شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و الحقّ من حیث ذاته غنی عن العالمین، و الربوبیّة ما2 لها هذا الحکم3) إذ لا غنى لها عن المربوب.
(فبقی الأمر4 بین ما تطلبه الربوبیّة، و بین ما تستحقّه الذات من الغنى عن العالم).
أی، بقی الشأن بین الغنى الذاتی و الافتقار الأسمائی، فیجب أن ینزل کلّ منهما على مقامه، فنقول: الغنى من حیث الذات؛ لأنّ العالم کان أو لم یکن لم یحصل التغیّر فی الذات، بل هی على حالها أزلا و أبدا عند وجود العالم و عدمه، و الافتقار من حیث الربوبیّة و الالوهیّة.
و لمّا کانت الربوبیّة صفة الذات الغنیّة، و الصفة عین الموصوف فی الأحدیّة، قال:
(و لیست الربوبیّة على الحقیقة5 و الاتصاف6 إلاّ عین هذه الذات)7.
فللذات الغنى عن العالمین من وجه، و هو وجه الأحدیّة المتعالیة عن النّسب و الاضافات، و لها الافتقار إلیهم من وجه آخر، و هو وجه الواحدیّة الطالبة للنّسب و مظاهرها.
________________________________________
(2) . نافیة.
(3) . ثمّ إنّ الربوبیّة لمّا کان أنزل من الألوهیّة - فهی أشمل ضرورة - اقتصر علیها (ص).
(4) . دائرا (جامی).
(5) . عند الثبوت (ص).
(6) . عند الإثبات (ص).
(7) . یعنى أنّ الربوبیّة لکونها ذاتیّة للربّ هی عینه؛ لأنّها لو لم تکن عینه لکانت غیره من جمیع الوجوه، فلم تکن الذات بدونها ربّا و احتاجت إلى ذلک الغیر فى کونها ربّا، و الذات غنیّة و ربوبیّتها لیست غیرها، فهی عینها (جندی).
جلد: 2، صفحه: 800
(فلمّا تعارض الأمر1 و2 بحکم النّسب3 و4 و5، ورد فی الخبر ما6 وصف الحقّ به نفسه من الشفقة7 على عباده)8 و9.
أی، فلمّا تعارض الأمر الإلهیّ بحکم النّسب و الاضافات من الصفات الحقیقیّة، و الاضافیّة المتقابلة کالقهر و اللّطف و الرحمة و النقمة، أضاف الشفقة على عباده إلى نفسه کما ورد: اَللّٰهُ رَؤُفٌ بِالْعِبٰادِ10.
و الشفقة هی الرحمة، فرحم بها عباده و اسماءه التی یطلب العباد باظهارها و اظهار ما علیه سلطنتها من أعیان العالم؛ لأنّها سبب ظهور کمالات الأسماء، و الربوبیّة لا تتمّ الاّ بها.
(فأوّل ما نفّس عن الربوبیّة بنفسه المنسوب إلى الرحمن11 بایجاده العالم الّذی تطلبه الربوبیّة12 بحقیقتها13 و جمیع الأسماء الإلهیّة).
أی، فأوّل شیء نفّس عنه الحقّ و أزال الکرب، أنّما کان صفة الربوبیّة ثمّ عن جمیع الأسماء، لذلک قدّمها و عطف «جمیع الأسماء الإلهیّة» علیها؛ و ذلک لأنّ الربوبیّة
________________________________________
(1) . أی أمر الذات (جامی).
(2) . بین الاحتیاج و الغنى (ص).
(3) . لاقتضائه من حیث الذات الغنى و من حیث النسب اللاغنى (ق).
(4) . أی نسبة اللا الغنى و اللا غنى و لم تبق الذات على صرافة الغنى (جامی).
(5) . التی هی العین حقیقة و إتّصافا؛ فإنّه بالنسبة إلى الذات عینها یستلزم الغناء، و بالنسبة إلى الأسماء التی هی عینها یقتضی الاحتیاج (ص).
(6) . فاعل قوله: «ورد».
(7) . الواقعة على عباده (جامی).
(8) . کما أنّ عباده تتعلّق بهم الشفقة و الرحمة، فکذلک یتعلّق به أیضا الشفقة و الرحمة التی هی التنفیس عن کرب الأسماء (جامی).
(9) . و ما کتب على نفسه من الرحمة علیهم؛ و ذلک لأنّ الشفقة على العباد و کتابة الرحمة علیهم فیها معنى الاستغناء مع الاحتیاج، على ما لا یخفى (ص).
(10) . البقرة (2):207.
(11) . فإنّ الرحمة هی الوجود، فنسب إلیه النّفس (ص).
(12) . الشاملة لجمیع الأسماء (ق).
(13) . الطالبة لوجود العالم فقوله: «فأوّل ما نفس» مبتدأ خبره إمّا قوله: «عن الربوبیّة» أو قوله: «بإیجاد العالم».
جلد: 2، صفحه: 801
و جمیع الأسماء الإلهیّة اقتضت وجود المربوبات و مظاهر الأسماء و الصفات و ذلک التنفیس کان بایجاد العالم فی الخارج لکن بواسطة النفس الرحمانی، «فأوّل» مبتدأ خبره «عن الربوبیّة»، و یجوز أن یکون خبره «بایجاده العالم»، أی أوّل ما نفّس عن الربوبیّة أنّما کان بایجاد أعیان العالم، و یجوز أن تکون «ما» فی قوله: (ما نفّس) مصدریة، فمعناه: فأوّل تنفیسه عن الربوبیّة بایجاد الأعیان، ثمّ باظهار کمالاتها، ثمّ بانزال کلّ منها فی مقام یلیق بحاله فی الآخرة.
(فیثبت) و فی بعض النسخ فثبت (من هذا الوجه أنّ رحمته وسعت کلّ شیء1، فوسعت الحقّ2، و هی أوسع من القلب أو مساویة له فی السعة).
لمّا کان الغرض من قوله: (و أمّا الاشارة بلسان الخصوص) إلى هنا إثبات أنّ الحقّ کما هو راحم کذلک هو مرحوم من وجه آخر، صرّح هنا بالمقصود و هو أنّ رحمته وسعت کلّ شیء، اسما کان ذلک الشیء أو عینا، و إذا کانت کذلک وسعت الحقّ أیضا؛ لأنّه عین هذه الأسماء و الأعیان، فرحمته أوسع من القلب؛ لأنّ الحقّ من حیث أسمائه و القلب و کلّ ما یطلق علیه اسم الشیئیّة داخل فیها، و القلب لا یسع نفسه و إن وسع غیره من الحقّ و الأعیان و مظاهرها، و لمّا کان القلب أیضا یسع نفسه من حیث الاحاطة العلمیّة، قال (أو مساویة له فی السعة).
(هذا مضى).
و اعلم، أنّ الذی یسع کلّ شیء ثلاث العلم و الرحمة و القلب، قال اللّه تعالى رَبَّنٰا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً3 و أَحٰاطَ بِکُلِّ شَیْءٍ عِلْماً 4وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ5 و قال: «ما وسعنی أرضى و لا سمائی و وسعنی قلب عبدی المومن»6.
________________________________________
(1) . حقّا کان أو خلقا.
(2) . أیضا (جامی).
(3) . غافر (40):7.
(4) . الطلاق (65):12.
(5) . الأعراف (7):156.
(6) . بحار الأنوار ج 58، ص 39؛ إحیاء العلوم ج 3، ص 12.
جلد: 2، صفحه: 802
و لمّا تکلّم فی سعة الرحمة و جعلها أوسع أو مساویة للقلب، قال: (هذا مضى).