شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(فسرّ القدر13 من أجلّ العلوم14، و ما یفهّمه اللّه إلاّ لمن اختصّه بالمعرفة
________________________________________
(13) . أی العلم به (جامی).
(14) . لأنّها من الخصائص الذاتیّة (ص).
جلد: 2، صفحه: 877
التامّة1) ظاهر.
(فالعلم به یعطی الراحة الکلّیة للعالم به، و یعطی العذاب الألیم للعالم به أیضا، فهو یعطی النقیضین2).
أی، العلم بسرّ القدر یعطی لصاحبه الراحة الکلّیة؛ لأنّ العلم بأنّ الحقّ ما حکم علیه فی القضاء السابق إلاّ بمقضى ذاته، و مقتضى الذات لا یمکن أن یتخلّف عنها سبب3 به یحصل الاطمئنان، على أنّ کلّ کمال تقتضیه حقیقته و کلّ رزق صوری و معنوی تطلبه عینه، لابدّ أن یصل إلیه کما قال صلّى اللّه علیه و آله و سلم: «إنّ روح القدس نفث فی روعی أنّ نفسا لن تموت حتّى تستکمل رزقها، ألا فاجملوا فی الطلب»4.
فیستریح عن تعب الطلب، و إن طلب أجمل فی الطلب، و لا یخاف من الفوات، و لا ینتظر لعلمه بأنّ اللّه فی کلّ حین یعطیه من خزائنه ما یناسب وقته، فهو واجد دائما من مقصوده شیئا فشیئا، و ما لا یحصل له لا یراه من الغیر، فتحصل له الراحة العظیمة.
و کذلک یعطی العذاب الألیم؛ لأنّ صاحبه قد یکون مقتضى ذاته امورا لا تلائم نفسه، کالفقر و سوء المزاج و قلّة الاستعداد، و یرى غیره فی الغنى و الصحة و الاستعداد التامّ، و لا یرى سببا للخلاص؛ إذ مقتضى الذات لا یزول فیتألم بالعذاب الألیم.
فالعلم بسرّ القدر یعطی النقیضین الراحة و عدمها و الألم و عدمه، و اطلاق النقیضین هنا مجاز؛ لأنّ الراحة و الألم ضدّان، و هما لیسا نقیضین، و لمّا کان کلّ منهما یستلزم عدم الآخر أطلق اسم النقیضین علیه، کأنّه قال: الراحة و عدمها و الألم و عدمه،
________________________________________
(1) . التی للولایة الختمیّة، و ممّا یدلّ على أنّها من الخصائص الذاتیّة ما یلزمه من جمعیّة الأضداد و تعانق الأطراف (ص).
(2) . کما هو مقتضى الهویّة المطلقة، و هما الراحة الکلّیة و العذاب الألیم (جامی).
(3) . خبر «أنّ».
(4) . بحار الأنوار، ج 77، ص 187، ح 31.
جلد: 2، صفحه: 878
و موضوعهما1 أیضا غیر متّحد.
(و به وصف الحقّ نفسه بالغضب و الرضا2 و3 -، و به4 تقابلت الأسماء الإلهیّة)5.
أی، و بسبب العلم بسرّ القدر وصف الحقّ نفسه بالغضب و الرضا؛ لأنّه یعلم ذاته بذاته، و یعلم ما تعطیه ذاته من النّسب و الکمالات المعبّر عنها بالأسماء و الصفات، و من جملة نسبه الرضا و الغضب، فالعلم بذاته أعطاه الرضا و الغضب.
و لهاتین النسبتین انقسم الأسماء إلى الجمال و الجلال، و من هذا الانقسام حصل الداران الجنّة و النار، فصحّ أیضا أنّ العلم بالذات من حیث الرضا و الغضب هو سبب تقابل الأسماء الإلهیّة، هذا من جهة الذات و أسمائها.
و أمّا من جهة الأعیان: فالعلم بها یعطی الحقّ الرضا و الغضب؛ لأنّ العین المؤمنة المطیعة لأمر اللّه تطلب من اللّه تعالى أن یتجلّى علیها بالرضا و اللّطف، و العین الآبیّة الکافرة تطلب من اللّه أن یتجلّى علیها بالغضب و القهر، فأظهرت الأعیان أحکام نسبتی الرضا و الغضب و وجودهما بالفعل، فتقابلت الأسماء الإلهیّة و انقسمت بالجمال و الجلال؛ لأنّ کلّ ما یتعلّق بالرضا و اللّطف فهو الجمال، و ما یتعلّق بالقهر و الغضب فهو الجلال.
________________________________________
(1) . أی موضوع هذه الراحة و الألم الحاصلتین من العلم و سرّ القدر.
(2) . راجع الفصّ الأیّوبی فی اتّصاف الحقّ بالرضا و الغضب و الفصّ الآدمی أیضا.
