شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و سمّی محمّدا بحروف الاتصال و الانفصال فوصله7 به).
أى: بالحقّ (و فصله8 عن العالم، فجمع له بین الحالتین9 فی اسمه، کما جمع
________________________________________
(7) . أی دلّ على وصوله به، أی بالحقّ سبحانه (جامی).
(8) . أی دلّ على انفصاله عن العالم بحروف الانفصال.
(9) . الاتّصال بالحق و الانفصال عن العالم (جامی).
جلد: 2، صفحه: 1046
لداود بین الحالتین من طریق المعنى1) أی: طریق المسمّى2.
(و لم یجعل ذلک فی اسمه فکان ذلک اختصاصا لمحمّد على داود (صلوات اللّه علیهما)، أعنی: التنبیه علیه3 باسمه، فتمّ له الأمر) أی: لمحمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلم (من جمیع جهاته4 و5، و کذلک فی اسمه أحمد، فهذا من حکمة اللّه).
قوله: (هذا) إشارة إلى ما ذکره من التنبیه بالاسم من قطعهما عن العالم و وصلهما بالحقّ، أی: هذا المعنى من جملة حکم اللّه الحاصلة فی الوجود، لمن یعلم أنّ کلّ ما فی الوجود لا یخلو عن حکمة إلهیّة.
(ثم قال فی حقّ داود علیه السّلام فیما أعطاه).
أی، فی جملة ما أعطى داود.
(على طریق الانعام علیه ترجیح الجبال معه التسبیح).
بالنصب على أنّه مفعول لقوله: (ترجیع) و هو منصوب على أنّه مفعول ثان ل «أعطاه»، أو بنزع الخافض المبیّن لما، أی: من ترجیع الجبال و المفعول الثانی الضمیر، أی فیما أعطاه إیّاه.
(فتسبّح لتسبیحه لیکون6 له7 عملها، و کذلک الطیر8).
________________________________________
(1) . فی کتاب العلل، حدیث النملة، أنّها قالت لسلیمان علیه السّلام: «أنت أکبر أم أبوک؟ قال: بل أبی، قالت النملة: فلم زید فی حروف اسمک على حروف اسم أبیک داود؟ قال سلیمان: لا علم لى بذلک، قال النملة: لأنّ أباک داوى جرحه بودّ؛ فسمّی داود و أنت سلیمان، و أرجو أن تلحق بأبیک» انتهى.
و قد روی أنّ داود کان یسمّى عشیق اللّه.
(2) . فی بعض نسخ الشرح لا توجد هذه العبارة.
(3) . أی على الاختصاص المذکور الذی له بین الأنبیاء (ص).
(4) . جهة الاسم و جهة المسمّى (جامی).
(5) . اسما و مسمّى و صورة و معنى و فی آدم علیه السّلام و إن کان الدال فیه مع المیم التامّ، و لکن منفصلا عنه غیر متّصل به، فلا یدلّ إلاّ على الدولة الصوریّة و الجمعیّة الوجودیّة التی له (ص).
(6) . أی سبب ذلک الترجیع له، أی لداود علیه السّلام ثواب عملها؛ لأنّه إمامها فی التسبیح و هی متقدّمة به فی ذلک و متابعة له فیه، و للإمام ثواب عمل کلّ من اقتدى به (شرح الفصوص لعبد الغنی النابلسی).
(7) . أی لداود علیه السّلام (جامی).
(8) . و الوجه فى تخصیص هذین النوعین بالمتابعة هو أنّهما أشدّ أنواع الأکوان ترفّعا على الإنسان، و غلوّا علیه و إباء لقبول الإذعان له، لغلوّ القساوة و الخفّة فیهما. و بیّن أنّ کلا منهما یمنع الانقیاد و قبول التصرّف، أمّا الأوّل فلإفراطها فی طرف الکثافة العاصیة عن القبول. و أمّا الثانی فلتفریطه فی طرف الخفّة و عدم استقراره بین یدی الفاعل عند التأثّر و القبول.
و بیّن أنّ الطرفین مع غلوّ إبائهما و علوّهما على الإنسان إذا دخلا فی انقیاده و إسلامه - فما فی أواسطهما - ممّا یقرب إلى حدّ الاعتدال - یکون ذاک الانقیاد أحرىّ و أولىّ، ضرورة أنّ رقیقة نسبته إلى الإنسان أوثق و أظهر.
و لا یخفى على الواقف بأسالیب هذا الکلام من المستبصرین، أنّ تأویل الجبال و الطیر - هاهنا - بالعظام و القوى، لا یوافق کمال خلافة داود علیه السّلام و انقیاد البریّة له و تسلّطه علیها.
ثمّ إنّ هذا المعنى و إن کان له وجه فی حدّه عند الکلام على الحکم الأنفسیّة، و لکن لا یوافق هذا السیاق، فإنّه فی صدد تسخیر الأکوان الآفاقیّة له، على ما هو من خصائص خلافته الخاصّة به (ص).
جلد: 2، صفحه: 1047
بالجر، أی: ترجیع الطیر و تسبیحه، أو بالنصب، أی: و کذلک سخّر الطیر له لیسبّح معه تسبیحه.
(و أعطاه1 القوّة و نعته بها2، و أعطاه الحکمة3 و فصل الخطاب)4 و5.
