شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
و ذلک أنّ المعرفة لا تترک للهمّة تصرّفا3، فکلّما علت معرفته نقص تصرّفه بالهمّة4، و ذلک لوجهین الوجه الواحد لتحقّقه بمقام العبودیّة5، و نظره6 إلى أصل خلقه الطبیعیّ7 و8).
أی، لظهوره بمقام العبودیّة، و هی تقتضی الاتیان بأوامر السیّد، و التصرّف أنّما یکون عند الظهور بالربوبیّة؛ لأنّ للسیّد المالک أن یتصرّف فی ملکه لا للعبد، و لنظره
________________________________________
(3) . یعنی استقلالا فی التأثیر و الحکم (ص).
(4) . حتّى إذا بلغت غایتها لم یبق له تصرّف أصلا (جامی).
(5) . الآبیة عن غیر الإذعان و القبول لأحکام الربّ و تصرّفاته أفعالا و أعمالا (ص).
(6) . أی و لنظره (جامی).
(7) . أی و ضعفه الفطری ذوقا و حالا (ص).
(8) . و هو الضعف و العجز (جامی).
جلد: 2، صفحه: 849
إلى أصل خلقه الطبیعیّ، و هو الضعف و العجز کما قال تعالى اَللّٰهُ اَلَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ ضَعْفٍ1.
(و الوجه الآخر أحدیّة المتصرّف و المتصرّف فیه2، فلا یرى على من یرسل همّته3فیمنعه4 ذلک).
و الوجه الآخر أنّ العارف یعرف أنّ المتصرّف، و المتصرّف فیه فی الحقیقة واحد و إن کانت الصور مختلفة، فلا یرى أحدا غیره لیرسل همّته علیه فیهلکه، فیمنع المتصرّف5ذلک العرفان عن تصرّفه6، فالرؤیة رؤیة البصر و «من» مفعوله، و «على» متعلّق بقوله: (یرسل).
و یجوز أن تکون الرؤیة بمعنى العلم و «من» استفهامیّة، أی فلا یعلم على أیّ موجود یرسل همّته على سبیل القهر و الغضب فیهلکه، و لیس فی الوجود غیره.
و أیضا التصرّف أنّما یکون بالجهة الربوبیّة فالمتصرّف إن قلنا: «إنّه ربّ» فلیس للعبد
________________________________________
(1) . الروم (30):54.
(2) . فی مشهده الجمعیّ، و بیّن أنّه لا بدّ و أن یکون الفاعل فی بعد عن القابل، یقابله حتّى یتمکّن من التأثیر؛ فإنّ القریب من الشیء منقهر تحت أحکام وحدته الشخصیّة مختف فی أحدیّته الإحاطیّة فلا یرى صاحب المشهد الجمعیّ غیرا فی نظر همّته حتّى یتوجّه إلیه بقوّة تأثیره و إلى من یقصد عند التأثیر و على من یرسل همّته إلیه، فإنّ للفاعل المؤثّر مرتبة العلوّ على مجعوله المتأثّر منه، لا بدّ من ذلک حتّى یتمّ التأثیر، فلذلک استعمل الرؤیة ب «على» و هی الرؤیة البصریّة، بقرینة «النظر» فی الوجه الأوّل، فیمنعه ذلک الأحدیّة المشهودة له عن تقابل العلوّ و السفل، الذی به یتمکّن الفاعل فی التصرّف (ص).
(3) . یعنی لا یرى من یرسل همّته علیه، أو یکون مفعول «یرى» محذوفا بمعنى لا یرى أحدا، و یکون على من یرسل همّته بیان علّة عدم التصرف، فخذف المرئی لما لم یتعلّق به الرؤیة. و التقدیر: لا یرى أحدا غیر الحقّ فعلى من یرسل همّته؟ هو صحیح فیه حذف و استفهام للمخاطب عمن یرسل علیه همّته (جندی).
(4) . المانع بالحقیقة هو الوقوف فی مقام العبودیة الذاتیّة له، و ردّ أمانة الربوبیّة العرضیّة إلى اللّه تأدّبا بآداب أهل القرب فلا یتعدّى للتصرّف و التسخیر، و یتوجّه بالکلّیة إلى اللّه الواحد الأحد المتفرّد بالتدبیر و التقدیر (ق).
(5) . مفعول به.
(6) . یعنی لا جرم این عرفان مانع متصرف از تصرف است که «العرفان» فاعل یمنع است و «المتصرّف» مفعول به آن.
جلد: 2، صفحه: 850
فیه شیء، و هو المالک یفعل فی ملکه ما یشاء.
و إن قلنا: «إنّه عبد» فلا یخلو من أنّه یتصرّف بأمر المالک، أو لا:
فإن کان بالأمر على التعیین فالمتصرّف أیضا المالک على ید العبد، و هو آلة فقط.
و إن1 کان بالأمر على الاجمال، کقول المالک: «تصرّف فیما شئت بما شئت»، فهو الخلیفة، و هو أیضا مظهر الربّ لا یفعل شیئا لنفسه، فأن لم یفعل بأمر المالک یعلم أنّ المتصرّف فیه هو الحقّ الظاهر بتلک الصورة، أو لا؟
فإن علم فهو ممّن أساء الأدب مع اللّه فلا یکون تامّ المعرفة، و إن لم یعلم فهو الجاهل بمرتبة المتصرّف فیه، بجهله یرسل همّته علیه بالاهلاک.
فالحاصل: أنّ المعرفة تمنع العارف من التصرّف، و من تصرّف من الأنبیاء و الأولیاء أنّما تصرّف بالأمر الإلهیّ لتکمیل المتصرّف فیه و الشفقة علیه، و إن کانت الصورة صورة الاهلاک.
(و فی هذا المشهد، یرى أنّ المنازع له ما2 عدل3 عن حقیقته التی هو علیها فی حال ثبوت عینه4، و حال عدمه5، فما ظهر فی الوجود6 إلاّ ما کان له فی حال العدم7فی الثبوت8، فما9 تعدّى10 حقیقته، و لا أخلّ بطریقته).
المشهد مقام الشهود، أی: و فی هذا المقام من المعرفة و هو مقام شهود الأحدیّة، یعلم العارف أنّ من ینازعه و ینازع الأنبیاء و الأولیاء ما عدل عن اقتضاء حقیقته التی هی
________________________________________
(1) . وصلیّة.
(2) . نافیة.
(3) . أی ما عدل عن مقتضیاته (جامی).
(4) . الثابتة فی العلم (جامی).
(5) . الخارجی فى العین (جامی).
(6) . العینى منه صورة المخالفة (جامی).
(7) . الخارجی (جامی).
(8) . أی فی مرتبة الثبوت العلمی (جامی).
(9) . نافیة.
(10) . أی المنازع حقیقته فیما جرى علیه من المخالفات (جامی).
جلد: 2، صفحه: 851
العین الثابتة، فإنّها کانت على المنازعة مع حقائق الأنبیاء و الأولیاء حال کونها ثابتة فی العدم؛ لأنّ حقائقهم اقتضت الهدایة و الرشاد و طاعة أمر اللّه.
و حقیقة المنازع معهم اقتضت الضلالة و الغوایة، و الاباء عمّا جاء به النبیّ، فکلّ على طریقته الخاصّة به، و کلّ عند ربّه مرضی، کما مرّ بیانه.
فما ظهر فی الوجود العینی شیء إلاّ على صفة ما کان علیه فی الوجود العلمی، فما تعدّى المنازع عن حقیقته، و لا أخلّ بشیء فی طریقته.