عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

شرح القیصری علی فصوص‌الحکم (حسن‌زاده الآملی):

(فتحقّق هذه المسألة فإنّ القدر ما جهل إلاّ لشدّة ظهوره، فلم یعرف، و کثر فیه الطلب و الالحاح).
أی، تحقّق مسألة سرّ القدر، و إنّما قال: (لشدّة ظهوره) لأنّ کلّ ذی بصر و بصیرة یشاهدان وجود الأشیاء صادر من اللّه فی کلّ آن بحسب القوابل، کافاضة الصورة الانسانیّة على النطفة الانسانیّة، و الصورة الفرسیة على النطفة الفرسیة، و هذا أظهر شیء فی الوجود.
و کما تترتب إفاضة الصور على الأشیاء بالاستعداد و القابلیّة، کذلک تترتب إفاضة لوازمها على قابلیة تلک الصور، و هذا أیضا أمر بیّن عند العقل، و کثیر من الأشیاء البالغة فی الظهور قد یختفی اختفاء لا یکاد یبدو کالوجود و العلم و الزمان و أنواع الوجدانیات و البدیهیات أیضا کذلک.
و الطلب و الالحاح على معرفة سرّ القدر من الأنبیاء علیهم السلام أنّما کان للاحتجاب، فإنّ النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلم إذا اطّلع علیه لا یقدر على الدعوة و اجراء أحکام الشریعة على الأمّة، بل یعذر کلاّ منهم فیما هو علیه، لا عطاء عینه ذلک.
________________________________________
(1) . من الأحکام (جامی).
(2) . أی و کذلک محکوم علیه بما حکم فیه من الأعیان؛ فإنّ الحاکم تابع لهما فی حکمه (جامی).
(3) . حقیقیا أو مجازیّا، صوریّا أو معنویّا (جامی).
جلد: 2، صفحه: 873
(و اعلم، أنّ الرّسل صلوات اللّه علیهم من حیث هم رسل - لا من حیث هم رسل - لا من حیث هم أولیاء و عارفون - على مراتب ما هی1 علیه اممهم2، فما عندهم3 و4 من العلم الذی ارسلوا5 به إلاّ قدر ما تحتاج إلیه أمّة ذلک الرسول، لا زائد و لا ناقص).
أی، الرّسل من حیث إنّهم رسل ما أعطى لهم العلم إلاّ قدر ما تطلب استعدادات أمّته، لا یمکن أن یکون زائدا علیه و لا ناقصا منه؛ لأنّ الرسول أنّما هو مبلّغ لما انزل إلیه، کقوله تعالى: بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَیْکَ‌6 و ما عَلَیْکَ إِلاَّ اَلْبَلاٰغُ 7إِنْ أَنْتَ إِلاّٰ نَذِیرٌ8 مبیّن لأحکام أفعالهم، لاصلاح معاشهم و معادهم.
و التبلیغ و التبیین لا یکون إلاّ بحسب استعدادات المبلّغین إلیهم و أفعالهم، لا زائدا و لا ناقصا.
و أمّا من حیث إنّهم أولیاء فانون فی الحقّ أو أنبیاء عارفون، فلیس کذلک لأنّ هاتین الصفتین بحسب استعداداتهم فی أنفسهم، لا مدخل لاستعدادات الأمّة فیها.
فقوله: (و عارفون) أی: و لا من حیث إنّهم أنبیاء، فنبّه بهذا الاطّلاع على کون النبوّة تعطی العلم و المعرفة باللّه و المراتب، و على أنّ العارفین لهم نصیب من النبوّة العامّة، لا الخاصّة التشریعیّة.
________________________________________
(1) . «هی» ضمیر مبهم، یفسّر، «أممهم» أی على مراتب ما أممهم علیه من الاستعدادات و القابلیّات (جامی).
(2) . فی إدراک الدقائق و استشعار الحکم و الحقائق، و ذلک لما مهّد آنفا من أنّ الحاکم محکوم علیه، منقاد لما فیه یحکم، و لا شکّ أنّ الرسول حاکم فی الأمم، فلا بدّ أن یکون تابعا لهم فی مقتضى قابلیّاتهم و مقترحات نیّاتهم، و لکن من حیث إنّه رسول و حاکم لا مطلقا (ص).
