شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(ثمّ قال1 متمّما للجواب2: مٰا قُلْتُ لَهُمْ3 إِلاّٰ مٰا أَمَرْتَنِی بِهِ فنفى أوّلا4مشیرا5 إلى أنّه ما هو ثّمة6).
لمّا کان «ما» فی «ما قلت» للنفی قال: (نفى أوّلا)، و هذا النفی إشارة إلى نفی وجوده، و فناء تعیّنه فی وجود الحقّ و تعیّنه الذاتی، فما کان الوجود العیسوی باقیا لیقول قولا.
(ثمّ أوجب القول7 أدبا مع المستفهم8، و لو لم یفعل کذلک9 لاتّصف بعدم علم الحقائق، و حاشاه عن ذلک10، فقال11: إِلاّٰ مٰا أَمَرْتَنِی بِهِ و أنت المتکلّم12 على
________________________________________
(1) . عیسى علیه السّلام.
(2) . إذ قد کان السؤال المذکور، أنّما هو عن مصدریّته للقول المذکور و بلاغه إلى الناس، و ما سبق منه أنّما یفید نفی استحقاقیّته من حیث هویّته لذلک القول، و أنّ الذى یستحقّ ذلک من هو، ثمّ تمّم بتحقیق مواطن ذلک المستحقّ و تبیین مبدأ القول المذکور - أعنی العلم - و لا دلالة له أصلا على قوله للناس و بلاغه لهم، على ما هو مقتضى مقام النبوّة و مبتنى أصل السؤال، لا بدّ فی الجواب من التعرّض لذلک و أنّ القول المنبّأ له إلیهم ما هو، حتّى یتمّ الجواب؛ فلذلک قال: «ثمّ قال متمّا للجواب» (ص).
(3) . أی للناس (جامی).
(4) . بکلمة النفی القول عن نفسه (جامی).
(5) . بهذا النفی (جامی).
(6) . أی عند القول (ص).
(7) . بعد نفیه (جامی).
(8) . لأنّه سئل عن القول و بیّن أنّ عین العبد و إن کانت ممحوّة الوجود بالذات، فتنفى عنه الصفات الوجودیّة ضرورة، و لکن باعتبار أنّه عبد مأمور لا یخلو عن الوجود فلا ینفى عنه الوجود و أوصافه من جمیع وجوهه بل بوجه و وجه (ص).
(9) . أی لم یجتمع بین النفی و الإثبات.
(10) . فإنّ صاحب علم الحقائق یعرف کلّ حقیقة بوجهها - وجه نفی - کما قال: مٰا قُلْتُ لَهُمْ و وجه إثبات؛ فقال: إِلاّٰ مٰا أَمَرْتَنِی بِهِ (المائدة (5):117) (ص).
(11) . تفسیر لإیجاب القول (جامی).
(12) . بهذا الکلام (جامی).
جلد: 2، صفحه: 972
لسانی1، و أنت لسانی)2.
أی، أثبت3 أمر الحقّ و هویّته و قوله بلسان الصورة العیسویّة، بقوله: إِلاّٰ مٰا أَمَرْتَنِی بِهِ بعد نفی هویّته العدمیّة، و لو لم یفعل کذلک لکان غیر عالم بالحقائق، إذ نفی الهویّة العیسویّة بلا إثبات الهویّة الإلهیّة یکون نفیا مطلقا، و لیس ذلک من شأن العلماء الراسخین.
و لمّا أثبت القول و القائل هو الحقّ، قال (رضى اللّه عنه) عن لسان عیسى علیه السّلام:
(و أنت المتکلّم، و أنت لسانی).
(فانظر إلى هذه التنبئة الروحیّة الإلهیّة4 ما ألطفها5 و أدقها).
