شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(فقوله1 للعزیر: «لئن لم تنته» عن السؤال عن ماهیّة القدر «لا محون اسمک من دیوان النبوّة2» فیأتیک الأمر على الکشف بالتجلّی، و یزول3 عنک اسم النبیّ و الرسول و تبقى له ولایته4).
«فقوله» مبتدأ و خبره أحد الأمرین المذکورین من الوعید و الوعد، أی: هذا القول وعید عند قوم و وعد عند آخرین، حذفه لدلالة الکلام الآتی علیه.
و قوله: (و تبقى له ولایته) أی: تبقى للّه ولایته؛ لأنّ «الولیّ» اسم للّه بالأصالة و اسم للعبد بالتبعیّة، و یجوز أن یکون ضمیر «له» عائدا إلى النبیّ الذی هو العزیز، أی:
و یزول عنک اسم النبیّ و تبقى لعزیر ولایته، إذ لا یلزم من انتفاء النبوّة و الرسالة انتفاء الولایة.
و إنّما أتى بضمیر الغائب بعد الخطاب؛ لأنّه کان على سبیل الحکایة عن اللّه، و بعد تمامها قال: (و تبقى لعزیر ولایته) الباقی ظاهر ممّا مرّ.
(إلاّ أنّه لمّا دلّت قرینة الحال5 أنّ هذا الخطاب6 جرى مجرى الوعید، علم من
________________________________________
(1) . و إذا عرفت أنّ النبوّة منقطعة دون الولایة فقوله تعالى خطابا للعزیر (جامی).
(2) . أی معناه باعتبار الجزء الذی «لأمحون» فیأتیک (جامی).
(3) . أی بذلک التجلّی (جامی).
(4) . یمکن أن یرجع ضمیر «له» إلى العزیر، و تکون هذه الجملة خبر المبتدأ أو قرینة لحذفه، و الأوّل أولى؛ فإنّ الأکابر لا یلتفتون إلى معهودات المصطلحات کثیر التفات، فأتى ب «الواو» تکثیرا للفائدة و تنبیها للمعنى الأوّل.
و حاصل ذلک أنّ قوله للعزیر: «لأمحون اسمک من دیوان النبوّة» تبقى له ولایته و یبشّره على الکشف بالتجلّی، فیکون من قبیل الوعد (ص).
(5) . أی حال عزیر علیه السّلام و هی مروره على القریة الخاویة و سؤاله الظاهر فی الاستغراب و الاستعجاب عن کیفیّة إحیائها (جامی).
(6) . یعنی الخطاب بمحو اسمه من دیوان النبوّة إن لم تنته من السؤال (جامی).
جلد: 2، صفحه: 899
اقترنت عنده هذه الحالة1 مع الخطاب أنّه وعید بانقطاع خصوص بعض مراتب الولایة فی هذه الدار، إذ النبوّة و الرسالة خصوص رتبة2 و3 فی الولایة4 على بعض ما تحوى5 علیه الولایة6 من المراتب).
قوله: (إلاّ) بمعنى غیر، و ضمیر «أنّه» للشأن، و جواب «لمّا» «علم»، أی: غیر أنّه لمّا دلّت قرینة الحال، و هی حال السؤال7، أنّ هذا الخطاب جرى مجرى الوعید؛ لأنّ الخطاب وقع فی صورة العتاب، علم من جعل حالة السؤال مقترنة مع الخطاب أنّ هذا الکلام وعید، و ذلک لأنّ الولایة أعمّ من النبوّة، و هی أعمّ من الرسالة، فالنبوّة هی الولایة مع خصوصیة اخرى، و الرسالة هی النبوّة مع خصوصیة اخرى زائدة علیها.
و هاتان الخصوصیتان متعلّقتان بدار الدنیا، و لا یعطیهما إلاّ الاسم «الظاهر» کما لا یعطی الولایة إلاّ الاسم «الباطن»، فإذا انقطعتا تزول فضیلتهما و شرفهما اللذان اعطاهما الاسم «الظاهر»، و یبقى مجرّد الولایة، فیکون هذا الکلام وعیدا من هذه الحیثیّة.
و قوله: (على بعض ما تحوى) متعلّق بمحذوف8 هو صفة رتبة، أی: إذ النبوّة و الرسالة خصوص رتبة مندرجة فی الولایة، مشتملة على بعض ما تحتوی علیها الولایة من المراتب، و فیه ایماء إلى أنّ رتبة النبوّة و الرسالة من جملة خصوصیات رتب الولایة
________________________________________
(1) . أی حالة المرور و السؤال الظاهر فی الاستغراب (جامی).
(2) . فإنّهما الصورة الظاهرة المنطویة علیها فلا بدّ من احتوائهما (ص).
(3) . أی رتبة محتویة على بعض (جامی).
