شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(اعلم، أنّ القلب - أعنی قلب العارف باللّه1 - هو من رحمة اللّه2، و هو أوسع منها3 و4، فإنّه وسع الحقّ جلّ جلاله، و رحمته لاتسعه5).
إنّما قال: (أعنی قلب العارف) لأنّ قلب غیره لیس قلبا مصطلحا عند الخواصّ، بل عند العوامّ، کما یسمّى لب الشیء و الّلحم الصنوبری أیضا بالقلب.
و إنّما قال: (باللّه) دون غیره من الأسماء؛ لأنّه یجمع الأسماء و القلب قابل لفیضها کلّها، و العارف به عارف بها، و العارف بغیره لا یکون عارفا به، إذ العارف بالأفعال و أحکامها لیس عارفا باللّه و ظهوراته و أسمائه.
و لیس المراد بالرحمة هنا الوجود، إذ القلب لیس أوسع من الوجود، بل ما به یتعطّف على عباده و یشفق علیهم و یرحمهم، فیهب لهم الوجود، لذلک قال: (هو من رحمة اللّه) أی: صار منها، و قال6: (فإنّ الحقّ راحم لیس بمرحوم)، و لو کان بمعنى الوجود لصدق أنّه مرحوم کما یصدق أنّه موجود.
و قوله: (فإنّه وسع الحقّ) إشارة إلى ما نقله النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عن اللّه تعالى أنّه قال:
«ما وسعنی أرضی و لا سمائی، و وسعنی قلب عبدی المؤمن، التقیّ النقیّ»7.
________________________________________
(1) . لأنّ قلب غیره لا یسمّى قلبا فى عرفهم إلاّ مجازا (الجامی) فی نقد النصوص ص 198.
(2) . لقوله تعالى: رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ الأعراف (7):156. و القلب شیء، و إنّما کان أوسع منها بقوله تعالى على لسان نبیّه - صلّى اللّه علیه و آله و سلّم -: «ما وسعتنی أرضی و لا سمائی و وسعنی قلب عبدی المؤمن». (بحار الأنوار ج 58، ص 39؛ إحیاء العلوم ج 2، ص 250.) و الحقّ محیط بالکلّ (ق).
(3) . أی من رحمة اللّه.
(4) . فإن قلت: رحمته تسع القلب، و القلب لا یسع نفسه، فلا یکون القلب أوسع.
قلنا: القلب یسع نفسه من حیث الإحاطة العلمیّة، و کیف لا و قد وسع الحقّ جمعا و تفصیلا، فلا یشذّ عنه شیء من الموجودات. (الجامی) فی نقد النصوص ص 199.
(5) . أی لا تسع الحقّ سبحانه (جامی).
(6) . أی فیما بعد.
(7) . بحار الأنوار ج 58، ص 39؛ إحیاء العلوم ج 3، ص 12. و کأنّه إلى ذلک أشار العارف الرومى بقوله:
گفت پیغمبر که حق فرمودهاست من نگنجم هیچ در بالا و پست
در زمین و آسمان و عرش نیز من نگنجم این یقین دان اى عزیز -
جلد: 2، صفحه: 796
(و هذا لسان عموم من باب الاشارة، فإنّ الحقّ راحم1 لیس بمرحوم، فلا حکم للرحمة فیه2).
أی، کون الرحمة لا تسعه لسان عموم الخلائق و علماء الظاهر، و الاشارة إلى معتقدهم، فإنّ الحقّ راحم مطلقا عندهم لیس بمرحوم بوجه من الوجوه، فلا حکم للرحمة فیه.
و أمّا بلسان الخواصّ و المحقّقین: فإنّه هو الراحم3 و هو المرحوم4؛ إذ لا غیر، و الأعیان المسمّاة بالعالم عینه، فما یرحم الحقّ إلاّ نفسه، فهو راحم فی مقام جمع الأحدیّة مرحوم فی مقام التفصیل و الکثرة، و إلیه أشار بقوله:
(و أمّا الاشارة بلسان الخصوص5: فإنّ اللّه وصف نفسه6 بالنّفس7) بفتح الفاء (و هو من باب التنفیس).
