شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و اعلم، أنّ الولایة1 و2 هی الفلک المحیط العام3، و لهذا لم تنقطع4، و لها5الانباء العامّ6 و7، و أمّا نبوّة التشریع و الرسالة فمنقطعة8، و فی محمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلم قد انقطعت، فلا نبیّ بعده مشرّعا9 أو مشرّعا له، و لا رسول، و هو10 المشرّع).
لمّا فسرّ العتب بما یتعلّق بالولایة نقل الکلام إلیها، و إنّما أطلق اسم الفلک علیها؛ لأنّها حقیقة محیطة لکلّ من یتصف بالنبوّة و الرسالة و الولایة، کاحاطة الأفلاک لما تحتها من الأجسام، و لکون الولایة عامّة شاملة على الأنبیاء و الأولیاء لم تنقطع، أی: ما دامت الدنیا باقیة، و عند انقطاعها ینتقل الأمر إلى الآخرة کما مرّ فی الفصّ الأوّل و الثانی.
و للولایة الانباء العامّ لأنّ الولیّ هو الذی فنى فی الحقّ، و عند هذا الفناء یطّلع على الحقائق و المعارف الإلهیّة فینبئ عنها عند بقائه ثانیا.
و کذلک النبیّ؛ لأنّه من حیث ولایته یطّلع على المعارف و الحقائق فینبئ عنها، لکنّ الولیّ لا یسمّی نبیّا و لا یسمّى الانباء العامّ بالنبوّة.
و أمّا نبوّة التشریع و الرسالة فمنقطة، و فی نبیّنا صلّى اللّه علیه و آله و سلم قد انقطعت، لذلک قال: «لا نبیّ
________________________________________
(1) . الولایة هو الفناء فی اللّه، و اللّه هو المحیط بالکلّ و کلّ شیء هالک إلاّ وجهه یقتضی إحاطته بالکلّ و عدم انقطاع الولایة؛ لانّ الکلّ به موجود بنفسه فان هالک، و النبیّ هو المبعوث إلى الخلق لیکون هادیا لهم إلى کمالهم المقدّر لهم فی الحضرة العلمیّة باقتضاء استعدادات أعیانهم الثابتة إیّاه، و هو قد یکون مشرّعا کالمرسلین، و قد لا یکون کأنبیاء بنی إسرائیل» کذا قال الشارح فی المقدّمات فی الفصل الثانی عشر.
(2) . الولایة لما لها من غلبة حکم البطون و الأصالة الذاتیّة هی الفلک المحیط بسائر ما فی الظاهر من الصور (ص).
(3) . العامّ نسبتها إلى الکلّ، عموم نسبة المحیط إلى محاطه؛ و لهذا لم تنقطع (ص).
(4) . ضرورة أنّ دوران الأفلاک و سائر الحرکات الدوریّة لا ینقطع انقطاع الحرکة المستقیمة التی للمحاط (ص).
(5) . أی للولایة (جامی).
(6) . إلى المکلّفین أرباب الأحکام و إلى المحقّقین من ذوی الإیقان؛ ضرورة أنّ نسبة إحاطته على الکلّ سواء (ص).
(7) . الذی یتحقّق مع النّبوة و بدونها؛ لأنّ الولیّ هو الذی فنى فی الحقّ سبحانه، و عند هذا الفناء یطّلع على المعارف و الحقائق فینبئ عنها عند بقائه باللّه (جامی).
(8) . فإنّ أفلاکها لیست لها الإحاطة التامّة (ص).
(9) . أی الآتی بشریعة من غیر تبعیّته لنبیّ آخر (جامی).
(10) . أی الرسول (جامی).
جلد: 2، صفحه: 891
بعدی1» یعنی: نبیا مشرّعا على صیغة اسم الفاعل، کموسى و عیسى و محمدّ علیهم السّلام أو نبیّا مشرّعا له، أی: نبیّا داخلا فی شریعة مشرّع کأنبیاء بنی اسرائیل إذ کانوا کلّهم على شریعة موسى علیه السّلام.
(و هذا الحدیث2 و3 قصم ظهور4 أولیاء اللّه5 و6؛ لأنّه7 یتضمّن انقطاع ذوق العبودیّة الکاملة التامّة8، فلا ینطلق علیه اسمها الخاص9 بها10 و11، فإنّ العبد یرید أن لا یشارک سیّده، و هو «اللّه»12 فی اسم13، و اللّه لم یتسمّ14 بنبیّ و لا رسول و تسمّى بالولیّ، و اتصف بهذا الاسم15 فقال: اَللّٰهُ وَلِیُّ اَلَّذِینَ آمَنُوا16، و قال: هُوَ
________________________________________
(1) . بحار الأنوار، ج 2، ص 226 و ج 21، ص 10.
