجعلیّة الکونیّة الوهمیّة، و هی التی عمّرتها أرواحهم الحقیّة الوجودیّة بمجرد انتسابها إلیها (ص).
(12) . أی متحققة ثابتة وجودها، ثابتة النسبة إلى أبدانها (ق).
(13) . أی العقول و أرباب الأنواع؛ فلذا قید بالحقیّة.
جلد: 2، صفحه: 733
فأهلکت الریح کلّ شیء یتعلّق بظاهرهم بأمر ربّها، و هو1 الواحد القهّار، فبقیت أبدانهم خالیة عن الأرواح المتصرّفة فیها، و عن قواها، و فی قوله: (عمّرتها أرواحهم الحقّیة)2.
إشارة إلى أنّ الأرواح هی التی تعمّر الأبدان و تکوّنها أوّلا فی رحم الأمّ‌، ثمّ تدبّرها فی الخارج، فهی موجودة قبل وجود الأبدان، و لمّا کانت الروح سدنة من سدنات الربّ المطلق، و اسما من أسماء الحقّ تعالى، قال: (الحقّیة) فإنّه بها یربّ الحقّ الأبدان.
و اعلم، أنّ کلّ من اکتحلت عینه بنور الحقّ یعلم أنّ العالم بأسره عباد اللّه، و لیس لهم وجود و صفة و فعل إلاّ باللّه و حوله و قوّته، کلّهم و محتاجون إلى رحمته و هو الرحمن الرحیم، و من شأن من هو موصوف بهذه الصفات ألاّ یعذب أحدا عذابا أبدیّا و لیس ذلک المقدار من العذاب أیضا إلاّ لأجل ایصالهم إلى کمالاتهم المقدّرة لهم، کما یذاب الذهب و الفضة بالنار لأجل الخلاص ممّا یکدّره و ینقص عیاره، فهو متضمّن لعین اللّطف و الرحمة، کما قیل:
و تعذیبکم عذب، و سخطکم رضى و قطعکم وصل، و جورکم عدل و الشیخ - رضى اللّه عنه - أنّما یشیر فی أمثال هذه المواضع إلى ما فیها من الرحمة الحقّانیة، و هی من المطلعات المدرکة بالکشف، لا أنّه ینکر وجود العذاب و ما جاء به الرسل من أحوال جهنم، فإنّ من یبصر بعینه أنواع التعذیب فی النشأة الدنیاویّة بسبب الأعمال القبیحة، کیف ینکره فی النشأة الاخراویّة، و هو من أکبر ورثة الرّسل (صلوات اللّه علیهم أجمعین)، فلا ینبغی أن یسیء3 أحد ظنّه فی الأولیاء، الکاشفین لأسرار الحقّ بأمره.
________________________________________
(1) . أی الربّ‌.
(2) . و من هذا الأصل القویم استفاد صاحب الأسفار فی قوله من أنّ مراد أفلاطون من قدم النفس قدم مبدعها و منشئها. (الأسفار، ج 1 - ط 1 - ص 319) و راجع فی ذلک کتابنا سرح العیون فی شرح العیون، شرح العین التاسعة منها.
(3) . من الإساءة.
جلد: 2، صفحه: 734
(فزالت حقّیة هذه النّسب الخاصّة، و بقیت على هیاکلهم الحیاة الخاصّة1 بهم من الحقّ‌).
أی، فزالت الأرواح المجرّدة التی هی من مدبّرات الأبدان و الحیاة الفائضة علیها منها، و بقیت الحیاة التی للأبدان بحسب روحانیّة کلّ من العناصر الأربعة، و هذا إشارة إلى أنّ لکلّ شیء - جمادا کان أو حیوانا - حیاة و علما و نطقا و ارادة، و غیرها ممّا تلزم الذات الإلهیّة؛ لأنّها هی الظاهرة بصور الجماد و الحیوان، لکن لمّا کان ظهورها فی الحسّ مشروطا بوجود مزاج معتدل إنسانی ظهر [ظهرت ظ] فیه و لم تظهر فی غیره، و من عدم ظهور الشیء فی الشیء لا یلزم أن لا یلزم أن لا یکون ذلک الشیء فیه، هذا بالنسبة إلى أهل عالم الملک.
