شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(ألا تراه تعالى یقول: وَ جَزٰاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُهٰا2 فجعل القصاص سیئة، أی:
یسوء ذلک القتل3 مع کونه مشروعا (فمن عفا و اصلح فاجره على اللّه) لأنّه على صورته).
أی، لأنّ المعفو عنه على صورة الحقّ.
(فمن عفا عنه و لم یقتله فأجره على من هو) أی: المعفو عنه (على صورته) و هو الحقّ (لأنّه أحقّ به، إذ أنشأه له).
أی، لأنّ الحقّ أحقّ بالعفو من عبده؛ إذ أنشأ العبد لأجل نفسه حتى تظهر أسماؤه و صفاته به، کما قال: «یا بن آدم، خلقت الأشیاء لأجلک و خلقتک لأجلی»4
فلّما لم یعف5 عنه و أمر بالقصاص منه مراعاة للنسل و بقائه، وقع أجر من عفا عنه علیه6 لیعطیه الجنّة و یعفو ذنوبه و یغفر سیئاته.
________________________________________
(2) . الشورى (42):40.
(3) . خ ل: الفعل.
(4) . ای لأجل ظهور أسمائی الحسنى و صفاتی العلیا.
(5) . أی و إن لم یعف الحقّ، و أمر بالقصاص لحفظ نظام الکلّ و بقاء النسل، لکن مع ذلک من عفا لمراعاة الأدب و لحفظ مظهر الحقّ وقع أجره على اللّه، لمراعاة العافی الأدب.
(6) . أی على الحقّ.
جلد: 2، صفحه: 1081
(و ما ظهر بالاسم «الظاهر» إلاّ بوجوده).
أی، و ما ظهر الحقّ بالاسم «الظاهر» إلاّ بوجود العبد، فمن عفا عنه و أحسن إلیه وجب أجره على اللّه.
(فمن راعاه)1 أی: راعى الانسان (فأنّما راعى الحقّ)2 لأنّه مظهره و اسمه «الظاهر».
(و ما یذمّ الانسان لعینه3، و إنّما یذمّ لفعله، و فعله لیس عینه، و کلامنا فی عینه)4.
أی، لیس الانسان مذموما من حیث أنّه انسان، بل من حیث أفعاله الذمیمة یذمّ، و فعله لیس عینه، فلا تبطل عینه و لا یخرّب وجوده لفعله.
(و لا فعل إلاّ للّه،5 و مع هذا ذمّ منها6 ما ذمّ7، و حمد ما حمد)8 و9.
لأنّ الفعل مبدأه الصفات، و مبدأ الصفات هو الذّات، و الذّات لیست إلاّ عین الوجود المتعیّن، و الوجود هو الحقّ، فالکلّ مستهلک فی عین ذاته تعالى فهو الفاعل10الحقیقیّ، و مع هذا ذمّ بعض الأفعال و حمد بعضها.
________________________________________
(1) . بأن عفا عنه و لم یقتله (جامی).
(2) . بإبقاء مظهره حتّى یتمکّن من الظهور (جامی).
(3) . أی وجوده.
(4) . أنّه صورة الحقّ. فلئن قیل: الفعل له عین أیضا موجودة، فکیف یصحّ أن یکون مرجع الذمّ - و هو العین من حیث هی - غیر مذمومة.
قلنا: إنّ عین الفعل من حیث إنّها عین غیر مذمومة، و إنّما اکتسب ذلک من النسبة التی له إلى عین تلک الصورة، و أشار إلى ذلک الإستکشاف بقوله: و لا فعل إلا للّه، و مع هذا ذمّ منها ما ذمّ (ص).
(5) . و لا مؤثّر فی الوجود إلاّ اللّه (جامی).
(6) . أی من الأفعال (جامی).
(7) . أی ذمّ الفعل من العین و اکتسب منها ذلک عند نسبته إلیها.
(8) . و فی بعض النسخ: «و حمد منها» ثمّ إنّه یمکن أن یقال: إنّ منشأ الذّم إذا کان مجرّد نسبة الفعل إلى العین فکیف یکون الفعل منها محمودا تارة و مذموما أخرى؟
عیّن کیفیّة ذلک التمیّز و التفصیل بقوله: «و لسان الذمّ على جهة الغرض» (ص).
(9) . و حمد منها ما حمد، أی من عین الإنسان، إذا أضیف إلیها الفعل، فإنّه یذمّ و یحمد. (جندی).