(2) . إنّ الولایة التی هی حکم البطون و الاطلاق لا اختصاص لها بالعبد، بل هی ذاتیّة للحقّ موهوبة للعبد، و أما النبوّة لما کانت أحکام الصور و القید هی ذاتیّة للعبد، و هی درجة کماله و ذروة عروجه إلى أوج ما أمکن من مراقی جلاله، و لهذا قال: و هذا الحدیث قصم... (ص).
(3) . المنبئ عن انقطاع النبوّة بعد نبیّنا صلّى اللّه علیه و آله و سلم (جامی).
(4) . جمع ظهر.
(5) . الظاهرین فی هذه الأمّة (جامی).
(6) . یشیر - رض - إلى أنّ الرجال الکمّل من أهل اللّه لا یفتخرون بما هو عرضیّ لهم من الربوبیّة و أسماء الربّ، و لا یظهرون بها و انما یظهرون بالذاتیّات و هی العبودیّة، و یقتضی کمال التحقّق بالعبودیّة أن لا یشارکوا الحقّ فی اسم کالولیّ و أن یظهروا أو یتسمّوا باسم یخصّهم من حیث العبودیّة المحضة، و لیس ذلک إلاّ النّبیّ و الرسول و لم یتسمّ اللّه بهما، فلمّا انقطعت النّبوة و الرسالة لم یبق لهم منهما اسم یتسمّون به فانقصم ظهور استظهارهم لأجل ذلک. و هذا سرّ عزیز المنال، لم یعثر علیها قبله و من قبله قالوا لغیره (جندى).
(7) . أی هذا الحدیث (جامی).
(8) . التی لا یشوبها ربوبیّة فإنّه لا یکون هذا الذوق إلاّ فی مقام النّبوة فبانقطاعها ینقطع (جامی).
(9) . أی النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلم.
(10) . أی العبودیّة.
(11) . غیر المنطلق على اللّه سبحانه (جامی).
(12) . فی هذا المقام (جامی).
(13) . فیکون عبدا محضا (جامی).
(14) . فی مرتبة الجمع (جامی).
(15) . فیشارک العبد فیه فلا یکون من الأسماء الخاصّة بالعبد (جامی).
(16) . البقرة (2):257.
جلد: 2، صفحه: 892
اَلْوَلِیُّ اَلْحَمِیدُ1 و2، و هذا الاسم باق جار على عباد اللّه دنیا و آخرة3، فلم یبق4 اسم مختصّ به العبد5 دون الحقّ بانقطاع النبوّة و الرسالة6).
أی، قوله علیه السّلام: «لا نبیّ بعدی»: قصم ظهور أولیاء اللّه؛ لأنّ الکاملین المحقّقین بالفقر التامّ و العبادة الکاملة التامّة، لا یختارون المشارکة فی اسم من أسماء اللّه، لعلمهم بأنّ الاتصاف بالأسماء الإلهیّة لیس مقتضى ذواتهم، لکونه بالنسبة إلیهم عرضیا یحصل لهم عند فنائهم فی الحقّ، بل یریدون أن یظهروا بمقتضى ذواتهم و هو العبادة، کما قال الشیخ (رض):
لا تدعنی إلاّ بیا عبدها فإنّه أشرف أسمائی و النبیّ و الرسول مختصان بالعباد؛ لأنّ اللّه تعالى لم یتسمّ بهما، و لا یجوز اطلاق هذین الأسمین علیه بخلاف اسم «الولیّ» فإنّه اسم من أسماء اللّه، کما قال:
اَللّٰهُ وَلِیُّ اَلَّذِینَ آمَنُوا7 و قال: هُوَ اَلْوَلِیُّ اَلْحَمِیدُ8.
و هذا الاسم - أی: الولیّ - باق و جار، أی: مطلق، على عباد اللّه تعالى دنیا و آخرة، و فی قوله: (و هذا الحدیث قصم ظهور أولیاء اللّه) و تعلیله بانقطاع ذوق العبودیّة الکاملة9 سرّ یطّلع علیه من أمعن بالنظر فیه، و تذکّر قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلم: «أنا و الساعة کهاتین»10و تحقّق بأسرار القیامة11 و ظهور الحقّ بفناء الخلق و عبودیّتهم.