التنبئة: تفعلة من نبأ، و أکثر الناظرین فیه قرأوا تثنیة من الثنی و هو تصحیف منهم، إذ هذه الحکمة حکمة نبویّة و لا تحتاج التثنیة بالثاء إلى الوصف بالروحیّة و الإلهیّة، أی فانظر إلى هذا الانباء الروحانی الإلهیّ، ما ألطفها، أی، عبارة، و ما أدقها، أی إشارة، و ما جعلنی اللّه مطّلعا إلى مثل هذه الاشارات اللّطیفة فی هذا الکتاب إلاّ بعون من اللّه و مدد من روحانیّة هذا الکامل (رضى اللّه عنه و أرضاه منه).
________________________________________
(1) . کما یقتضیه قرب الفرئض (جامی).
(2) . کما یقتضیه قرب النوافل (جامی).
(3) . عیسى علیه السّلام.
(4) . التی اشتملت علیها الکلمة العیسویّة و کیفیّة سریانها فی سائر أحوالها و أفعالها و أقوالها، أوّلا فی أمر المحقق و المتوهّم اللذین فی أصل خلقتة، و ثانیا فی الآیة التی نزلت فی حکایة إحیائها الموتى و احتمالها للوجهین کما سبق بیانه، و ثالثا فی السؤال عنها أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّٰاسِ اِتَّخِذُونِی وَ أُمِّی إِلٰهَیْنِ حیث ثنّى الخطاب و الإلهیّة، و کذلک فی الجواب حیث ثنّى ضمیر المتکلّم فی کُنْتُ قُلْتُهُ و ثنّى القول و ثنّى العلم مرّتین و ثنّى ضمیر الخطاب بأنّک أنت، و فی استئناف الجواب أیضا تثینة، و کذلک اشتماله على النفی و الإیجاب فیه تثنیة.
ثمّ إنّ هذا الجواب مع دلالته على التوحید الجمعی الختمی و إشارته إلى القربین له لطیف معنى و دقیق فحوى. و إلیه أشار بقوله: «ما ألطفها» (ص).
(5) . أمّا وجه لطفها فهو إیراد الجواب مطابقا للسؤال؛ حیث إنّ فی السؤال ثنویّة فی مقولة، یعنی قوله: اِتَّخِذُونِی وَ أُمِّی إِلٰهَیْنِ أتى فی جوابه بمثل ذلک، و وجه دقّتها هو أنّه قد أدرج فی عبارته ما یلوّح على الثنویّة المشتمل علیها کلمته من التروّح و التألّه، حیث قال: إِلاّٰ مٰا أَمَرْتَنِی بِهِ و ذلک لأنّ الأمر إشارة إلى طرف تروّحه فإنّ الروح منه، و التاء إلى التألّه، فإنّه مع اشتماله علیه کنایة عن الحقّ (ص).
جلد: 2، صفحه: 973
(أَنِ اُعْبُدُوا اَللّٰهَ1 فجاء بالاسم «اللّه2» لاختلاف العبّاد3 فی العبادات4 و اختلاف الشرائع، و لم یخصّ اسما خاصّا دون اسم5 و6، بل جاء بالاسم الجامع للکلّ7).
أی، جاء بالاسم «اللّه» الجامع للکلّ، فإنّ لکلّ من العباد ربّا خاصّا من هذه الحضرة الإلهیّة، و لکلّ شریعة اسما حاکما علیها من مطلق الشریعة الرحمانیّة.
(ثمّ قال8 و9: رَبِّی وَ رَبَّکُمْ و معلوم أنّ نسبته10 إلى موجود ما بالربوبیّة11لیست عین نسبته إلى موجود آخر12).
لأنّ عبد «المنعم» لیس عبد «المنتقم»، و عبد «الرحیم» لیس عبد «القهّار».
(فلذلک فصّل13 بقوله: رَبِّی وَ رَبَّکُمْ بالکنایتین، کنایة المتکلّم، و کنایة المخاطب14 و15).
________________________________________
(1) . ثمّ بیّن الأمر و المأمور به بقوله: أَنِ اُعْبُدُوا اَللّٰهَ (جامی).