(10) . الموجد بحسب استعدادات الأعیان.
جلد: 2، صفحه: 1082
و قیل: معناه، ذمّ من الأعیان ما ذمّ1 و حمد ما حمد إذا اضیف2 إلیها الفعل، و الأوّل أنسب لما نفى الفعل عن العبد.
(و لسان الذمّ على جهة الغرض3 و4 مذموم عند اللّه).
أی، إذا ذمّ أحد شیئا لا یوافق غرضه و جعله مذموما فذلک الذمّ مذموم عند اللّه؛ لأنّ صاحبه واقف عند غرضه و حظّ نفسه، بخلاف ما یذمّه الشرع فإنّه اخبار عمّا فی نفس الأمر على ما هو علیه، و لا غرض للشارع فی ذلک.
(فلا مذموم إلاّ ما ذمّه الشرع5، فإنّ ذمّ الشرع لحکمة6 یعلمها اللّه أو من أعلمه اللّه)، و هذا تصریح منه على أنّ الحسن و القبح شرعی7 لا عقلی8.
(کما شرع القصاص للمصلحة ابقاء لهذا النّوع، و ارداعا للمتعدّی حدود اللّه فیه)9
________________________________________
(1) . أی ذمّ باعتبار صراط اللّه الجامع و إن کان محمودا باعتبار صراط ربّه الخاصّ به.
(2) . أی أضیف إلیها الفعل الذی صدر باعتبار تعیّن الخاصّ و الماهیّة.
(3) . بأن ذمّ أحد شیئا لا یوافق غرضه (جامی).
(4) . أی لغرض من الذامّ بخصوصه، لا على جهة العموم و حفظ صورة الجمعیّة (ص).
(5) . الحافظ لتلک الصورة، فإنّه الکاشف عن أحکام الأعیان و أوصافها، إذ زمام أمر الإظهار أنّما هو بیده، و هو الذی یتمکّن من إظهار بعض الأشیاء بالحمد له و إخفاء الآخر بذمّه.
و بیان ذلک أنّک قد عرفت أنّ الأمر المقتضی لإیجاد المکونّات - عینا کانت أو حکما - له مدرجتان فی التنزیل:
إحداهما: ذاتیّة بلا واسطة، إنّما یتوجّه إلى تحقّق الأعیان فقط، و هو المشیئة، و الذی یتوجّه لتحصیله هو الشیء و هو لکونه ذاتیّا لا تخلّف.
و الأخرى: بالواسطة و هی أنّما یتوجّه إلى أحکام الأعیان و أوصاف أفعالها، و هو التشریع، و الذی یتوجّه لتحصیله هو الشرع (ص).
(6) . أی لحکمة دقیقة لا یطّلع علیها بالقوّة البشریّة (ص).
(7) . أی یکشفه الشرع لا العقل، لعلمه تعالى بلواز مهما دون العقل، و لیس المراد أن یجعله الشرع حسنا من غیر اقتضاء ذاته أو قبیحا من دون اقتضاء ذاته؛ لأنّ الترجیح بلا مرجّح باطل (الأستاذ محمّد رضا قمشهاى - رض -).
(8) . راجع ص 302 من کشف المراد بتصحیحنا و تعلیقتنا علیه.
(9) . أی فی هذا النوع، و قیل: المعنى فیه أیضا، أی فی القصاص ورد قوله تعالى: وَ لَکُمْ فِی اَلْقِصٰاصِ حَیٰاةٌ... (جامی).
جلد: 2، صفحه: 1083
أی: فی هذا المعنى نزل (وَ لَکُمْ فِی اَلْقِصٰاصِ حَیٰاةٌ یٰا أُولِی اَلْأَلْبٰابِ1 و2 و هم اى اولوا الألباب أهل لبّ الشیء الذین عثروا) أی: اطّلعوا (على أسرار النوامیس الإلهیّة) أی: الشرائع الإلهیّة (و الحکمیّة) أی: الأحکام التی یقتضیها العقل.
أی، اولوا الألباب هم الذین عرفوا أسرار الوجود و حکم الأحکام الشرعیة و العقلیة کلّها.
________________________________________
(1) . البقرة (2):179.
(2) . فخصّ الخطاب بأولی الألباب تنبیها على أنّ هذا السرّ أنّما یختصّ به هؤلاء (ص).