شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(فبما فیه من الحرارة علا1، و بما فیه من الرطوبة و البرودة2 سفل، و بما فیه من الیبوسة ثبت و لم یتزلزل، فالرسوب3 للبرودة و الرطوبة4، ألا ترى الطبیب إذا أراد سقی دواء لأحد ینظر فی قارورة مائه، فإذا رآه5 رسب علم أنّ النضج6 و7 و8 قد کمل، فیسقیه الدواء لیسرع فی النجح، و إنّما یرسب لرطوبته و برودته الطبیعیّة).
ضمیر «فیه» عائد إلى النفس، أی: فیما هذه الکیفیّات المتقابلة المتضادّة علا بعض الأعیان، لاقتضاء الاسم الحاکم علیه العلو کالنار و الهواء و الملائکة التی فیها، و سفل بعضها لکون ربّه طالبا للمرکز فی الوجود کالتراب.
و إنّما یحصل الرسوب فی الماء المستشهد9 لأنّه مشتمل على الأرکان الأربعة،
________________________________________
(1) . فی الصورة الأسمائیّة الربانیّة (ق).
(2) . فی الصورة الکیانیّة من إحراز العالم (ق).
(3) . فی العالم الکبیر (جامی).
(4) . کذلک فیما یماثله من العالم الصغیر و هو الإنسان، ألا ترى... إلى آخره (جامی).
(5) . تذکیر الضمیر و الفعل لاستواء التذکیر و التأنیث فی القارورة.
(6) . أی استعداد النضج و أخلاط المزاج للصلاح یتصرّف الطبیب فیها (جامی).
(7) . و هی استعداد أخلاط المزاج و تهیّؤ موادّه للصلاح بما یقبل تصرّف الطبیب فیه (ص).
(8) . النضج عند الأطبّاء هو تهیّؤ المادّة للاندفاع، و لا یسهل الاندفاع إلاّ بالسیلان، الذی هو بالرطوبة و التسفّل و النزول الذی هو بالبرودة... و المقصود أنّ النفس الذی هو الوجود الواحد یقتضی التقابل بما یستلزمه من الجهتین المختلفتین فی الأمر الواحد، و هو الطبیعة المقتضیة للأمور المتضادّة (ق).
(9) . أی ماء القارورة.
جلد: 2، صفحه: 955
فالأجزاء الصغار الأرضیّة إذا رسبت علم الطبیب أنّ الأخلاط البدنیّة استعدّت أن ینفصل بعضها عن بعض، و صارت قابلة للاندفاع1 و هو المراد بالنضج، فبالرطوبة یحصل السیلان و بالبرودة النزول، إذ البرودة تکثّفها فتدفع الطبیعة حینئذ ما زاد على الحاجة، و تمسک ما یحتاج إلیها.
و اعلم، أنّ کلّ من علم هذه المباحث النفیسة النفسیه ظهر له کونه الخلاء محالا کما هو مقرّر عند الحکماء أیضا2، إذ لو خلا النفس الرحمانی عن الصورة لاندکت الجبال و انشقت السماء، لتخلّی الحقّ بارتفاع تلک الصورة الحجابیّة، و ظهر له3 وجود الهیولى الکلّی، و عروض الصور الروحانیّة و الجسمانیّة علیه.
و کون الصور السماویّة قابلة للتبدیل و التغیّر بتجلّیه و اظهاره لها صورة أخرى، و کون الأبعاد غیر متناهیة، إذ النفس الإلهیّ غیر متناه کما قال أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّکَ کَیْفَ مَدَّ اَلظِّلَّ وَ لَوْ شٰاءَ لَجَعَلَهُ سٰاکِناً4 أی: منقطعا لکنّه ما شاء انقطاعه فما انقطع.
و إنّ فوق الأطلس المسمّى بالعرش الکریم أجسام نوریّة کالعرش المجید و کرسیّه و العرش العظیم، کما صرّح فی (الفتوحات5 به، و منتهاها من هذا الطرف فلک الثوابت و من الطرف الآخر هو الوجود البحت الحقّ و النور المطلق، فسبحان ربّک ربّ العزة عمّا یصفون، و تعالى اللّه عمّا یقول الظالمون المحجوبون علوا کبیرا.