(3) . أمّا ترتیب الرضا و الغضب الإلهیّین على حکم القدر، فلأنّ الرضا یتبع الاستعداد الکامل المقتضی لقبول الرحمة و الرأفة، الموافق صاحبه للأعمال الجمیلة و الأخلاق الفاضلة و الکمالات العلمیّة و العملیّة و الأحوال الموجبة لسعادة الدارین، کما قیل: «عنایته الأزلیّة کفایته الأبدیّة».
و أمّا الغضب فهو یترتّب على نقصان الاستعداد و عدم القابلیّة للخیر و الکمال و السعادة و الصلاحیّة لإتیان ما فیه نجاته و أهلیّة العلم و العمل النافع (ق).
(4) . اى بسرّ القدر [یعنى] الأعیان الثابتة (جامی).
(5) . فعلم أنّ جمعیّة الأضداد التی هی من خصائص الهویّة المطلقة، ممّا یلزم سرّ القدر، و کفى به دلالة على جلالة قدره، فله الإحاطة التامّة التی لا یخرج عنها شیء فی الوجود أصلا (ص).
جلد: 2، صفحه: 879
(فحقیقته1 تحکم فی الموجود المطلق2 و الموجود المقیّد3، لا یمکن أن یکون شیء أتمّ منها4 و لا أقوى5 و لا أعظم6، لعموم حکمها المتعدّی7 و غیر المتعدّی8).
أی، فحقیقة العلم بسرّ القدر أو حقیقة سرّ القدر تحکم فی الموجود المطلق، و فی بعض النسخ: (فی الوجود المطلق) أی: فی الحقّ باثبات الرضا و الغضب له و الاتصاف بالأسماء الجمالیّة و الجلالیّة، و تحکم أیضا أن توجد کلّ عین بما یقتضی استعدادها و تقبل ذاتها، و تحکم فی الموجود المقیّد بالسعادة و الشقاوة، و کونه مرضیا عند ربّه أو مغضوبا علیه، و أن یوجد بمقتضى عینه فی الأخلاق و الأفعال و جمیع کمالاته.
________________________________________
(1) . المراد بالحقیقة سرّ القدر و حکمها فی الموجود المطلق، و فی بعض النسخ «فی الوجود المطلق» و هو الحقّ تعالى، اقتضاؤها منه و سؤالها بلسان استعدادها أن یحکم على کلّ عین عین، عند إیجادها بما فی استعدادها و قابلیّتها أن یکون علیه، و أن یحکم على کلّ أحد بما فی وسعه کما قال تعالى: لاٰ یُکَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا البقرة (2):286 و حکمها فی الموجود المقیّد أن تکون الخلائق کلّها على مقتضیات أعیانها، لا یمکن لعین من الأعیان الخلقیّة أن تظهر فی الوجود ذاتا و صفة و نعتا و رسما و خلقا و فعلا إلاّ على حالها الثابتة فی العدم.
و أمّا سرّ هذا السرّ: أنّ هذه الحقائق و الأعیان صور معلومات الحقّ، و معلوماته لیست بزائدة على ذاته، بل هی من تجلّی ذاته فی علمه بذاته بصور صفاته و شؤونه الذاتیّة المقتضیة لنسب الأسماء، فإن اعتبرت من حیث تعینّاتها کانت صفات و شؤونا، و إن اعتبرت الذات المتعیّنة بها کانت اسما؛ لأنّ الذات باعتبار کلّ تعیّن و نسبة اسم و هی من حروف کلمات اللّه التی لا تتغیّر و لا تتبدّل، فإنّها حقائق ذاتیة للحق، و الذاتیّات من صفات الحقّ، لا تقبل الجعل و التغییر و التبدیل و الزیادة و النقصان، و إذا علمت أنها من تجلّیه الذاتی، فلا وجود لها إلاّ فی العلم و حکمها المتعدّی تأثیراتها عند الوجود و الظهور فی الغیر، و نسب بعضها إلى بعض بالفعل و الانفعال و التعلیم و التعلّم و المحبّة و العداوة و غیر ذلک.
و غیر المتعدّی ما اختصّ بها من کمالاتها و خواصّها و أخلاقها و صفاتها المختصّة بها من النسبة و الشکل و العلم و الجهل و کلّ ما لا یتعلّق بالغیر (ق).
(2) . باستبتاع ما هی علیه فی صورته العلمیّة (ص).
(3) . بجریه على مقتضاها فی سائر المراتب، إلهیّة کانت أو کیانیّة (ص).
(4) . حیطة (جامی).
(5) . تأثیرا (جامی).
(6) . قدرا (جامی).
(7) . کالعلم و الإرادة فإنّها حاکمة على الکلّ (ص).
(8) . کما علیه الأعیان فی مراتب ظهورها (ص).
جلد: 2، صفحه: 880
فلا یمکن أن یکون شیء أتمّ من حقیقة سرّ القدر؛ لأنّ حکمها عامّ تحکم فی الحق و أسمائه و صفاته کلّها من حیث إنّها تابعة للأعیان و تحکم فی جمیع الموجودات.
