شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(ثمّ لتعلم أنّ الحقّ تعالى کما ثبت فی الصحیح1 یتحوّل فی الصور عند التجلّی2، و3 أنّ الحقّ تعالى إذا وسعه القلب4 لا یسعه معه غیره من المخلوقات، فکأنّه یملأه)5.
یرید أن یبیّن اتساع القلب و یومئ ایماء لطیفا إلى أصل یستند تقلّب القلب إلیه، و هو التحوّل الإلهیّ فی صور تجلّیاته کما ثبت فی الحدیث.
و لمّا کان التجلّی بحسب استعداد المتجلّى له، فالقلب الذی یسع الحقّ لا یکون إلاّ لمن له استعداد جمیع التجلّیات الإلهیّة الذاتیّة و الأسمائیّة، و إذا وسعه لا یسع معه غیره من المخلوقات؛ و ذلک إمّا لفناء غیر الحقّ عند تجلّیه فی نظر المتجلى له، کما إذا تجلّى بالأحدیّة فإن الکثرة تضمحل و تفنى عنده، فالمتجلى له لا یشعر لنفسه فضلا على غیره، و لا یرى ذاته أیضا إلاّ عین الحقّ حینئذ، أو لاختفاء الأغیار عند ظهور أنوار الحقّ فی نظر المتجلى له، کاختفاء الکواکب عند طلوع الشمس مع بقاء أعیانها.
و لمّا کانت السعة مقتضیة للاثنینیّة، إذ لا یقال: الشیء یسع نفسه، فسّر بالمعنى الثانی.
(و معنى هذا) أی، معنى قولنا: (إذا وسعه القلب لا یسع معه غیره).
(أنّه إذا نظر إلى الحقّ عند تجلّیه له لا یمکن معه أن ینظر إلى غیره)6 و7 و8.
________________________________________
(1) . أی فی الحدیث الصحیح المثبت فی صحیح مسلم کما صرّح الشیخ الأجلّ فی المجلّد الثانی من الفتوحات بقوله: «و من هذا الباب التجلّى الإلهی فی صور الاعتقادات، و هذا ممّا یجب الإیمان به. خرّج مسلم فى الصحیح من حدیث أبی سعید الخدری، و هو حدیث طویل». (الفتوحات المکّیة ج 2، ص 311)؛ صحیح مسلم ج 1، ص 167-171، کتاب الإیمان، ح 302.
(2) . أی الصور کلّها، فإنّها الجمع المحلّى، و هو یستغرق الأفراد غیر المتناهیة کلّها (ص).
(3) . أی و لتعلم أنّ الحقّ (جامی).
(4) . و صار مجلى له (جامی).
(5) . بأحدیّة جمعیّته التی لا یمکن أن یکون معه غیره؛ لامتناع أن یکون الخارج من الغیر المتناهی شیئا (ص).
(6) . لانحیازه بالکلّیة إلیه و انقهار الأشیاء تحت قهر التجلّی (جامی).
(7) . هذا من کمال إحاطة الحقّ بالکلّ، لا من ضیق القلب، کیف و قلب العارف من السعة الخ (ص).
(8) . یشیر - رض - إلى أنّ أحدیّة الحقّ الذی لا یقتضی معیّة غیره یقتضی بأن لا یتعلّق النظر القلبی عند التجلّی إلاّ به لا غیر (جندی).
جلد: 2، صفحه: 803
لاشتغال القلب بکلّیته إلى اللّه تعالى، و اختفاء الأغیار بنور الواحد القهّار.
(و قلب العارف من السعة1 کما قال أبو یزید البسطامی: «لو أنّ العرش و ما حواه مائة ألف ألف مرّة فی2 زاویة من زوایا قلب العارف ما أحسّ به»3).
لأنّ القلب تحصل له السعة غیر المتناهیة عند تجلّی من هو غیر متناه، و العرش و ما فیه على أی مقدار یفرض یکون متناهیا، و لا نسبة بین المتناهی و غیر المتناهی.
(و قال الجنید فی هذا المعنى: «إنّ المحدث4 إذا قرن5 بالقدیم6 لم یبق له أثر7» و قلب یسع القدیم کیف یحسّ بالمحدث موجودا؟8 و9).
هذا تأکید لقول أبی یزید - قدس سرّه -.
أی، أنّ الحقّ إذا تجلّى یفنى ما سواه، فلا یبقى لغیره وجود فضلا عن أثره، و إن قلنا: إنّه باق عنده تجلّی القدیم، فکیف یحسّ بالمحدث قلب تجلّى له الحقّ و نوّره بأنواره و شغله لذاته؟!
قوله: (موجودا) حال من «المحدث»، أو مفعول ثان لقوله: (یحس).
________________________________________
(1) . و الإطلاق.
(2) . أى وقع فى زاویة (جامی).
(3) . و ذلک لأنّ هذا کلّه متناه، و هو مندرج فى أحدیّة جمع الصور الغیر المتناهیة، مندمج فیها، فلا یحسّ به أصلا (ص).
(4) . أی المتناهی (جامی).
(5) . فی قلب العارف (جامی).
(6) . أی بالقدیم غیر المتناهی بتجلّیاته (جامی).
(7) . و فی عبارة الجنید زیادة بیان لذلک لمعنى، فإنّ المحدث المحصور بین الحاصرین إذا قرن بالقدیم الذی لا یحصره حدّ لم یبق له أثر، فإنّه مندمج فیه فلا یحسّ بوجوده أصلا، و إن کان فیه، و إلیه أشار بقوله: و قلب یسع القدیم (ص).
(8) . یشیر - رض - إلى أن لا وجود للمحدث من دون اللّه و لا معه؛ لعدم الاثنیّنیّة فی مقام وحدته (جندی).
(9) . حال من المحدث، و یمکن أن یجعل مفعولا ثانیا للإحساس؛ لتضمّنه معنى العلم (جامی).