شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(اعلم3، أنّه لمّا کانت النبوّة و الرسالة4 اختصاصا إلهیّا لیس5 فیها شیء من الاکتساب - أعنی: نبوّة التشریع -6 و7 کانت8 عطایاه تعالى لهم9 علیه السّلام من هذا القبیل).
أی، من قبیل الاختصاص و الامتنان.
(مواهب لیست جزاء10، و لا یطلب علیها منهم جزاء11، فاعطاؤه إیّاهم على
________________________________________
(3) . قال الشارح - فی شرح هذه العبارة «اعلم» -: «إنّ العنایة الإلهیّة على وجه ینقسم إلى قسمین: قسم تقتضیها العین الثابتة باستعدادها فتکون العنایة تبعا له، و قسم تقتضیها الذات الإلهیّة لا العین الثاتبة، أمّا الأوّل فهو بحسب الفیض المقدّس المترتّب على الأعیان و أحوالها و استعداداتها، و أمّا الثانی فهو بحسب الفیض الأقدس الجاعل لها و لاستعداداتها، فهذه العنایة متبوعة؛ إذ الفیض الأقدس أیضا مترتّب علیها.
(4) . التی هی خصوص رتبة فی النبوّة (جامی).
(5) . یجری فیها (جامی).
(6) . احتراز عن نبوّة إنباء العام من البحث عن معرفة اللّه بأسمائه و صفاته و أفعاله و آثاره، و عن علم الوراثة فی قوله: «العلماء ورثة الأنبیاء» (ق).
(7) . و هو وضع الصور الجزئیّة و الأحکام التکلیفیّة - الکاشفة عن الأمر و تفصیله - على ما هو حقّ الإنباء و کماله، و قد احتراز به عن نبوّة تعریف الحقائق الکلیّة و تبیین العلوم الإلهیّة ممّا یمکن اکتسابه بوراثة الأعمال الفکریّة و المهیّجات الذوقیّة (ص).
(8) . جواب «لمّا».
(9) . أی للأنبیاء (جامی).
(10) . لعمل من أعمالهم (جامی).
(11) . بلواحق شکره المستجلبة للمزید علیها (ص).
جلد: 2، صفحه: 1041
طریق الانعام و الافضال)1.
قد تقدّم مرارا أنّ الحقّ تعالى لا یعطی أعیان العالم إلاّ ما تقتضیه بأعیانها و استعداداتها الثابتة فی حال عدمها، فالنبوّة و الرسالة اللّتان هما اختصاص إلهیّ فی حقّ المصطفین من عباده، و إن کان بحسب العنایة الإلهیّة لکنّها أیضا ترجع إلى أعیانهم کما قال فی الفصّ الشیثی: (إلاّ أنّه من جهة العبد عنایة من اللّه سبقت له، هی من جملة أحوال عینه الثابتة، یعرفها صاحب هذا الکشف).
فقوله: (اختصاصا إلهیّا) لا ینافی اقتضاء أعیانهم ذلک، بل الاقتضاء علّة الاختصاص فی الفیض المقدّس، و فی الفیض الأقدس2 علّة اقتضاء الأسماء الاول فلا یردّ.
و الغرض أنّهما لیستا مکتسبتین بالأعمال و العبادات، فهما موهبتان من اللّه تعالى من حیث اسمه «الوهّاب» و «الجواد»، و لیستا جزاء لعمل، و لا یطلب الحقّ علیهما منهم جزاء، أی: عملا على ازائهما، أو شکرا و ثناء على عطائهما.
«فاعطاؤه» أی: اعطاء الحقّ إیّاهم النبوّة و الرسالة على طریق الانعام علیهم و الافضال فی حقّهم، فاعطاؤه اضافة إلى الفاعل و أحد3 المفعولین محذوف.
و إنّما قیّد بنبوّة التشریع لأنّ النبوّة العامّة التی تلزم الولایة خارجة عن هذا الحکم، فإنّ الولایة فی المحبین مکتسبة و فی المحبوبین غیر مکتسبة.