أی، وصف بلسان نبیّه نفسه بأنّ له النّفس، و هو مأخوذ من التنفیس؛ لأنّه ارسال الهواء الحارّ من الباطن و ایراد الهواء البارد لترویح النفس عن الکرب، فالمتنفّس أنّما یتنفّس دفعا للکرب، فشبّه النفس الإلهیّ بالنّفس الإنسانی، و أضاف الکرب إلیه لا من حیث إنّه غنیّ عن العالمین، بل من حیث إنّه ربّ لهم، و کربه طلب الأسماء الإلهیّة الباقیة فی الذات الأحدیّة بالقوّة ظهورها و أعیانها، فتنفّس و أوجد أعیان تلک الأسماء، فظهرت الألهیّة.
________________________________________
- در دل مؤمن بگنجم اى عجب گر مرا جویى در آن دلها طلب مثنوى معنوى ج 1، ص 163-164.
(1) . على فهم العموم و لسانه (ص).
(2) . و لا یصل أثر منها إلیه فلا تسعه (جامی).
(3) . فی مقام الجمع.
(4) . فی مقام التفصیل.
(5) . فإنّ رحمة اللّه تسعه (جامی).
(6) . على لسان نبیّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم (جامی).
(7) . حیث قال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: «إنّى لأجد نفس الرحمان من جانب الیمن». إحیاء العلوم ج 3، ص 153.
جلد: 2، صفحه: 797
(و أنّ الأسماء الإلهیّة عین المسمّى).
أی، من حیث الوجود و أحدیّة الذات، و إن کانت غیرا باعتبار کثرتها.
(و لیس إلاّ هو).
أی، و لیس المسمّى إلاّ عین هویة الحقّ، أو و لیس ذلک النفس إلاّ عین الهویّة الساریة1 فی الموجودات کلّها.
(و أنّها2 طالبة ما تعطیه الحقائق).
أی، و أنّ الأسماء طالبة وجود ما تعطی الحقائق الکونیّة للحقّ من الأحکام و الصفات الکونیّة، و فی بعض النسخ: (ما تعطیه من الحقائق) أی، و أنّ الأسماء طالبة للحقائق، و فاعل «تعطی» ضمیر الأسماء3، و یؤکد الثانی قوله:
(و لیست الحقائق التی تطلبها الأسماء4 إلاّ العالم، فالألوهیّة تطلب المألوه5، و الربوبیّة تطلب المربوب).
و اعلم، أنّ الشیخ - رض - یستعمل فی جمیع کتبه المألوه و یرید به العالم، و اللّغة تقتضی أن یطلق على الحقّ إلاّ فی بعض معانیه؛ لأنّه مشتق من «أله»، و له معان متعدّدة:
________________________________________
(1) . قال العارف الربّانی الفیض الکاشانی فى عین الیقین: «أوّل ما نشأ من الوجود الحقّ الغنی بالذات الذی لا وصف له و لا نعت إلاّ صریح ذاته، المندمجة فیه جمیع الکمالات و النعوت الجمالیّة و الجلالیّة بأحدیّته و فردانیّته من حیث الاسم «اللّه» المتضمّن لسائر الأسماء هو الوجود المطلق المنبسط الذی یقال له: الهویة الساریة و حقیقة الحقائق، و هذه المنشأیة لیست إیجادا؛ لأنّ الإیجاد من حیث کونه إیجادا یقتضی المباینة بین الموجد و الموجد، فهی أنّما تتحقّق بالقیاس إلى الوجودات الخاصّة المتعنّیة من حیث تعیّنها و اتّصاف کلّ منها بعینها الثابتة التی تنشأ من هذا الوجود المطلق من حیث خصوصیات أسمائه الحسنى المندمجة فى الاسم «اللّه»».
(2) . أی الأسماء طالبة ما تعطیه تلک الأسماء ثبوتا فى العلم و وجودا فى العین (جامی).