و المراد بالحکم المتعدّی الأحکام و التأثیرات التی تقع من الأعیان فی مظاهرها، و تتعدّى منها الى غیرها بالفعل و الانفعال، و غیر المتعدّی ما یقع فی مظاهرها فقط کالکمالات النفسانیّة من العلم و الحکمة و غیرها.
(و لمّا کانت الأنبیاء (صلوات اللّه علیهم) لا تأخذ علومها إلاّ من الوحی الخاصّ الإلهیّ1، فقلوبهم ساذجة2 من النظر العقلی؛ لعلمهم بقصور العقل من حیث نظره الفکری3 عن إدراک الأمور على ما هی علیه4، و الاخبار5 أیضا6 و7 یقصر عن إدراک ما لا ینال إلاّ بالذوق8 و9 و10، فلم یبق العلم11 الکامل إلاّ فی التجلّی الإلهیّ، و12 ما یکشف الحقّ عن أعین البصائر و الأبصار من الأغطیة13، فتدرک الأمور قدیمها و حدیثها، عدمها و وجودها، و محالها و واجبها و جائزها على ما هی علیه فی حقائقها و أعیانها).
________________________________________
(1) . الذی هو الإخبار عن الحقّ سحبانه بواسطة أو بغیر واسطة (جامی).
(2) . أی من النظر العقلی (جامی).
(3) . دون ذوقه الذاتی (جامی).
(4) . هذا طریق الفکر و الاستدلال (جامی).
(5) . کالإخبار للعنّین بلذّة الجماع.
(6) . من طریق النقل و الاستدلال (ص).
(7) . و إن کان وحیا من قبل اللّه تعالى (جامی).
(8) . لتباین مدرکیهما، إذ مدرک أحدهما السمع و المدرک للآخر الذوق (جامی).
(9) . ضرورة أنّ فسحة أمر النقل و علومه أضیق مجالا من الاستدلال، کما لا یخفى (ص).
(10) . راجع فی علم الأذواق.
(11) . الشامل للمعلومات کلّها (ص).
(12) . و کشف ما یکشفه بکشفه (جامی).
(13) . و هی الحجب الاعتقادیّة التقلیدیّة، و الرسوم المستحسنة العادیة المانعة للبصر و البصیرة عمّا خلقا له من المرتبة الإدراکیّة، ف «من» لا سترة به أنّها بیان ل «ما» هی معطوفة موصلة لیست إلاّ على «التجلّی» (ص).
جلد: 2، صفحه: 881
أی، لمّا کانت علوم الأنبیاء علیهم السّلام مأخوذة من الوحی، کانت قلوبهم ساذجة ممّا یتعلّق بالنظر العقلیّ؛ لأنّه طریق الانتقاش بالتعمّل و الکسب، و الأمر کما هو لا یتجلّى إلاّ فی القلب المجلو1 الفارغ عن النقوش، و الاخبار لا یمکن إلاّ عمّا یمکن التعبیر عنه و تسع العبارة.
أمّا ما لا یمکن کالوجدانیات و المدرکات بالذوق فیقصر الاخبار أیضا عن ایضاحه، فلا یحصل العلم التامّ به کما لا یحصل بطریق النظر العقلیّ، فلم یبق أن یدرک الحقائق على ما هی علیها إلاّ فی التجلّی الإلهیّ، لیشاهد تارة فی العالم المثالی المقیّد، و أخرى فی المطلق، و أعلى منهما فی عالم المجرّدات، و أعلى من ذلک أیضا فی عالم الأعیان.
فیحصل الاطّلاع بحقائق الأمور قدیمها و حدیثها، و عدمها و وجودها، و محالها و واجبها، على ما هی علیه فی حقائقها و أعیانها.
فجواب «لمّا» قوله: (فقلوبهم)، و «ما» فی «و ما یکشف» مصدریّة، أی: فلم یبق العلم الکامل إلاّ فی التجلّی و کشف الحقّ، و «من» فی قوله: (من الأغطیة) للبیان، و المبیّن مقدّر و هو ما طرأ على أعین البصائر و الأبصار فمنعها عن شهود الحقائق و الأسرار.
و یجوز أن یکون «ما» بمعنى الذی، و «من الأغطیة» بیانا له، فمعناه: فلم یبق العلم الکامل إلاّ فی التجلّی، و فیما یکشف الحقّ، أی: یرفعه الحقّ عن أعین البصائر و الأبصار من الأغطیة، و هذا أنسب.
و إنّما قال: (عن أعین البصائر و الأبصار) لأنّ الأغطیة إذا ارتفعت یتّحد النوران، نور البصیرة و نور البصر، فیدرک بکلّ منهما ما یدرک بالآخر، و کذلک یدرک بالسمع ما یدرک بالبصر و بالعکس، هذا أیضا من خصوصیات الکشف التامّ الذی هو فوق طور العقل2.
________________________________________
(1) . و العلم حجاب اللّه الأکبر.
(2) . و راى عقل طورى دارد انسان که مىیابد بدان احوال پنهان