شرح القیصری علی فصوص‌الحکم (حسن‌زاده الآملی):
(فأتى سلیمان بالرحمتین؛ رحمة الامتنان، و رحمة الوجوب1، اللّتان هما «الرحمن الرحیم»، فامتنّ ب «الرحمن» و أوجب ب «الرحیم»2 و هذا الوجوب3 و4من الامتنان، فدخل «الرحیم» فی «الرحمن» دخول تضمّن)5.
اعلم، أنّ الرحمة صفة من الصفات الإلهیّة، و هی حقیقة واحدة لکنّها تنقسم بالذاتیّة و بالصّفاتیّة أی: تقتضیها أسماء الذات و أسماء الصفات، و کلّ منهما عامّة و
________________________________________
(1) . فی البسملة (جامی).
(2) . ما یقتضیه الاستعدادات الحاصلة بالرحمة الرحمانیّة (جامی).
(3) . أیضا (جامی).
(4) . أی من مقتضیات الامتنان (جامی).
(5) . بیّن أنّ الوجود العام - یعنی الرحمة الامتنانیّة - له الإحاطة بالکلّ، فالوجوبیة منها مندرجة فیها اندراج الجزء تحت الکلّ، و إلیه أشار بقوله: «و هذا الوجوب من الامتنان» إلى قوله -: «دخول تضمّن» و بیّن أنّ هذا غیر اعتبار العموم و الخصوص؛ فإنّ دخول الخاصّ تحت العامّ لیس دخول تضمّن.
ثمّ إنّه و إن أمکن اعتبار العموم و الخصوص فی الرحمتین و لکن فیما لیس نحن بصدده؛ فإنّ هذه النسبة أنّما تتصوّر عند اتّحادهما و حملهما بهو هو، و هو غیر مراد هاهنا؛ و لذلک عللّه بقوله: فإنّه کتب على نفسه الرحمة سبحانه، فإنّ نسبة بعض المکتوب إلى الجملة من الکتاب نسبة الجزء إلى الکلّ لا نسبة الجزئیّ الخاصّ إلى کلّیة العامّ، و هذا المکتوب هو رحمة الوجوب (ص).
جلد: 2، صفحه: 996
خاصّة فصارت أربعة، و یتفرّع منها إلى أنّ یصیر المجموع مائة رحمة، و إلیه أشار رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلم: «انّ للّه مائة رحمة، أعطى واحدة منها لأهل الدنیا کلّها، و ادخر تسعة و تسعین إلى الآخرة، یرحم بها عباده».
فالرحمة العامّة و الخاصّة الذاتیتان ما جاء فی البسملة من «الرحمن الرحیم» و الرحمة الرحمانیّة1 و2 و3 عامّة لشمول الذات جمیع الأشیاء علما و عینا، و الرحیمیّة خاصّة لأنّها تفصیل تلک الرحمة العامّة، الموجب لتعیّن کلّ من الأعیان بالاستعداد الخاصّ بالفیض الأقدس4، و الصفاتیتان ما ذکره فی الفاتحة من «الرحمن الرحیم».
الاولى5: عامّة الحکم لترتّبها على ما6 أفاض الوجود العامّ العلمی من الرحمة العامّة الذاتیّة.
و الثانیة: تخصّصها و تخصیصها بحسب الاستعداد الأصلی الذی لکلّ عین من الأعیان، و هما نتیجتان للرحمتین الذاتیتین العامّة و الخاصّة.
فإذا علمت ذلک فاعلم أنّ سلیمان أتى بالرحمتین، منها رحمة الامتنان و هی ما7حصل من الذات بحسب العنایة الاولى، و إنّما سمّاها بالامتنان لکونها لیست فی مقابلة عمل من أعمال العبد، بل منّة سابقة من اللّه فی حقّ عبده، و رحمة الوجوب أی رحمة فی مقابلة العمل، و أصل هذا الوجوب قوله تعالى: کَتَبَ عَلىٰ نَفْسِهِ
________________________________________
(1) . هذا معنى بسیط الحقیقة کلّ الأشیاء.
(2) . قال إمام المحقّقین جعفر الصادق علیه السّلام: «الرحمن اسم خاصّ لصفة عامّة، و الرحیم اسم عام لصفة خاصّة» (ص).، (مجمع البیان ج 1 ص 21، مرسلا مع اختلاف یسیر).
(3) . ظهور الأعیان الثابتة فی العلم بالفیض الأقدس بتوسط اسم اللّه بنحو الإطلاق من غیر ملاحظة عین عین و من غیر اعتبار تمیّزها، و هو الرحمة الذاتیّة العامّة و إذا لوحظت باعتبار تمیّزها و یلاحظ کلّ عین عین فهو الرحمة الذاتیة الخاصة، و ظهو الأعیان الثابتة بالوجود الفعلی بتوسّط اسم الخالق مثلا هو الرحمة الصفاتیّة العامة، و ما یعطى بإزاء العمل هو الرحمة الصفاتیّة الخاصّة.
(4) . متعلّق بقوله: «لتعیّن».
(5) . أی النفس الرحمانی.
(6) . و هو ذات الحقّ.
(7) . و هو النفس الرحمانی.
جلد: 2، صفحه: 997
اَلرَّحْمَةَ1 أی: أوجبها على نفسه.
«فامتنّ» أی: الحقّ تعالى بالرحمن العامّ الحکم على جمیع الموجودات بتعیّن أعیانها فی العلم2 و ایجادها فی العین3، کما قال: رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْ‌ءٍ 4و قال: رَبَّنٰا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً5 أی: وجودا و علما، فإنّ الرحمة العامّة هو الوجود العامّ لجمیع الأشیاء، و هو النور المذکور فى قوله تعالى: اَللّٰهُ نُورُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ6 الذی به یظهر کلّ شیء من ظلمة عدمه.