(4) . الولایة أعمّ من النبوّة و الرسالة؛ لأنّ کلّ رسول نبیّ و کلّ نبیّ ولیّ، و لیس کلّ ولیّ رسولا و نبیّا. فإذن النبوّة و الرسالة رتبتان خاصّتان فی الولایة... و إذا انقطعت النبوّة انقطعت الرسالة؛ لأنّ نسبة الرسالة إلى النبوّة نسبة النبوّة إلى الولایة و ارتفاع العامّ یستلزم ارتفاع الخاصّ (ق).
(5) . متعلّق بمحذوف صفة لرتبة، أی محتویة على بعض ما یحتوی على الولایة من المراتب (ق).
(6) . و الاّ لم تکن صورة لها، فانّک قد عرفت أنّ الرسالة و النبوّة من صور تنزّلات الولایة و مظاهر أحکامها، فالرسول النبیّ هو الولایة الظاهرة أحکامها فی العین النافذة أمرها على الخلق (ص).
(7) . أنّى یحیى هذه اللّه، الآیة.
(8) . و هو مشتملة.
جلد: 2، صفحه: 900
باطنا، و إن کان ظهورهما متوقّفا على الاسم «الظاهر» کما مرّ.
و تظهر حقّیة1 هذا المعنى عند من یعلم أنّ کلّ ما فی الخاصّ بالفعل من الخصوصیة فهو فی العامّ بالقوّة، فالعامّ مشتمل علیه باطنا و إن لم تکن الخصوصیّة فیه ظاهرا.
(فیعلم2 أنّه3 أعلى4 من الولیّ الذی لا نبوّة تشریع عنده و لا رسالة).
أی، إذا کانت النبوّة و الرسالة خصوصیتین زائدتین على الولایة، فیعلم أنّ النبیّ أعلى من الولیّ الذی لیس عنده نبوّة تشریع و لا عنده رسالة، و کذلک الرسول أعلى من النبیّ لما فیه خصوصیة أخرى زائدة على النبوّة التشریعیّة.
(و من اقترنت عنده حالة اخرى5 تقتضیها أیضا مرتبة النبوّة، یثبت عنده أنّ هذا وعد6 لا وعید، و أنّ سؤاله علیه السّلام مقبول7، إذ النبیّ هو الولیّ الخاصّ8 و9).
الحالة التی تقتضیها مرتبة النبوّة هی أنّ النبیّ لکونه ولیّا و اصلا عارفا بالحقائق الإلهیّة، مشاهدا لظهور الحقّ فی جمیع مراتبه، لا یمکن أن یسأل عنه ما لم یمکن10 حصوله، فإذا سأل لا بدّ أن تجاب دعوته و یقبل سؤاله.
و اعلم، أن قبول السؤال لیس معناه أنّ اللّه تعالى أعطى ما سأل من الاطّلاع على سرّ القدر؛ لأنّه قال أوّلا: (فسأل عن القدر الذی لا یدرک إلاّ بالکشف للأشیاء حال ثبوتها فی عدمها، فما أعطی ذلک) بل معناه، أنّه أراه کیفیّة الاحیاء عیانا، و الوعد محمول على الآخرة، لیکشف فیها عن سرّ القدر باشهاد الأعیان أنفسها فی حال عدمها.
________________________________________
(1) . خ ل: حقیقة.
(2) . من الوعید بانقطاع النبوّة (جامی).
(3) . أی النبیّ (جامی).
(4) . أی أعلى رتبة (جامی).
(5) . غیر هذه الحالة (ص).
(6) . بحال الشرف (جامی).
(7) . مجاب (جامی).
(8) . المکاشف بما فی استعداده، فلا یسأل ما لیس فی استعداده (جامی).
(9) . الذی لا یقدم على ما لا یرضى اللّه تعالى به، و لا یسأل ما لا یعلم أنّه یعطیه و یمنحه (جامی).
(10) . خ ل: لا یمکن.
جلد: 2، صفحه: 901
(و یعرف بقرینة الحال أنّ النبی من حیث ما له فی الولایة هذا الاختصاص، محال أن یقدم على ما یعلم أنّ اللّه یکرهه منه1، أو یقدم على ما یعلم أنّ حصوله محال2).
أی، یعرف الذی اقترنت عنده حالة اخرى أنّ النبیّ من حیث إنّه ولیّ عارف بحقّه3و أسمائه و صفاته، محال أن یقدم على طلب ما یکرهه الحقّ، أو یقدم على طلب ما یعلم أنّ حصوله محال.
___________________________________
(1) . أی الاستغراب و الاستعجاب (جامی).
(2) . و هو الاطّلاع على کیفیّة تعلّق القدرة بالمقدور ذوقا (جامی).
(3) . خ ل: بربّه.