شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(فتسمیة ذلک1 نزاعا) أی: بالنزاع (أنّما هو أمر عرضی أظهره الحجاب الّذی على أعین الناس، کما قال اللّه تعالى فیهم2: وَ لٰکِنَّ أَکْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ یَعْلَمُونَ3یَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ اَلْحَیٰاةِ اَلدُّنْیٰا4 وَ هُمْ عَنِ اَلْآخِرَةِ هُمْ غٰافِلُونَ5 و6).
ضمیر «أنّما هو» عائد إلى التسمیّة، ذکره باعتبار القول أو تغلیبا للخبر، و معناه:
فتسمیة ما علیه المنازع من الطریق الخاصّ به نزاعا، أنّما هو أمر عرضی حصل للمحجوبین بواسطة الحجاب الّذی على أعینهم من سرّ القدر، فإنّهم یتوقّعون من جمیع الخلائق الاهتداء و الرشد لما جاء به الأنبیاء علیهم السّلام.
و ما یعلمون أنّ کلّ عین لا تقبل إلاّ ما یعطیه الاسم الحاکم علیها من اللّه، و کلّ موافق لطریقه، و لو کانوا یعلمون ذلک ما کانوا یسمّونه منازعا مطلقا، بل موافقا، لذلک قال تعالى فی حقّهم: وَ لٰکِنَّ أَکْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ یَعْلَمُونَ أی: سرّ القدر یَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ اَلْحَیٰاةِ اَلدُّنْیٰا وَ هُمْ عَنِ اَلْآخِرَةِ هُمْ غٰافِلُونَ أی: یعلمون ما ظهر لهم من النشأة الدنیاویّة، و هم عن النشأة الاخراویّة - التی عندها یظهر سرّ القدر - غافلون.
و اعلم، أنّ ما زعم المحجوب أیضا حقّ واقع، فإنّ للأسماء مقتضیات متوافقة و متخالفة:
________________________________________
(1) . أی ذلک الأمر الظاهر على المنازع من المخالفة المسمّى نزاعا أنّما هو أمر عرضی (جامی).
(2) . أی فی شأن المحجوبین (جامی).
(3) . الأعراف (7):187.
(4) . أی ما ظهر لهم فی النشأة الدنیویّة (جامی).
(5) . الروم (30):7.
(6) . أی و هم عن النشأة الأخرویّة التی عندها یظهر سرّ القدر غافلون (جامی).
جلد: 2، صفحه: 852
الأوّل: «کالرحیم»، و «الکریم».
و الثانی: «کالرحیم»، و «المنتقم».
فإذا اعتبر مقتضى کلّ اسم بحسبه، أو بحسب الاسم الموافق له، کانت عینه موافقة لطریقها، کما مرّ من أنّ کلّ واحد من الأعیان على طریق مستقیم، و هو عند ربّه مرضیّ.
و إذا اعتبر بحسب اسم آخر مخالف له کانت عینه مخالفة، فالتخالف و التضادّ بین الأسماء و الأعیان واقع، و الأنبیاء علیهم السّلام آمرون بالدعوة علموا سرّ القدر أو لم یعلموا، لمقاصد1:
أحدها: تمیّز أهل الدارین.
و ثانیها: ایصال کلّ إلى کمال ما تقتضی حقیقته.
و ثالثها: الحجة لهم و علیهم، إذ الأنبیاء علیهم السّلام حجج اللّه على خلقه، کما قال تعالى:
وَ مٰا کُنّٰا مُعَذِّبِینَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً2.
فتسمیة المحجوب - أو النبیّ و الولیّ المکاشف لسرّ القدر3 - ذلک نزاعا، أنّما هو بالنسبة إلى عدم قبوله الأمر الإلهیّ التکلیفی، و منازعة ما تعطیه حقیقته من الضلال لما تعطیه حقیقة النبیّ من الهدایة، فوقع النزاع.
و إنّما کان عرضیّا لأنّه بالنظر إلى الغیر، لا إلى ذاته.
(و هو4 من المقلوب، فإنّه من قولهم: قُلُوبُنٰا غُلْفٌ5 أی: فی غلاف).
________________________________________
(1) . أی الأنبیاء آمرون لمقاصد.
(2) . الإسراء (17):15.
(3) . قال الشیخ - رض - فی نقش الفصوص: «سرّ القدر» هو أنّه لا یمکن لعین من الأعیان الثابتة الخلقیّة أن یظهر فی الوجود ذاتا و صفة و فعلا إلاّ بقدر خصوصیّة قابلیّته و استعداده الذاتی.
و سرّ سرّ القدر أنّ هذه الأعیان الثابتة لیست أمورا خارجة عن الحقّ، بل هی نسب و شوؤن ذاتیّة، فلا یمکن أن تتغیّر عن حقائقها، فإنّها حقائق ذاتیّات، و ذاتیّات الحقّ سبحانه لا تقبل الجعل و التغیّر و التبدیل و المزید و النقصان».
نقش الفصوص، ص 211.
(4) . أی النزاع، على ما تصوّره من المقلوب؛ فإنّه وفاق فی الحقیقة و هم قلبوه أو الغفلة التی لهم من باب المقلوب فإنّه من قوله: قُلُوبُنٰا غُلْفٌ البقرة (2):88 فإنّ «غفل» قلب «غلف» (ص).
(5) . البقرة (2):88.