و أوجب ب «الرحیم» المخصّص على7 نفسه أن یوصل کلاّ من الأعیان إلى ما یقتضیه استعداده، و لمّا کان هذا الایجاب أیضا منّة منه تعالى على عباده، قال: (و هذا الوجوب من الامتنان) أی: من الرحمة الامتنانیة، إذ لیس للمعدوم8 أن یوجب شیئا على الحقّ فیما یوجده و یمکّنه من الطاعات و العبادات، فدخل الرحمة الرحیمیّة فی الرحمة الرحمانیّة دخول الخاصّ تحت العامّ.
(فإنّه کَتَبَ عَلىٰ نَفْسِهِ9 اَلرَّحْمَةَ لیکون ذلک10 للعبد بما ذکره الحقّ11 من الأعمال التی یأتی بها هذا العبد، حقّا على اللّه أوجبه12 له13 على نفسه،
________________________________________
(1) . الأنعام (6):12.
(2) . بالفیض الأقدس.
(3) . بالفیض المقدّس.
(4) . الأعراف (7):156.
(5) . غافر (40):7.
(6) . النور (24):35.
(7) . متعلّق بقوله: «أوجب».
(8) . و هو الممکن.
(9) . لا غیره سبحانه عن أن یکتب علیه غیره و إنّما کتب لیکون (جامی).
(10) . المکتوب الذی هو رحمة الوجوب للعبد بما ذکره (جامی).
(11) . أی بسبب ما ذکره الحقّ و عیّنه من الأعمال (جامی).
(12) . أی ذلک المکتوب أو ذلک الحقّ (جامی).
(13) . أی للعبد (جامی).
جلد: 2، صفحه: 998
یستحق1 بها2 هذه الرحمة، أعنی: رحمة الوجوب).
هذا تعلیل لقوله: (و هذا الوجوب من الامتنان)، و «ذلک» إشارة إلى وجوب الرحمة على نفسه، و «حقّا» منصوب بقوله: (لیکون) أی: ایجاب الحقّ على نفسه الرحمة للعباد من الامتنان؛ لأنه کتب و فرض على نفسه الرحمة، لیکون ذلک حقّا على اللّه للعبد فی مقابلة أعماله التی کلّفه بها، مجازاة له و عوضا عن عمله، و ذلک على سبیل الامتنان.
فإنّ العبد یجب علیه طاعة سیّده و الاتیان بأوامره، فإذا أعطاه شیئا آخر فی مقابلة أعماله یکون ذلک رحمة للعبد و امتنانا منه علیه.
فقوله: (أوجبه) أی: أوجب ذلک الوجوب الحقّ للعبد على نفسه، لیستحقّ العبد بها، أی بتلک الأعمال، الرحمة التی أوجبها الحقّ على نفسه امتنانا.
(و من کان من العبید بهذه المثابة3 فإنّه یعلم4 من هو العامل منه5).
و فی بعض النسخ: (به) أی: و من کان العبید بمثابة أن یکون الحقّ موجبا على نفسه الرحمة له، یکون ذا نور من اللّه منوّر القلب به محبوبا، کما قال تعالى: فَسَأَکْتُبُهٰا لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ6، و من کان کذلک یکون الحقّ سمعه و بصره کما نطق به الحدیث، فیعلم یقینا أنّ العامل الحقیقیّ من نفس العبد هو الحقّ الذی معه إذ العامل فی الحقیقة هو الحقّ لکن بالعبد لیکون العبد کالآلة له.
(و العمل ینقسم على ثمانیة أعضاء من الانسان7 و8).
________________________________________
(1) . أی العبد (جامی).
(2) . أی بتلک الأعمال (جامی).
(3) . فی القرب بالتزام النوافل من الأعمال (ص).
(4) . بأدنى التفات (جامی).
(5) . أی من العبد فإنّ له أعضاء عاملة أو غیر عاملة (ص).
(6) . الأعراف (7):156.
(7) . خ ل: «العبد».
(8) . أی من الإنسان غالبا.
جلد: 2، صفحه: 999
و هی: الیدان و الرجلان و السمع و البصر و اللّسان و الجبهة1، إذ بالیدین یتمکّن من التوضىء و التطهّر، و على الرجلین یقوم فی الصلاة و یسعی و یحج، و بالسمع یتمکّن من سماع کلام اللّه و کلام رسول اللّه، و بالبصر یتمکّن من المشاهدة فی جمیع أعماله، و باللّسان یثنی على اللّه تعالى و یسبّحه و یقرأ کلامه، و بالجبهة یسجد فی صلاته.
________________________________________
(1) . أمّتی العزّ المحجّلون یوم القیامة من آثار الوضوء. گفت پیغامبر صلّى اللّه علیه و آله و سلم: أمّت من روى سپید و دست و پا سپید باشند از اثر دست و روى شستن. بدان که ایزد تعالى چون نماز را واجب کرد نخواست که بندگان وى به دنیا آلوده به خدمت آیند ایشان را فرمود که وضوء کنند، و با این چهار عضو مخصوص کرد، زیرا که آدم اوّل روى به درخت گندم کرد، و به پاى برفت، و به دست از درخت گندم باز کرد، و بر سر نهاد و بر حوّاء آورد، ایزد - عزّ إسمه - این چهار عضو گناهکار را بفرمود شستن به گاه خدمت. (ترک الإطناب فی شرح الشهاب ابن القضاعی، ص 151).