شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و اعلم، أنّ سرّ الحیاة5 سرى فی الماء، فهو6 أصل العناصر7
________________________________________
(5) . اعلم أنّ سرّ الحیاة إذا تمثّلت و تجسّدت ظهرت بصورة الماء و کذا العلم الذی هو الحیاة الحقیقیّة، و هو معنى قوله: سرّ الحیاة سرى فی الماء. و لمّا کان أصل الکلّ الحیاة و العلم، و الماء صورتهما، جعل أصل العناصر الماء، فإنّ الحیاة التی هی عین الذات الأحدیّة تمثّلت بصور الأرواح ثمّ تنزّلت إلى صور الطبائع، ثمّ تمثّلت بصور العناصر فثبت أنّ من الماء الذی هو صورة الحیاة کلّ شیء حیّ (ق).
(6) . أی الماء (جامی).
(7) . التى واحد منها الماء المتعارف، فیلزم من ذلک أن یکون أصلا للمولّدات أیضا؛ لأنّ أصل الأصل أصل، و منها السماوات السبع؛ لأنّها عنصریّة على مذهب الشیخ - رض - (جامی).
جلد: 2، صفحه: 1101
و الأرکان،1 و لذلک2 جعل اللّه من الماء کلّ شیء حیّ، و ما ثمّ3 شیء إلاّ و هو حیّ، فإنّه ما من شىء إلاّ و هو یسبّح بحمد اللّه و لکن لا یفقه تسبیحه إلاّ بکشف إلهیّ، و لا یسبّح إلاّ حیّ).
سرّ الحیاة هو الهویّة الإلهیّة الساریة فی جمیع الاشیاء بظهورها فی النفس الرحمانى أوّلا، و بسریانها بواسطته فی کل4 شیء حصل منه ثانیا، و ذلک لأنّ سرّ الشیء غیبه المستور فیه و معناه الظاهر بصورته.
و یجوز أن یراد5 به نفس الحیاة و حقیقتها، أی حقیقة الحیاة ساریة فی الماء و کلاهما متقاربان لأنّ الهویّة الإلهیّة هی المتجلّیة بالصفة الحیوانیّة لا غیرها.
و إنّما جعل الماء أصلا لغیره من العناصر و الأرکان، لما نطق به الحدیث النبوی: من أنّ اللّه خلق درّة بیضاء، فنظر إلیها بنظر الجلال و الهیبة فذابت حیاء فصار نصفها ماء و نصفها نارا، فحصل منهما دخان فخلق السماوات من دخانها و الأرض من زبدها.
قیل6: الدرّة هی العقل الأوّل.
و فیه نظر؛ لأنّ7 ماذاب و صار شیئا آخرا لا یکون8 باقیا على تعیّنه الذاتی، و العقل الأوّل باق على تعیّنه لا یقبل التغیّر أصلا، بل المراد بها ما قبل صور العناصر من9 الهیولى العنصریّة، و اللّه أعلم.
و لأجل سریان هذه الحیاة الذاتیة فی الماء جعل اللّه من الماء کلّ شیء حیّ، أی: کلّ
________________________________________
منها السماوات السبع؛ لأنّها عنصریّة على مذهب الشیخ - رض - (جامی).
(1) . أی سائر أرکان العالم من العرش و الکرسی (جامی).
(2) . أی لسریان سرّ الحیاة فی الماء (جامی).
(3) . أی فی الوجود.
(4) . أی ذلک الشیء.
(5) . بسرّ الحیاة.
(6) . و القائل هو العارف الکاشانی - قده - فی شرحه على الفصوص.
(7) . موصولة.
(8) . خبر «أنّ».
(9) . بیان لقوله: «ما قبل».
جلد: 2، صفحه: 1102
ما له حیاة خلق من الماء؛ إذ النطف التی یخلق الحیوان منها ماء.
