شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و أمّا أرواح السماوات السبع و أعیانها فهی عنصریّة، فإنّها من دخان العناصر المتولّد عنها).
________________________________________
جلد: 2، صفحه: 951
و إلیه ذهب الحکماء الاسلامیون، و المحقّقون أصحاب الذوق و الشهود، و کثیر من الحکماء الاشراقیین، و أرواح السماوات نفوسها المنطبعة المدبّرة لها، لا عقولها و نفوسها المجرّدة، فإنّها من صور الطبیعة النوریّة، لا العنصریّة.
(و ما تکوّن عن کلّ سماء من الملائکة1 فهو منها).
«تکوّن» من التکوّن، أو بالیاء من الکون، أی: و ما تکوّن عن جنس کلّ سماء و مادّتها من الملائکة فهو من العناصر.
و لا ینبغی أن یتوهّم أن المراد بالملائکة هنا نفوسها المنطبعة فقط، فإنّ لکلّ سماء نفسا منطبعة و ملائکة خلقها اللّه من مادّة کلّ منها بحیث کادت لا تتناهى.
قال (رضى اللّه عنه) فی الباب الثالث عشر من (فتوحاته): «ثمّ خلق جوف الکرسی أفلاکا، فلکا، من جوف فلک، و خلق فی کلّ فلک عالما منه یعمّرونه، سمّاهم ملائکة» یعنى رسلا.
(فهم عنصریّون، و من فوقهم2 طبیعیّون).
أی الملائکة السماویة عنصریّون، و من فوقهم من ملائکة العرش و الکرسی و نفوسهما الناطقة و المنطبعة و العقول المجرّدة کلّها طبیعیّون.
قال (رضى اللّه عنه) فی الباب الثالث عشر من (فتوحاته): «إنّ أوّل جسم خلقه اللّه أجسام أرواح الملائکة المهیّمة فى جلال اللّه، و منهم3 العقل الأوّل، و النفس الکلّیة و إلیها انتهت الأجسام النوریّة المخلوقة من نور الجلال، و ما ثمّ ملک من هؤلاء الملائکة4من وجد بواسطة غیره5 إلاّ النفس التی دون العقل، و کلّ ملک خلق بعد هؤلاء
________________________________________
(1) . أی نفوسها المنطبعة (ق).
(2) . من العقول المجرّدة بلسان الشریعة بالملإ الأعلى طبیعیّون (ص).
(3) . أی من الملائکة المهیّمة.
(4) . أی العقول، و لمّا کان عند المحقّقین - و الشیخ - رض - منهم - أنّ عالم العقل عالم واحد و إن کان ذا مراتب بالشدّة و الضعف و الظهور و الخفاء، یصحّ أن یقال: إنّ صدوره من الحقّ بلا توسّط أی هذا العالم بمراتبه و جملته وجد بلا توسّط الغیر، و أمّا إذا لو حظت مراتبه فبعض مراتبه وجد بتوسّط بعض آخر.
(5) . هذه العبارة تدلّ على أنّه مجوّز صدور الکثیر من الواحد بخلاف الحکماء.
جلد: 2، صفحه: 952
فداخلون تحت حکم الطبیعة، فهم من جنس أفلاکها التی خلقوا منها، و هم عمّارها»1.
و المراد هنا بالطبیعة: الطبیعة العنصریّة، لذلک قال: «فهم من جنس أفلاکها»، و بالجسم النوری: الجسم الطبیعی الغیر العنصری.
(و لهذا وصفهم اللّه بالاختصام2، اعنی3: الملأ الأعلى، لأنّ الطبیعة متقابلة).
أی، و لأجل أنّ الملائکة التی فوق السماوات - و هم الملأ الأعلى - طبیعیّة وصفهم اللّه بالاختصام؛ لأنّ الطبیعة متقابلة و ذلک لأنّها محلّ ولایة الأسماء و مظهر أحکامها، و الأسماء الإلهیّة متقابلة، فإنّ «الرحیم» یقابل «المنتقم» و «القهّار»، و «المعزّ» یقابل «المذلّ»، و کذلک جمیع الأسماء.
و لمّا کانت الصفات المتقابلة التى فی المرتبة الإلهیّة لا یظهر تقابلها إلاّ فی مظاهر الموجودة فی الخارج، و مادّة الوجود الخارجیّ التی منها تتعیّن الموجودات هو النفس الرحمانی، قال:
(و التقابل الذی فی الأسماء الإلهیّة4 - التی هی النّسب - أنّما أعطاه النفس5).