أمّا بالنسبة إلى أهل الملکوت و من یدخل فیها من الکمّل فلیس مشروطا بذلک، و إنّما جعل الهیاکل نسبا خاصّة؛ لأنّ العالم من حیث إنه عالم لیست [لیس ظ] إلاّ عین النّسب، فإنّ کلا من أهله ذات مع نسبة معیّنة، و الذات من حیث «هی هی» عین الحقّ و النّسب عین العالم، أو المراد بالنّسب هاهنا الحیاة و العلم و الارادة و القدرة، لأنّها تزول مع زوال الروح المجرّدة منها، و هذا هو الأظهر، و إن کان الأوّل إلى التحقیق أقرب، و معناه2، أی: زالت هذه النّسب الحقّانیة - أی: الروحانیّة - و بقیت النّسب الجسمانیّة.
(التی تنطق بها الجلود و الأیدی و الأرجل) کما نطق به القرآن المجید (و عذبات3الأسواط4 و الأفخاذ5) کما جاء فی الحدیث النبوی.
________________________________________
(1) . و هی نسبة روح الوجودیة إلى هذه التفرقة الکونیّة التشخصیّة، التی بها عمّرت جثثهم بنسبة الأرواح (ص).
(2) . على التوجیه الثانی.
(3) . و عذبات جمع عذبة، و هی طرف الشیء المرسل. النابلسی، عذّبة، دوال و رشته که در سر تازیانه کنند (کنز).
(4) . جمع سوط، و هی الدرّة التی یضرب بها (النابلسى).
(5) . جمع فخذ، و ذلک من قوله - علیه السّلام -: «لا تقوم الساعة حتّى یکلّم الرجل فخذه و عذبة سوطه بما فعل أهله» (النابلسى).
جلد: 2، صفحه: 735
(و قد ورد النصّ الإلهیّ‌1 بهذا کلّه2).
و إنّما یتمسّک بما ورد تأنیسا للمحجوبین من المؤمنین؛ لأنّهم یسارعون فی القبول إذا وجدوا شیئا منها فی القرآن و الحدیث، لا أنّه مستند حکمه، فإنّه یکاشف هذه المعانی و یجدها کما هی.
(إلاّ أنّه تعالى3 وصف نفسه بالغیرة4، و من غیرته حرّم الفواحش).
«إلاّ» بمعنى غیر، أی: للأیدی و الأرجل و الجلود حیاة و نطق، غیر أنّ الحقّ غیور و لا یرید أن یطّلع المحجوبین على أسراره، فلذلک ستر حیاتهم و نطقهم عن غیر أهل اللّه، و کشف على من جعله من المحبوبین من الأنبیاء و الأولیاء و الصالحین، اعتناء لحالهم و أخبارهم عنها بأمر الحقّ‌، لیمیّز المطیع المؤمن من المنکر الکافر.
و لمّا وصف الحقّ بالغیرة، جاء بقول النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: «من غیرته حرّم الفاحش5» کما جاء الا و «أنّ لکل ملک حمى، و حمى اللّه محارمه6»، و لمّا کان الفحش عبارة عن الظهور لغة قال:
(و لیس الفحش إلاّ ما ظهر7، و أمّا فحش ما بطن فهو لمن ظهر له)8 و9 و10.
أی، لیس الفاحش إلاّ ما ظهر فی العین الحسّی، و ما بطن فهو بالنسبة إلى من ظهر عنده فاحش، فاستعمل الفحش و أراد الفاحش، کما یقال: «رجل عدل»، أی عادل.
________________________________________
(1) . أمّا من مقام الجمع الإلهی أو الفرق النبوی (جامی).
(2) . بهذا الذی ذکرنا کلّه (جامی).
(3) . ثمّ إنّ اختلاف مدارک القوم من النصّ الذی لا یحتمل غیره و عدم فهمهم المقصود منه، لا بدّ له من سبب، کشف عن ذلک السبب بقوله: «إلاّ أنّه تعالى وصف...» (ص).
(4) . حیث قال: إنّ سعدا لغیور، و أنا أغیر من سعد، و اللّه أغیر منّا (جامی).
(5) . بحار الأنوار، ج 76، ص 332، ح 1 و ج 79، ص 90، ح 1.
(6) . بحار الأنوار، ج 2، ص 261، ح 17.
(7) . ممّا یجب ستره و من جملته سرّ الربوبیّة، فمن أفشاه کفر (ق).
(8) . و هو الحق و من أظهره اللّه علیه؛ و ذلک أنّ الحقّ هو الظاهر و الباطن (ق).
(9) . ذلک السرّ المتبطّن (ص).
(10) . ذلک الفحش الباطن فثبوت الفحش له باعتبار ظهوره لا باعتبار بطونه، فلیس الفحش إلاّ ما ظهر (جامی).