و ما یتکوّن بغیر توالد فهو أیضا بواسطة المائیّة المتعفنة، و کذلک النباتات أیضا لا تنبت إلاّ بالماء، و لمّا کان کلّ ما هو فی الوجود مسبّح لربّه تعالى بالنصّ الإلهیّ، و لا یسبّح إلاّ الحیّ، قال:
(فکلّ شیء حیّ، فکلّ شیء الماء أصله، ألا ترى العرش1 کیف کان على الماء2، لأنّه3 منه4 تکوّن فطفا علیه)5 و6.
أی، علا و ارتفع علیه، و المراد بالماء الذی هو أصل کلّ شیء النفس الرحمانی الذی هو الهیولى الکلّی و الجوهر الأصلی، کما تقدّم أنّ صور جمیع الاشیاء حاصلة علیه، لا الماء المتعارف فهو الماء الذی کان عرش اللّه علیه، إذ العرش کما یطلق و یراد به الفلک الأطلس7، کذلک یطلق و یراد به الملک8، کما قال الشیخ (رضى اللّه علیه) فی الباب الثالث عشر من (الفتوحات): «إنّ العرش فی لسان العرب یطلق على الملک، یقال:
________________________________________
(1) . و هو أوّل الأجسام (جامی).
(2) . المراد بالعرش: العرش الجسمانی، أی الفلک الأطلس، و إنّما تکوّن من الماء؛ لأنّ اللّه تعالى خلق أوّل ما خلق درّة بیضاء فنظر إلیها بعین الجلال فذابت حیاء، فصار نصفها ماء و نصفها نارا، فکان عرشه على الماء، أی ذلک الماء، فالدّرة هی العقل الأوّل، الذی تکوّن منه جمیع الأکوان و النظر إلیه بعین الجلال احتجاب الحقّ تعالى بتعیّنه، فإنّ نظر الجمال تجلّی الوجه إلالهی بنوره، و نظر الجلال تستره لغیره و ذوبانه تلاشیه بماهیّته الإمکانیّة العدمیّة، و تکوّن الأشیاء منه، فإنّه کالهیولى لجمیع الممکنات، و النصف الناری تکوّن الأرواح منه بالتعیّنات النوریّة، و النصف المائی الأجسام منه، فإنّ الهیولى هو البحر المسجور المملوء بالصور، فکان العرش على ذلک الماء. و لمّا کان العقل الأوّل الذی هو أصل الکلّ عین الحیاة، و العلم و الماء مثالهما، صحّ أنّ أصل الکلّ الماء (ق).
(3) . أی العرش (جامی).
(4) . أی من الماء (جامی).
(5) . لأنّه ظهر منه، و الظاهر لا بدّ و أن یکون طافیا على أصله (ص).
(6) . أی ظهر، ظهور العرش على ماء الهیولى، فإنّ کلّ ما طفى على الماء ظهر و بطن الماء تحته، و کذا بطن الهیولى بظهور صور الأجسام فیها (ق).
(7) . و هو العرش الجسمانی الذی من مظاهر العرش الروحانی.
(8) . و قد تقدّم فی الفصّ الداودی: «جعل أبو طالب المکیّ المشیئة عرش الذات».
جلد: 2، صفحه: 1103
«ثل عرش الملک» أی دخل خلل فی ملکه، و یطلق و یراد به السریر».1
و نقل2 عن غیره3 أیضا من أکابر الأولیاء بعد هذا الکلام بقلیل أنّ العرش الذی على الماء هو الملک، و لکون العرش الجسمانی صورة من الصور الفائضة على الهیولى یصدق4 علیه أیضا أنّه على الماء، کما أشار إلیه قوله تعالى: وَ اَلْبَحْرِ اَلْمَسْجُورِ5، أی: الممتلئ من الموجودات، و هو البحر الذی موجه صور الأجسام کلّها.