جلد: 2، صفحه: 853
«هو» یجوز أن یکون عائدا إلى النزاع المذکور، أی: النزاع المذکور مقلوب بالقلب المعنوی، قلّبه أهل الحجاب لکون قلوبهم فی أکنّة، فإنّه وفاق فی نفس الأمر، و لا یعلم الحقّ منه إلاّ کذلک، و ما یعطیه ربّه الحاکم علیه إلاّ ذلک، کما یعطی ربّ المحجوبین الوفاق نزاعا، هذا وجه.
و الأولى منه أن یکون الضمیر عائدا إلى قوله: (غافلون) أی: الغافل مقلوب من «الغلف»، فإنّه من «غفل» المقلوب عن «غلف» و یؤکده قوله: (فإنّه من قولهم قُلُوبُنٰا غُلْفٌ... الخ) أی: مأخوذ من الغلف.
و هذا أیضا تقریر سبب تسمیتهم للوفاق نزاعا، قال تعالى حاکیا عن الکفار:
وَ قٰالُوا قُلُوبُنٰا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ بِکُفْرِهِمْ فَقَلِیلاً مٰا یُؤْمِنُونَ أی: قلوبنا فی غلاف، أی:
فی حجاب.
إذ لا شکّ أنّ الغافل أنّما یغفل عن الشیء بواسطة الحجاب الّذی یطرأ على قلبه، فالغافلون عن الآخرة هم الذین قلوبهم فی غلاف و حجاب.
(و هو «الکنّ» الذی ستره عن إدراک الأمر على ما هو علیه).
و هو - أی: الغلاف - هو «الکنّ» المذکور فی قوله تعالى: وَ جَعَلْنٰا عَلىٰ قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذٰانِهِمْ وَقْراً1 فهو الّذی ستر القلب و حجبه عن إدراک الحقائق على ما هی علیه.
و لمّا کان قوله: (و هو من المقلوب... الخ) اعتراضا وقع فی أثناء تقریره أن المعرفة تمنع العارف من التصرّف، قال:
(فهذا2) أی: هذا الذّی ذکرناه (و أمثاله، یمنع العارف من التصرّف3 فی العالم،
________________________________________
(1) . الإسراء (17):46.
(2) . الذی ذکرنا من الوجوه الثلاثة (جامی).
(3) . شهود أحدیّة التصرّف و المتصرّف و المتصرّف فیه کما یوجب التوقّف عن التصرّف فکذلک یقضى بالتصرّف؛ فإنّ التصرّف من حیث وقع و ممّن کان فلیس إلاّ للحقّ، فلو تصرّف العارف بأحدیّة عین المتصرّف و المتصرّف فیه بکلّ ما تصرّف فی الأکوان فلیس ذلک التصرّف إلاّ للحقّ و من الحقّ، و لا سیّما و أحدیّة العین توجب أن یکون لحقیقة العبد کلّ ما لحقیقة الربّ من التصرّف و التأثیر... فإن ظهر التصرّف عن هذا العبد الکامل فلیس ذلک بتسلیط الهمّة، بل تجلّ فی عین الحقیقة من غیر إخلال بمقام العبودیّة، و لکن التصدّی لذلک و الظهور به خلاف التحقیق، و الموجب لتوقّف العبد الکامل العارف عن التصدّی للتصرّف التسخیر بإرسال الهمّة و تسلیط النفس هو أنّ الکامل مستفرغ بکلّیته للّه و شهوده من حیث إطلاقه الحقیقی الذاتی، فلا التفات له إلى تسلیط الهمّة الکلّیة إلى الکوائن الجزئیّة بالتوجّه الکلّی و جمع الخاطر (جندی).
لذلک و الظهور به خلاف التحقیق، و الموجب لتوقّف العبد الکامل العارف عن التصدّی للتصرّف التسخیر بإرسال الهمّة و تسلیط النفس هو أنّ الکامل مستفرغ بکلّیته للّه و شهوده من حیث إطلاقه الحقیقی الذاتی، فلا التفات له إلى تسلیط الهمّة الکلّیة إلى الکوائن الجزئیّة بالتوجّه الکلّی و جمع الخاطر (جندی).
جلد: 2، صفحه: 854
قال الشیخ أبو عبد اللّه1 بن قائد للشیخ أبی السعود ابن الشبل: «لم لا تتصرّف؟» فقال أبو السعود2: «ترکت الحقّ یتصرّف لی کما یشاء» یرید قوله تعالى آمرا: فَاتَّخِذْهُ وَکِیلاً3 فالوکیل4 هو المتصرّف، لا سیما و قد سمع) أی: سمع أبو السعود (أنّ الله یقول: وَ أَنْفِقُوا مِمّٰا جَعَلَکُمْ مُسْتَخْلَفِینَ فِیهِ5
______________________________________
(1) . من کبار أصحاب الشیخ عبد القادر الگیلانی: مات سنة 576 (ریحانة الأدب، ج 8، ص 147) قال الجامی: «محمد الأوانی المشتهر بابن القائد». (نفحات الأنس ص 526 الترجمة 529. ذکره ابن عربی فى الفتوحات ج 2، ص 19.
(2) . من کبار أصحاب الشیخ عبد القادر الگیلانی، مات سنة، 579 (ریحانة الأدب ج 7، ص 126. راجع نفحات الأنس ص 526، الترجمة، 530 ذکره ابن عربی فى الفتوحات المکّیّة، ج 2، ص 19.
(3) . المزمّل (73):9.
(4) . و لکن لم یکن راغبا فی الظهور به (جامی).
(5) . الحدید (57):7.