أى، أظهره النفس بقابلیته؛ لأنّ التقابل غیر حاصل فی الأسماء، ثمّ یحصل منه، فإنّ التعیّنات الأسمائیة فی الحضرة الإلهیّة و العلمیّة تقتضی ذلک التقابل، و لو لم یکن تقابلها فی الباطن لم یکن أیضا فی الظاهر؛ إذ الظاهر صورة الباطن، و الوجود الخارجی مخرج ما فی الباطن إلى الظاهر.
و کون أعیان السواد و البیاض و الحرارة و البرودة فی الذهن مجتمعة لا یمنع تقابلها،
________________________________________
(1) . قال أیضا فی الباب المذکور: فکلّ فلک أصل لما خلق فیه من عمّاره کالعناصر لما خلقت فیها من عمّارها.
(2) . و الاختصام بین الملإ الأعلى أنّما هو لاختلاف نشأتهم؛ لأنّ الغالب على بعضهم صفة القهر و على البعض قوّة المحبّة، فتختلف مقتضیات نشأتهم فیختصمون (ق).
(3) . یعنی بالضمیر المنصوب فی وصفهم اللّه (جامی).
(4) . التی هی النسب اللاحقة للذات الإلهیّة باعتبار توجّهها إلى عالم الظهور (جامی).
(5) . فعلم من هذا أنّ التقابل و ما یستتبعه من الاختصام أنّما هو أوّلا و بالذات من النفس و ثانیا و بالعرض من الأسماء، فلا یعلّل اختصام الملإ الأعلى بتقابل الأسماء؛ فإنّ النفس هو مبدأ التقابل و أصله (ص).
جلد: 2، صفحه: 953
کما لا یمنع التقابل الذی بین النقیضین المجتمعین فی العقل دون الخارج.
فلا یقال: الأسماء لا تتقابل إلاّ فی صورها التی تتحقّق بها حقائق تلک النسب، و لو لا وجوداتها بظهوراتها فی الصور لم تتقابل.
(ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحکم)1.
أی، عن حکم التقابل، و هی الذات من حیث المرتبة الأحدیّة.
(کیف جاء فیها الغنى عن العالمین)2.
و قد مرّ فى أوّل الکتاب: أنّ الذات الإلهیّة من حیث أحدیّتها موصوفة بالغنى عن العالمین، و من حیث إلهیّتها و أسمائها موصوفة بالافتقار، حیث قال: (فالکلّ مفتقر، ما الکلّ مستغن)، و هذا أیضا دلیل على أنّ التقابل فی الحضرة الأسمائیّة حاصل.
(فلهذا3 و4 خرج العالم على صورة من أوجدهم5 و6 و7، و لیس8 إلاّ النفس الإلهیّ)9 و10.
أی، فلهذا خرج العالم یتقابل بعضه بعضا کما تتقابل الأسماء بعضها بعضا، فهو موجود على صورة من أوجدهم، و لیس ذلک الموجد إلاّ النفس.
و ضمیر المفعول فی «أوجدهم» عائد إلى «العالم»، جمعه باعتبار الأعیان.
________________________________________
(1) . أی حکم النفس.
(2) . و هو ممّا یسقط نسبة العالم عنها مطلقا (ص).
(3) . أی لغناء الذات عن العالمین (جامی).
(4) . أی لأنّ الذات لها الغنى (ص).
(5) . من الإله، أی الحضرة الواحدیّة الأسمائیّة (ق).
(6) . فإنّها مستغنیة عن نسبة الإیجاد (ص).
(7) . أورد ضمیر ذوی العلم تغلیبا، أو بناء على أنّ الکلّ ذوی العلم فی نظر أهل الکشف (جامی).
(8) . أی لیس من أوجد أعیان العالم إلاّ النفس الإلهی (ق). أقول: یمکن أن یرجع الضمیر المستتر فی «لیس» إلى العالم.
(9) . أی الموجد (ص). و (جامی).
(10) . فعلم من هذا الفرق بین نفس الحقّ المتّصفة بالنفس و بین ذاته (ص).
جلد: 2، صفحه: 954
و اعلم، أنّ ظاهر هذا الکلام أنّ النفس الرحمانی عین المرتبة الإلهیّة، و فی الحقیقة هو التجلّی الوجودی الظاهر عن المرتبة الإلهیّة و صورتها الحاملة احکام الأسماء، و لهذا نسب إلى «الرحمن» الذی هو الاسم الجامع.
و لمّا کان حاملا لما فی المرتبة الإلهیّة من الأسماء و أحکامها و صورة کلّیة لها، جعل النفس عین من أوجدهم، کما یقال لنبیّنا صلّى اللّه علیه و آله و سلم: «الاسم الأعظم» و هو صاحبه؛ لکونه مظهر الاسم «اللّه».