و إنّما أطلق اسم الماء علیه6 لأنّ الماء العنصری مظهر له، لذلک اتصف7 بصفاته فصار مادّة لجمیع ما فی العالم الجسمانی من السماوات و الأرض و النبات و الحیوان.
و أیضا لمّا أطلق علیه8 النفس مجازا تشبیها بالنفس الانسانی، أطلق اسم الماء علیه مجازا؛ لأنّ النفس بخار، و البخار أجزاء صغار مائیّة مختلطة بأجزاء هوائیّة، فحصل أنّ الماء کما یطلق على الماء المتعارف، کذلک یطلق على الهیولى، و على النفس الرحمانی الذی هو هیولى جمیع العالم و أصله.
و لا یقال9: إنّ المراد بالماء الذی علیه العرش و الذی هو أصل العناصر هو العلم، و إن کان یتجسد فی المثال بصورة الماء.
لأنّ المراد بیان أصل الموجودات فی الخارج، لا فی العلم.
(فهو10 یحفظه من تحته، کما أنّ الانسان خلقه اللّه عبدا فتکبّر على ربّه و علا علیه،
________________________________________
(1) . هذا الباب فی معرفة حملة العرش. ج 1 ص 147 ط 1 بمصر.
(2) . الشیخ - ره -.
(3) . و هو ابن مسرّة الجبلی کما تقدّم فی الفصّ الإبراهیمی.
(4) . أی على العرش الجسمانی.
(5) . الطور (52):6.
(6) . أی على النفس الرحمانی.
(7) . أی الماء العنصری.
(8) . أی على النفس الرحمانی.
(9) . و القائل هو العارف المولى عبد الرزاق الکاشانی فی الشرح.
(10) . أی الهیولى تحفظ الصور العرشیّة من تحته (ق).
جلد: 2، صفحه: 1104
فهو سبحانه مع هذا یحفظه من تحته1 بالنظر إلى علوّ هذا العبد الجاهل بنفسه)2 و3.
و فی بعض النسخ: (بربّه) و کلاهما صحیح؛ لأنّ الجاهل بالنفس جاهل بالربّ و بالعکس، أی: فالماء الذی هو النفس الرحمانی یحفظ هذا الملک و تعیّناته من تحته، أی باطنه، کما أنّ الحقّ سبحانه یحفظ الانسان الجاهل بنفسه و عبودیّته من باطنه و غیبه، نظرا إلى علو مرتبته من حیث حقیقته و مکانته الزلفى عند اللّه، و هو یدّعى الربوبیّة و یتکبّر على اللّه من جهله بنفسه و عبودیتها؛ إذ لو لم یکن حفظ الحقّ تعالى له و للعالم کلّها - کلّه ظ - من الباطن لانعدم فی الحال، فإنّه بلا وجود عدم.
(و هو قوله علیه السّلام: «لو دلیتم یحبل لهبط على اللّه»4 فأشار إلى أنّ نسبة التحت إلیه5، کما أنّ نسبة الفوق إلیه).
و فی بعض النسخ: (کما نسبة الفوق إلیه)6 ف «ما» زائدة کقوله: فَبِمٰا رَحْمَةٍ مِنَ اَللّٰهِ7.
(فی قوله: یَخٰافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ 8وَ هُوَ اَلْقٰاهِرُ فَوْقَ عِبٰادِهِ9، فله الفوق و التحت)10.
________________________________________
(1) . تحتیّة متوهّمة له سبحانه (جامی).
(2) . فیکون الحقّ تحته بهذا الاعتبار فی ظنّ العبد الجاهل.
(3) . و هو المنهمک فی أحکام التفرقة الکونیّة، الحائر فی ظلمات کثرة الإمکان کما دلّ علیه کلام الخاتم حیث خاطب بالجمع، و هو قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلم: «لو دلّیتم بحبل...» (ص).
(4) . السنن للترمذی ج 5، ص 404، ح 3298.
