شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(أین المتقون أی الّذین اتخذوا اللّه وقایة؟6 فکان الحقّ ظاهرهم، أی: عین صورهم الظاهرة).
لمّا جعل انتساب العالم إلیه تعالى فی ذاته و صفاته و أفعاله، و منها ما هو محمود و منها ما هو مذموم، قال: (أین المتقون) الّذین جعلوا الحقّ وقایة لأنفسهم فی ذواتهم و صفاتهم و أفعالهم لتستّروا ذواتهم فی ذاته و صفاتهم أفعالهم فی صفاته و أفعاله، و هم الّذین قیل عنهم:
تستّرت عن دهری بظلّ جناحه فعینی ترى دهری، و لیس یرانی
فلو تسأل الأیّام، ما اسمی؟ مادرت و أین مکانی؟ ما درین مکانی فیکون الحقّ عین صورهم الظاهرة، کما قال: «کنت سمعه و بصره» الحدیث7فی نتیجة قرب النوافل:
________________________________________
(6) . أی وقایة لأنفسهم حیث تحقّقوا بفناء إنّیاتهم و حقائقهم فکیف بفناء صفاتهم و أفعالهم (جامی).
(7) . بحار الأنوار، ج 75، ص 155، ح 25؛ جامع صغیر، ج 1، ص 70.
جلد: 2، صفحه: 752
(و هو أعظم الناس و أحقّه و أقواه عند الجمیع).
أی، هذا المتّقی هو أعظم الناس منزلة عند اللّه، و أحقّ بالمغفرة ممّن یتّق اللّه بنسبة المذام إلى نفسه؛ لأنّه فی عین المغفرة الکبرى و السترة العظمى، و أقوى الناس عند جمیع أهل اللّه؛ لظهوره بالقدرة من خرق العادة و اظهار الکرامة، لأنّ یده ید الحقّ و سمعه و بصره سمع الحقّ و بصره.
و لمّا کان من المتقین من یجعل نفسه وقایة للحقّ فی المذامّ بنسبتها إلى نفسه، لا إلى ربّه، و یجعل الحقّ وقایة لنفسه فی الکمالات، کما مرّ فی الفصّ الآدمی، قال:
(و قد یکن المتّقی من جعل نفسه وقایة للحقّ بصورته1 و2، إذ هویّة الحقّ قوى العبد، فجعل مسمّى العبد وقایة لمسمّى الحقّ3).
فحینئذ یصیر العبد ظاهر الحقّ و هو باطنه، لأنّ هویّة الحقّ عین قوى العبد، کما قال: «کنت سمعه و بصره» فسمّى العبد حینئذ وقایة لمسمّى الحقّ، و هو الهویّة المندرجة فی الصّورة العبدیّة.
(على الشهود4، حتّى یتمیّز العالم5 من غیر العالم قُلْ هَلْ یَسْتَوِی اَلَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِینَ لاٰ یَعْلَمُونَ6).
أی، هذا الاتحاد و الجعل أنّما ینبغی أن یکون بناء على شهود الحقّ فی کلتا الحضرتین، حضرة المحامد و حضرة المذامّ، حتّى یتمیّز العالم العارف من الجاهل بالأمر على ما هو علیه، فإنّه إذا لم یکن7 عن شهود الحقّ یکون محجوبا بنفسه عن ربّه؛
________________________________________
(1) . و هو أن یکون الحقّ باطنه، و هو ظاهر الحقّ لوقایته له (ص).
(2) . أی المحسوسة المشهودة لا بقواه الباطنة فیها (جامی).
(3) . عن أن ینسب إلى الحقّ جهل أو شیء من نقائص الأوصاف الکونیّة، فجعل مرجع ذلک کلّها إلى العبد (ص).
(4) . أی المشاهدة و الکشف لا على الاستدلال و التقلید (جامی).
(5) . أی العالم بالعلم الشهودی من غیر العالم على هذا الوجه فغیر العالم یشمل على المستدلّ و المقلّد کلیهما (جامی).
(6) . الزمر (39):9.
(7) . أی هذا الاتّحاد و الجعل.
جلد: 2، صفحه: 753
لرؤیته الأفعال من نفسه حسنها و قبیحها، فیلحق بالمشرکین.
و لمّا کان العلم الصحیح هو الّذی یکون مرکوزا فی الباطن، و العالم یتذکّره بحسب التوجّه إلیه، أردفه بقوله:
(إِنَّمٰا یَتَذَکَّرُ1 أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ2 هم الناظرون فی لبّ الشیء، الّذی هو المطلوب من الشیء3).
لأنّ علومهم وجدانیّات تظهر علیهم عند صفاء قلبهم، فتحصل لهم التذکرة بما هو مرکوز فیهم، فائض علیهم من مقام التقدیس، لا تعمّلی کسبی بالعقل المشوب بالوهم و الفکر المختل بالفهم.
(فما سبق مقصّر4 و5 مجدّا6 و7).
أی، فما رأینا سبق أهل التقصیر و النقصان من اجتهد فی تحصیل الکمال، و عمل بما یرضى به الرحمن، قال تعالى: وَ اَلَّذِینَ جٰاهَدُوا فِینٰا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنٰا8.
و فرّق بین أهل الاجتهاد أیضا بقوله: (کذلک لا یماثل أجیر9 عبدا).
فإنّ الأجیر لا یزال نظره إلى الأجرة، و العبد لا یعمل للاجرة بل للعبودیّة، و الأجیر ینصرف عند وصول اجرته من باب المستأجر، و العبد ملازم لباب سیّده، فالعالم بمقام عبودیّته العامل بمقتضى أوامر سیّده، لیس کالعامل الجاهل، فإنّه یعمل للخلاص من النار و حصول الجنّة.
________________________________________
(1) . بأمثال هذه العلوم (جامی).
(2) . الزمر (39):9.
(3) . أی المطلوب من ذلک الشىء، و هو الاسم الإلهی الذی یکون المقصود من وجود ذلک الشیء مظهریّته (جامی).
(4) . فی هذه التصفیة (جامی).
(5) . واقف بین الأوساط (ص).
(6) . واصلا إلى حدّه (ص).
(7) . بل لم یلحقه (جامی).
(8) . العنکبوت (29):69.