(3) . و على الأوّل فاعل یعطى هو «الحقائق».
(4) . لتکون مجالى أحکامها و مظاهر آثارها (جامی).
(5) . حتّى تثبت و تتعیّن، فإنّ الأسماء الإلهیّة تقتضى ثبوت المألوه و تعیّنه، کما أنّ أسماء الربوبیّة تقتضی وجود المربوب و ظهوره، و إلیه أشار بقوله: «و الربوبیّة تطلب المربوب حتّى تظهر به و توجد فى العین» و هذا هو الفرق بین الألوهیّة و الربوبیّة، لا ما قیل فى بعض الشروح، فتأمّل (ص).
جلد: 2، صفحه: 798
أوّلها: یقال: «أله إلهة» أی: عبد عبادة، فالمألوه هو المعبود.
و ثانیها: الفزع و الالتجاء، یقال: «اله إلى زید» أی، إلتجأ إلیه فأجاره، و قال1«تأبط شرا2 ألهت إلیها و الرکائب وقّف»، فالمألوه: المفزع و الملجأ.
و ثالثها: الثبات، یقال: «ألهنا بمکان کذا» أی: اقمنا، قال الشاعر: «ألهنا بدار ما تبید رسومها»، فالمألوه المثبت.
و رابعها: السکون، یقال: «ألهت إلیه» أی: سکنت إلیه، فالمألوه المسکون إلیه.
و خامسها: التحیّر، یقال: «أله زید» إذا تحیّر، فالمألوه المتحیّر.
و لا شکّ أنّ المعبود و المفزع إلیه و المسکون إلیه هو الحقّ، و المتحیّر، و المثبت هو العالم، و یمکن أن یستعمل لغة فی معان اخر تلیق بالعالم.
و الالوهیّة اسم المرتبة الإلهیّة، أی: هذه المرتبة تطلب وجود العالم و هو المألوه، لأنّ کلّ واحد من أسماء الصفات و الأفعال یقتضی محلّ ولایته لیظهر به، کالقادر للمقدور، و الخالق للمخلوق، و الرازق للمرزوق، و هکذا غیرها.
و الفرق بین الالوهیّة و الربوبیّة أنّ الالوهیّة حضرة الأسماء کلّها، اسم للذات و الصفات و الأفعال، و الربوبیّة حضرة أسماء الصفات و الأفعال فقط، لذلک تأخّرت عن المرتبة الإلهیّة، قال تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِینَ3.
(و إلاّ) أی، و إن لم تکن الالوهیّة و الربوبیّة طالبة للمألوه و المربوب، لا یکون شیء منها متحقّقا، کما لا تتحقّق الأبوّة إلاّ بالابن و البنوّة إلاّ بالأب؛ لأنّهما من قبیل المتضائفین.
(فلا عین لها إلاّ به وجودا و تقدیرا).
أی، فلا عین للالوهیّة و الربوبیّة إلاّ بالعالم، سواء کان موجودا بالوجود الحقیقیّ أو
________________________________________
(1) . علم شاعر معروف.
(2) . قال الخطیب فی شرح الحماسة: «تأبّط شرّا، هو ثابت بن جابر بن سفیان، قیل أنّه سمّی بذلک؛ لأنّه أخذ سیفا تحت إبطه و خرج، فقیل لأمّه این هو؟ فقالت: لا أدرى تأبّط شرا و خرج».
(3) . الفاتحة (1):2.
جلد: 2، صفحه: 799
مقدّرا، فقوله: (فلا عین) جواب الشرط المقدّر، أی: إذا کان تحقّق الالوهیّة و الرّبوبیّة موقوفا على المألوه و المربوب، فلا عین للالوهیّة إلاّ بالمألوه و لا للربوبیّة إلاّ بالمربوب، و جواب «إلاّ» محذوف1 لدلالة قوله: (فلا عین لها إلاّ به) علیه، و لا یجوز أن یکون هو جوابا؛ لفساد المعنى.
________________________________________
(1) . هو ما أشار إلیه بقوله: «لا یکون شیء منها متحقّقا».