و فی الجملة للکسب مدخل فی الانباء العامّ، و معنى الکسب4 و5 تعلّق ارادة الممکن بفعل ما دون غیره، فیوجده الاقتدار الإلهیّ عند هذا التعلّق، فسمّی ذلک کسبا، هذا کلام الشیخ (رضى اللّه عنه) ذکره فی الجلد الأوّل من (فتوحاته)6 فی المسائل.
________________________________________
(1) . و لذلک عبّر سبحانه عن هذا الإعطاء بالهبة التی لا یطلب علیها عوض و لا غرض (جامی).
(2) . و کلّ مساو فی ذلک بلا اختصاص و لا استثناء.
(3) . و هو الرسالة و النبوّة.
(4) . کما قال الأشاعرة فی معنى الکسب و ینکرون القدرة للعبد، بل قائلون: إنّ کلّ الأفعال بقدرة اللّه تعالى.
(5) . راجع فی معنى الکسب، مصباح الأنس ص 235.
(6) . راجع الفتوحات المکّیة ج 1 ص 191.
جلد: 2، صفحه: 1042
فقال: (وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ یَعْقُوبَ1 یعنی لابراهیم الخلیل علیه السّلام، و قال فی أیّوب علیه السّلام: وَ وَهَبْنٰا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ2، و قال فی حقّ موسى علیه السّلام: وَ وَهَبْنٰا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنٰا أَخٰاهُ هٰارُونَ نَبِیًّا3 و4 إلى مثل ذلک5، فالذی تولاّهم6 و7 و8 أوّلا هو الذی تولاّهم آخرا فی عموم أحوالهم أو أکثرها)9.
أی، الذی تولاّهم أوّلا و أوجدهم من غیر عمل سابق و کسب، و جعلهم أنبیاء مرسلین، و تمّم علیهم نعمه، تولاّهم آخرا بحفظ تلک النعم علیهم و ایصالهم إلى کمالاتهم المقدّرة لهم، أو تولاّهم أوّلا حال افاضة أعیانهم الثابتة10 بحیث کانت مستعدّة لهذه النعم و قابلة طالبة لها، و تولاّهم آخرا بایجادهم11 على مقتضى تلک الأعیان.
و إنّما قال: (فی عموم أحوالهم أو أکثرها) لئلا یلزم وجوب کونهم فی جمیع الأحوال کذلک.
(و لیس) ذلک المتولّی12 و13 (إلاّ اسمه «الوهّاب»،
________________________________________
(1) . الأنعام (6):84.
(2) . ص (38):43.
(3) . مریم (19):53.
(4) . متضمّنا ذلک الوهب الإلهی المذکور فی هؤلاء الأنبیاء إلى مثل ذلک الوهب بالنسبة إلى من عداهم (جامی).
(5) . ممّا حصل لسائر الأنبیاء من جلائل النعم و دقائقها بطریق الوهب على ما نصّ علیه فی کلامه (ص).
(6) . بأن أعطاهم فضلا من غیر عمل منهم تولاّهم آخرا بأن یحفظ علیهم تلک النعمة فی جمیع الأحوال أو أکثرها و یزیدها و لا یطلب منهم شکرها، مع أنّهم لا یخلّون بالقیام بشکرها (ق).
(7) . أی الاسم الذی تولاّهم أوّلا حیث اختصّهم بالنبوّة و الرسالة هو بعینه الاسم الذی تولاّهم ثانیا بعد اختصاصهم بهما (جامی).
(8) . فی کلّیة أمرهم - أعنی النبوّة التشریعیّة - هو الذی تولاّهم (ص).
(9) . أی أحوالهم الجزئیّة أو اکثرها، فإنّه یمکن أن تکون بعض تلک الجزئیات بالکسب، و لکن على سبیل الندرة، و یعلم من هذا الکلام وجه أمّیّة الخاتم، و معنى قوله: «أنتم أعلم بأمور دنیاکم» (ص).
(10) . بالفیض الأقدس.
(11) . بالفیض المقدّس.
(12) . الاسم المتولّی (جامی).
(13) . أی لیس ذلک المتولّی أوّلا و ثانیا (ص).