(3) . أی عند کلّ رسول منهم (جامی).
(4) . الظاهر أنّ قوله: «فما عندهم» خبر «أن» إلاّ أن یقال: أنّ «الفاء» یصادمه إن لم یکن لدخول الفاء وجه، أو یقال إنّ «الفاء» من إلحاق النسّاخ.
(5) . أی أرسل کلّ واحد منهم بحصّة منه (جامی).
(6) . المائدة (5):67.
(7) . الشورى (42):48.
(8) . فاطر (35):23.
جلد: 2، صفحه: 874
و قوله: (على مراتب ما هی علیه أممهم) باضافة المراتب إلى «ما» خبر «انّ‌»، و هی ضمیر مبهم مفسّره «أممهم»، تقدیره: أنّ الرّسل من حیث هم رسل عالمون على قدر مراتب أممهم على ما هی علیه.
(و الأمم متفاضلة، یزید بعضها على بعض1، فیتفاضل الرّسل2 فی علم الإرسال3 بتفاضل اممها، و هو قوله: تِلْکَ اَلرُّسُلُ‌4 فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ‌5 و6 و7).
معناه ظاهر، و «هو» بمعنى ذلک، أی: و ذلک التفاضل ثابت بقوله: تِلْکَ اَلرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ‌.
(کما هم أیضا فیما یرجع إلى ذواتهم علیهم السلام8 من العلوم و الأحکام متفاضلون بحسب استعداداتهم9، و هو).
________________________________________
(1) . فی الفضیلة.
(2) . للرسل - صلوات اللّه علیهم اجمعین - جهات ثلاثة:
جهة الرسالة، و هی تحمّل الأحکام الإلهیّة المتعلّقة بأفعال الأمم، الموجبة لصلاح معادهم و معاشهم، و هم فی ذلک أمناء لا یبلّغون إلاّ ما تحمّلوا.
و جهة الولایة: و هی الفناء فی اللّه بقدر ما قدر لهم من کمالات صفاته و أسمائه.
و جهة النبوّة: و هی الإخبار عن اللّه بقدر ما رزقوا من معرفته، فعلوم کل واحد منهم من جهة الرسالة لیست إلاّ بقدر ما تحتاج إلیه أمّته المرسل إلیهم لا أزید و لا أنقص؛ لأنّه إنّما أرسل لسؤال استعدادهم، فلا یکلّفهم إلاّ ما یسعه استعدادهم، فبقدر ما تتفاضل الأمم فی الاستعدادات تتفاضل الرسل فی علوم الرسالة... و ربّما یطوى اللّه عنهم بعض العلوم التی لا یحتاجون إلیها فی الرسالة و ینافیها ظاهرا، کالعلم بسرّ القدر؛ فإنّه یوجب فتور الهمّة فی الدعوة عن طلب ما هو غیر مقدور (ق).
(3) . أی فی علم یقتضیه إرسالهم إلى أممهم (جامی).
(4) . الرسالة متعلّقة بالأمّة.
(5) . فی علوم الرسالة لدلالة الرسل علیه (جامی).
(6) . أی فی رسالته و علومها المختصّة بها (ص).
(7) . البقرة (2):253.
(8) . من حیث إنّهم أنبیاء (جامی).
(9) . و ما یدلّ على ذلک قوله تعالى: وَ لَقَدْ فَضَّلْنٰا (جامی).
جلد: 2، صفحه: 875
أی، ذلک التفاضل هو المشار إلیه.
(فی قوله: وَ لَقَدْ فَضَّلْنٰا بَعْضَ اَلنَّبِیِّینَ عَلىٰ بَعْضٍ‌1).
أی، الرّسل یتفاضلون بتفاضل اممهم کما یتفاضلون فیما یرجع إلى ذواتهم من العلوم و المعارف و الأحکام الإلهیّة، ففی الکلام تقدیم2 و تأخیر، تقدیره: کما هم متفاضلون فیما یرجع إلى ذواتهم.
 

________________________________________

(1) . الإسراء (17):55.
(2) . أی تقدیم الأمم تأخیر الرسل.