________________________________________
(1) . أی لاندفاع المرض عن هذا الشخص.
(2) . محالیّة الخلاء.
(3) . أی و ظهر له أیضا.
(4) . الفرقان (25):45.
(5) . قال الشیخ فی الفتوحات - فی الباب الثامن و التسعین و المأة، فی الفصل السابع عشر منه -: «العرش، أعظم الأجسام من حیث الإحاطة، فهو العرش العظیم جرما و قدرا، و بحرکته أعطى ما فی قوّته لمن هو تحت إحاطته و قبضته، فهو العرش الکریم لذلک و نزاهته أن یحیط به غیره من الأجسام کان له الشرف فهو العرش المجید.» (الفتوحات المکّیّة ج 2، ص 436).
جلد: 2، صفحه: 956
(ثمّ إنّ هذا الشخص الانسانی1 عجن طینته بیدیه2، و هما متقابلتان3 و4، و إن کانت کلتا یدیه یمینا5، فلا خفاء بما بینهما من الفرقان6، و لو لم یکن7 إلاّ کونهما8 اثنین، أعنی: یدین)9.
لمّا ذکر الطبیعة و الأسماء الإلهیّة متقابلة، و کان عجن طینة آدم بیدیه و هما متقابلتان، نقل الکلام إلیه.
و إنّما کانت یداه متقابلتان لأنهما عبارة عن الصفات الجمالیّة و الجلالیّة، کالرضا و الغضب، و اللّطف و القهر.
و کونهما یمینا، أی: مبارکا رحمانیا موصلا إلى الکمال، و متساویا فی القدرة و القوّة و التأثیر، و الفرقان بینهما باقتضاء کلّ منهما صفة تقابل مقتضى الآخر، و أقل مراتب الفرقان بینهما کون تعیّن أحدهما مغایرا لتعیّن الآخر، و لذلک صارا اثنین، أی:
یدین، ثمّ قال:
(لأنّه لا یؤثّر فی الطبیعة10 إلاّ ما یناسبها11، و هی متقابلة، فجاء بالیدین).
________________________________________
(1) . أیّ شخص کان (جامی).
(2) . الجمالیّة و الجلالیّة أو الفاعلیّة و القابلیّة (جامی).
(3) . ممّا یظهر منه الآثار المتقابلة، کالخیر و الشرّ و اللطف و القهر و الرحمة و الغضب (ص).
(4) . یشیر فی کلّ ذلک إلى أنّ التقابل فی الأمر الواحد من جهتین مختلفتین؛ موجود و مشهود، و أنّ الطبیعة التی لها التّضاد و التقابل عامّة الحکم فی الصور الأسمائیة و الکونیّة، و لو لا أنّ فی حقیقة الحقّ قبول کلّ ذلک لما وجدت هذه المتقابلات منها، و لأنّ فی طبیعة البشر جمعا بین المتقابلات توجّه الحقّ فی إیجاده بالیدین المتقابلین، و هما الفعل و الانفعال الذین فی حقیقتی الربّ و المربوب و الإله و المألوه، فی الذات و الجلال و الجمال أو اللطف و القهر. (جندی).
(5) . أی متساویتان فی القوّة.
(6) . فإنّ ذلک لا ینفی الفرقان و الثنویّة، فلا بدّ من التکثّر.
(7) . ذلک الفرقان.
(8) . أی لو لم یکن فی تقابلهما إلاّ کونهما اثنین اکتفى فی تقابلهما، فعبّر عن کلّ متضادّین بالیدین (ق).
(9) . فإنّ الاثنینیّة نسبة تقتضى اختصاص کلّ منهما بأمر لا یوجد فی الآخر، و ذلک فرقان بیّن (جامی).
(10) . بعجن الطینة المشتملة على المتقابلین (ص).
(11) . أی الطبیعة (جامی).
جلد: 2، صفحه: 957
تنبیها على أنّ المناسبة ثابتة بین العلّة و معلولها، فلمّا کان المعلول مقتضیا للتقابل بقابلیته کانت العلّة أیضا مقتضیة له بفاعلیتها.