أی، قال فی حقّه: إِنّٰا سَخَّرْنَا اَلْجِبٰالَ مَعَهُ یُسَبِّحْنَ بِالْعَشِیِّ وَ اَلْإِشْرٰاقِ وَ اَلطَّیْرَ مَحْشُورَةً کُلٌّ لَهُ أَوّٰابٌ6 و7، و قال: یٰا جِبٰالُ أَوِّبِی مَعَهُ وَ اَلطَّیْرَ وَ أَلَنّٰا لَهُ اَلْحَدِیدَ8. فجعل ترجیع الجبال معه التسبیح، فکانت تسبّح بتسبیحه لیکون له ذلک التسبیح أیضا، و کذلک تسخیر الطیر لیسبّح معه لیکون تسبیحه معه أیضا تسبیحا له.
________________________________________
و إباء لقبول الإذعان له، لغلوّ القساوة و الخفّة فیهما. و بیّن أنّ کلا منهما یمنع الانقیاد و قبول التصرّف، أمّا الأوّل فلإفراطها فی طرف الکثافة العاصیة عن القبول. و أمّا الثانی فلتفریطه فی طرف الخفّة و عدم استقراره بین یدی الفاعل عند التأثّر و القبول.
و بیّن أنّ الطرفین مع غلوّ إبائهما و علوّهما على الإنسان إذا دخلا فی انقیاده و إسلامه - فما فی أواسطهما - ممّا یقرب إلى حدّ الاعتدال - یکون ذاک الانقیاد أحرىّ و أولىّ، ضرورة أنّ رقیقة نسبته إلى الإنسان أوثق و أظهر.
و لا یخفى على الواقف بأسالیب هذا الکلام من المستبصرین، أنّ تأویل الجبال و الطیر - هاهنا - بالعظام و القوى، لا یوافق کمال خلافة داود علیه السّلام و انقیاد البریّة له و تسلّطه علیها.
ثمّ إنّ هذا المعنى و إن کان له وجه فی حدّه عند الکلام على الحکم الأنفسیّة، و لکن لا یوافق هذا السیاق، فإنّه فی صدد تسخیر الأکوان الآفاقیّة له، على ما هو من خصائص خلافته الخاصّة به (ص).
(1) . أی داود علیه السّلام.
(2) . حیث قال وَ اُذْکُرْ عَبْدَنٰا دٰاوُدَ ذَا اَلْأَیْدِ فإنّ الأید هی القوّة (جامی).
(3) . ثمّ إن مثل هذه الخلافة لا بدّ و أن تکون بالقوة التی بها یتمکّن من الظهور سیاسة و حکما. و الحکمة التی بها تترتب الأمور على الوضع الأتّم و النظم الألیق و الفصاحة التی بها تظهر الأشیاء و الأحکام، فإلى هذه الأمور أشار بقوله: «و أعطاه القوّة» (ص).
(4) . أی العلم بالأشیاء على ما هی علیه و العمل بمقتضاه و إن کان متعلّقا بکیفیة العمل (جامی).
(5) . لبیان تلک الحکمة على الوجه المفهم (جامی).
(6) . ص (38):18-19.
(7) . أوّاب، أی رجّاع عن کلّ ما یکره اللّه إلى ما یحبّ إلیه قوله: أَوِّبِی سبحّی من التأوّب، و هو التسبیح. (مجمع البحرین).
(8) . سبأ (34):10.
جلد: 2، صفحه: 1048
و «أعطاه القوّة و نعته بها» بقوله: وَ اُذْکُرْ عَبْدَنٰا دٰاوُدَ ذَا اَلْأَیْدِ إِنَّهُ أَوّٰابٌ1، و أعطاه الحکمة بأن جعله عالما بالحقائق، عارفا باللّه و مراتبه و أسمائه، عاملا بمقتضى علمه، و جعله «فصل الخطاب» أی: واسطة بین اللّه و عباده کما قال: مٰا کٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اَللّٰهُ إِلاّٰ وَحْیاً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ2، فعینه ذلک الحجاب الذی یتجلّى الحقّ من ورائه على العباد.
و اعلم، أنّ روحه علیه السّلام لمّا توجّه بکلّیته إلى الحضرة الإلهیّة بالتسبیح و التحمید، انعکس منه النور الإلهیّ الفائض علیه إلى قواه و أعضائه، فسبّحت تسبیح الروح بالمتابعة غیر التسبیح المخصوص بکلّ منها، فکان کلّ ذلک للروح أصالة و لغیرها تبعیّة.
و لمّا کانت الجبال الظاهرة و الطیر المحشورة مثالا للأعضاء و القوى الروحانیّة و الجسمانیّة، و صورا ظاهرة فی الخارج لهذه الحقائق التی فی العالم الانسانی، و کانت الأعضاء و القوى یسبّحن معه بالعشی و الاشراق، حصل ذلک التأثیر الروحانی أیضا فی روحانیّة الجبال و الطیر، فسبّحن ذلک التسبیح بعینه، فکان ذلک التسبیح له علیه السّلام بالأصالة و لهنّ بالتبعیّة، کما قال الشاعر3:
فلو قبل مبکاها بکیت صبابة بسعدى، شفیت النفس قبل التندّم
و لکن بکت قبلی فهیّج لی البکا بکاها، فقلت: الفضل للمتقدّم4
________________________________________
(1) . ص (38):17.
(2) . الشورى (42):51.
(3) . و هو عدی بن رقاع، کان فی دولة بنی أمیّة.
(4) . البیتان لعدّی بن الرقاع کما فی شرح المرزوقی على الحماسة ج 3 ص 1290.
و فیه هکذا:
فلو قبل مبکاها بکیت صبابة بلبنى شفیت النفس قبل التندّم
و لکن بکت قبلی فهاج لی البکاء بکاها فقلت: الفضل للمتقدّم