________________________________________
(1) . فهو اللّه سبحانه بالأصالة و کسائر الأسماء و لعبیده تحقّقا أو تخلّقا أو تعلّقا (جامی).
(2) . الشورى (42):28.
(3) . فهو مشترک بین الحقّ سبحانه و بین عبیده (جامی).
(4) . أی للعبد (جامی).
(5) . بحسب مرتبته الکمالیة بحیث یطلق علیه (جامی).
(6) . فإنّهما إذا انقطعا لم یتسمّ العبد بالنبیّ و الرسول، فلا یکون له اسم خاصّ به (جامی).
(7) . البقرة (2):257.
(8) . الشورى (42):28.
(9) . فإنّ انقطاع العبودیّة من لوازم النشأة الآخرة و النشأة الأولى و الدنیا مقام العبودیّة.
(10) . بحار الأنوار، ج 2، ص 263.
(11) . انظر آغاز و انجام، ص 115 بتعلیقاتنا.
جلد: 2، صفحه: 893
(إلاّ أنّ اللّه لطیف1 بعباده فأبقى لهم النبوّة العامّة2 التی لا تشریع فیها، و أبقى لهم3 التشریع4 فی الاجتهاد فی ثبوت الأحکام، و أبقى لهم الوراثة فی التشریع، فقال5: «العلماء ورثة الأنبیاء6» و ما ثمّة میراث فی ذلک7 إلاّ فیما اجتهدوا فیه من الأحکام فشرّعوه).
تقدیر الکلام: و أمّا نبوّة التشریع و الرسالة فمنقطعة إلاّ النبوّة العامّة التی هی الانباء عن المعارف و الحقائق الإلهیّة من غیر تشریع؛ فإنّها غیر منقطعة أبقاها اللّه لعباده لطفا علیهم و عنایة و رحمة فی حقّهم، و أبقى لهم من التشریع أیضا نصیبا، لکن بحسب اجتهادهم لا أخذا امن اللّه بلا واسطة أو بواسطة الملک، فإنّه مخصوص بالأنبیاء، لأنّ المسائل اجتهادیّة، و الأحکام الظنّیة نوع من التشریع، حاصل من المجتهدین فیه.
و جعلهم من الورثة للأنبیاء کما قال علیه السّلام: «العلماء ورثة الأنبیاء»، و لیس لهم میراث من أموال الدنیا کما قال: «نحن معاشر الأنبیاء لا نرث و لا نورث»8 فمیراثهم الأموال الآخراویّة.
فالأولیاء العارفون وارثون للأنبیاء فی المعارف و الحقائق، و العلماء المجتهدون وارثون للأنبیاء فی التشریع بالاجتهاد، فالأولیاء ورثة بواطنهم، و العلماء ورثة ظواهرهم، و الأولیاء العلماء ورثة مقام جمعهم.
و لا تجتمع هذه النبوّة العامّة و التشریع الموروث فی شخص واحد، لذلک ما اجتهد
________________________________________
(1) . خ ل: «لطف» فی نسخة معتبرة.
(2) . التی هی الإنباء عن المعارف الإلهیّة (جامی).
(3) . أی لعباده (جامی).
(4) . الواقع (جامی).
(5) . على لسان نبیّه (جامی).
(6) . الکافى، ج 1، ص 32؛ بصائر الدرجات، ص 10؛ سنن ابن ماجه، ج 1، ص 81.
(7) . التشریع (جامی).
(8) . بحار الأنوار، ج 28، ص 353، ح 60.
جلد: 2، صفحه: 894
ولیّ1 من الأولیاء فى حکم من احکام الشرع حتّى خاتم الأولیاء2 أیضا یتبع الشریعة فی الظاهر.
و جعله3 للمذاهب مذهبا واحدا لیس تشریعا منه، لأنّه یحکم على ما یشاهد فی نفس الأمر، متابعا لما حکم به خاتم الأنبیاء، و الائمة4 الأربعة أولیاء بالولایة العامّة الشاملة حتى5 للمؤمنین6 لا7 الخاصّة8، فلا یرد.
________________________________________
(1) . أی الولیّ الخاصّ.
(2) . و هو عیسى علیه السّلام.
(3) . دفع دخل.
(4) . دفع دخل.
(5) . أی المؤمنون أیضا أولیاء بالولایة العامّة.
(6) . لقوله تعالى: وَ اَلْمُؤْمِنُونَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیٰاءُ بَعْضٍ التوبة (9):71.
(7) . و لذا لهم الاجتهاد.
(8) . کخاتم الأولیاء.