شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(من قلّد صاحب نظر فکریّ و تقیّد به، فلیس هو الذی ألقى السّمع لابدّ أن یکون شهیدا لما ذکرناه، و متى لم یکن شهیدا لما ذکرناه فما هو المراد بهذه الآیة، فهولاء2هم الذین قال اللّه فیهم: إِذْ تَبَرَّأَ اَلَّذِینَ اُتُّبِعُوا3 مِنَ اَلَّذِینَ اِتَّبَعُوا4 و الرّسل لا یتبرءون من أتباعهم الذین اتبعوهم5 و6، فحقّق یا ولیی ما ذکرته لک فی هذه الحکمة القلبیّة).
إنّما کان صاحب نظر فکریّ غیر معتبر عند أهل اللّه؛ لأنّ المفکّرة قوّة جسمانیّة یتصرّف فیها الوهم تارة و العقل اخرى فهی محلّ ولایتهما و الوهم ینازع العقل، و العقل لا نغماس آلته فی المادّة الظلمانیّة لا یقدر على إدراک الشیء إدراکا تامّا، خصوصا مع وجود المنازع، و لا تسلم مدرکاته عن الشبه النظریة، فیبقى صاحبه لا یزال شاکا أو ظانّا فیما أدرکه، بخلاف أرباب الیقین فإنّهم یشاهدون الأشیاء بنور ربّهم، لا بتعلّمهم و تفکّرهم.
و القوّة الخیالیّة و إن کانت جسمانیّة لکنّها بمنزلة البصر للقلب، و مدرکاتها محسوسة فیحصل بها الیقین، فمن قلّد لمن لا یکن على یقین فقد خاب و خسر؛ إذ لیس ممّن ألقى السّمع و لم یحصل له الشهود، و یدخل فیمن قال اللّه تعالى فی حقّهم:
إِذْ تَبَرَّأَ اَلَّذِینَ اُتُّبِعُوا من الذین اتّبعوا أی: المتبوعون من تابعیهم.
________________________________________
(2) . أی المقلّدین لأصحاب الأفکار (جامی).
(3) . لأنّ المتبوعین دعوا التابعین إلى خلاف الواقع فتبعوهم، و رجع نکال متابعتهم إلى متبوعهم فتبرّؤوا منهم (جامی)..
(4) . البقرة (2):166.
(5) . لأنّهم دعوهم إلى الحقّ و الصدق فتبعوهم و انعکست أنوار متابعتهم إلیهم فلم یتبرّؤوا عنهم (جامی).
(6) . یشیر - رض - إلى أنّ نتائج النظر العقلی تقییدیّة حاصرة للأمر فیما هو خلاف الواقع، فإذا قلّدهم مقلّدهم و ألقى إلیهم السمع فکأنّه لم یبلغ إلى العلّة الغائیّة من التقلید و القاء السمع و هو الشهود؛ لکون المشهود الموجود خلاف الحصر فی معیّن مقیّد، بل کون المشهود عین کلّ معیّن و غیر معیّن، غیر مقیّد، بل على إطلاقه الذاتی الوجودی، فافهم، فإنّ الفکر لیس من مقتضاه الشهود، و لکنّ الإیمان بأنّه مشهود یوجب طلب الشهود أوّلا فی التمثّل و التخیّل، ثمّ فی الشهود و الرؤیة الحقیقیّین آخرا بما ذکرناه من اتّحاد البصر بالبصیرة (جندی).
جلد: 2، صفحه: 823
و لمّا کان هذا التنبیه أصلا عظیما لأرباب السلوک، وصى بتحقیقه، أی: بجعله حقّا ثابتا و امعان النظر فی حقیقته؛ لئلا یقلّدوا أرباب النظر بترک الشرائع، فیقعون فی الغوایة و یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً1 کما فی زماننا هذا2.
(و أمّا اختصاصها بشعیب علیه السّلام لما فیها من التشعیب، أی: شعبها3 لا تنحصر4، لأنّ کلّ اعتقاد شعبة، فهی شعب کلّها، أعنی: الاعتقادات)5 و6.
لمّا کان شعیب مأخوذا من الشعبة، و کان القلب کثیر الشعب بحسب عوالمه و عقائده و قواه الروحانیّة و الجسمانیّة، ذکر أنّ اختصاص الحکمة القلبیّة بهذه الکلمة الشعیبیّة لأجل المناسبة التی بینهما، و إنّما بیّن هذا الاختصاص هنا؛ لیبیّن شعب الاعتقادات المختلفة، و أنّ شعبها لا تنحصر.
________________________________________
(1) . الکهف (18):104.
(2) . از زمان ما خبر ندارى.
(3) . کثیرة (جامی).
(4) . فی عدد معیّن (جامی).
(5) . تفسیر للضمیر أعنی هی، أی الاعتقادات شعب کلّها، و هذا وجه آخر للاختصاص یناسب شعیبا باعتبار اسمه، بخلاف ما ذکر فی أوّل الفصّ فإنّه یناسبه باعتبارات أخر (جامی).
(6) . و المذکور فی أوّل الفصّ یناسب باعتبار طریقته (ق).