(2) . الجامع لجمیع الأسماء (جامی).
(3) . جمع عابد (جامی).
(4) . فلکلّ وجهة من تلک الأسماء هو مولّیها (جامی).
(5) . أی اسم آخر (جامی).
(6) . من الأسماء الجزئیة التی تتحوّل أحکامها بتجدّد الأزمنة و الاستعدادات (ص).
(7) . فإنّ کلامه لا بدّ و أن یکون تامّا کاملا شاملا لیطابق ما أصّله فی الجواب من الجمع بین التنزیه و التشبیه و النفی و الإثبات و سائر المتقابلات (ص).
(8) . لمّا أمرهم بعبادة اللّه - و هو الدالّ على جمیع الأرباب إجمالا - أتى بما یخصّ تفصیلا؛ إفصاحا بما هو المطلوب من دعوة الأمّة المختصّة به و تمکینا لذلک فی خواطرهم، فإنّ التفصیل بعد الإجمال أمکن و أوقع و تطبیقا لما جبل علیه الکلمة العیسویّة من الثنویّة بقوله: «ثمّ قال» (ص).
(9) . عیسى علیه السّلام تفصیلا للاسم «اللّه» (جامی).
(10) . أی نسبة الاسم «اللّه» (جامی).
(11) . ضرورة لزوم تغایر النسبة عند تغایر أحد المنتسبین (ص).
(12) . لأنّ لکلّ موجود خصوصیّة لیست لسائر الموجودات یطلب اسما خاصّا یربّیه (جامی).
(13) . بالتشدید، ما أجمل فی الاسم «اللّه» (جامی).
(14) . یعنی المخاطبین، فإنّ تفصیل المضاف إلیه تفصیل المضاف، و یجوز أن یکون «فصل» بالتخفیف، أی فصل بعض الأسماء عن بعض (جامی).
(15) . اللتان هما أوّل ما یفصّل به الإجمال و یتمیّز به العالم؛ و لذلک قیل: إنّهما أعرف المعارف فی صناعة الألفاظ (ص).
جلد: 2، صفحه: 974
ظاهر.
إِلاّٰ مٰا أَمَرْتَنِی1,2,3 بِهِ فأثبت4 نفسه5 مأمورا، و لیست6 سوى7 عبودیته، إذ لا یؤمر8 إلاّ من یتصوّر منه الامتثال9، و إن لم یفعل10).
نقل الکلام إلى ما مرّ لیقرّر ما یتعلّق بمقام العبودیّة، أی قال: مٰا أَمَرْتَنِی بِهِ فجعل نفسه مأمورا، و لیست هذه الحالة أو المأموریّة سوى مقام العبودیّة، إذ لا یؤمر إلاّ من یمکن أن یمتثل بالأمر.
________________________________________
ثمّ أعاد (رض) قوله إِلاّٰ مٰا أَمَرْتَنِی بِهِ لبیان ما یتعلّق بمقام عبودیّته (جامی).
(2) . قد أشار فی هذه الآیة إلى أنّه عابد للّه فی قوله لهم ذلک، فإنّه تحت حکم الأمر فی ذلک الفعل، على ما أشار إلیه بقوله: إِلاّٰ مٰا أَمَرْتَنِی بِهِ (ص).
(3) . و أظنّ أنّ قوله: إِلاّٰ مٰا أَمَرْتَنِی بِهِ مفعول لقوله: «فصل».
(4) . أی عیسى علیه السّلام (جامی).
(5) . ثانیا بعد ما نفاه أوّلا (جامی).
(6) . علّة إثبات مأموریته إذ لیست نفسه المأمورة عن هذه الحیثیّة سوى عبودیّته (جامی).
(7) . نفسه فی أفعاله (ص).
(8) . بشیء (جامی).
(9) . الذی هو العبودیّة (جامی).
(10) . الامتثال (جامی).