(5) . ثمّ إنّه کان للّه بحسب أسمائه الحسنى عند التوجّه إلى کمالها مظهران - أحدهما: عند تمام أمر الظهور، و هو العالم بأسره و هیئته الجمعیّة الإحاطیّة هو العرش. و ثانیهما: عند کمال أمر الإظهار، و هو آدم بتمامه و هیئته الجمعیّة الإحاطیّة هو الإنسان العبد - أشار إلیهما فی إثبات نسبة التحت و إضافته إلى الحقّ، فأشار بکلامه إلى أنّ نسبة التحت إلیه کما نسب الفوقیّة إلیه (ص).
(6) . أی کنسبة الفوقیّة (جامی).
(7) . آل عمران (3):159.
(8) . النحل (16):50.
(9) . الأنعام (6):61.
(10) . و هما الجهتان الحقیقتیان اللتان قد حصلتا بظهور الحقّ، و أمّا باقی الجهات فلا تظهر إلاّ بالإنسان، الذی هو محلّ إظهار الحقّ تماما (ص).
جلد: 2، صفحه: 1105
أی، هذا المعنى المذکور، هو معنى قوله علیه السّلام: «لو دلیتم بحبل لهبط على اللّه»، و إنّما کانت نسبة الفوقیّة و التحتیة إلیه سواء؛ لأنّ الحقّ محیط بالظاهر و الباطن على العالم، فکما تنسب إلیه الفوقیّة تنسب إلیه التحتیّة، فله الفوق و التحت جمیعا، لأنّهما من جملة مراتبه الوجودیّة.
(و لهذا1 ما ظهرت الجهات الست إلاّ بالانسان2، و هو3 على صورة الرحمن)4 و5.
أی، و لکون نسبة الفوقیّة و التحتیّة، بل نسبة جمیع الصفات المتقابلة إلى اللّه تعالى سواء، ما ظهرت الجهات الست إلاّ بالانسان، لکونه هو المخلوق على صورة الرحمن الجامع للصفات المتقابلة.
و اعلم6، أنّه لو کان المراد بالظهور العلم بالجهات لکان غیر منحصر فی الانسان؛ لأنّ النفوس الفلکیّة أیضا عالمة بها، بل جمیع الحیوانات، فالأنسب أن یقول: المراد بالظهور التحقّق.
أی: لا یتحقّق بهذه الجهات المتقابلة بحسب المقام إلاّ الانسان؛ لأنّ جمیع مراتب الوجود مقاماته بخلاف غیره، فإنّ لکلّ منها مقاما معلوما لا یتعدّاه کما قال تعالى:
وَ مٰا مِنّٰا إِلاّٰ لَهُ مَقٰامٌ مَعْلُومٌ7.
فهو الذی فی السماء له ظهور، و هو الذی فی الأرض له ظهور، کما أنّ أصله الذی
________________________________________
(1) . أی لإحاطته بجمیع الجهات (جامی).
(2) . الذی هو موطن الظهور و الإظهار (ص).
(3) . أی الإنسان (جامی).
(4) . الجامع لتمام الأسماء، و کیف لا یکون الأمر على هذا و قد أفاد الذوق الصحیح أنّه لا مطعم إلاّ اللّه؟ (ص).
(5) . یعنى - رض - لمّا کانت نسبة الفوق و التحت إلیه سواء، فحفظه لعبده من تحته ما ینافی فوقّیته، فإنّه بإحاطته فوقه و تحته. (جندی).
(6) . إعلم أنّ الجهات الستّ الظاهرة أیضا مختصّة بالإنسان، و لسائر الأشیاء لا تکون بالحقیقة، الجهات السّت إلاّ بالمقایسة بالإنسان کما بیّن الشیخ الرئیس فی طبیعیات الشفاء، فلا یحتاج إلى توجیه الشارع من حمل الجهات على الجهات المعنویّة حتّى یصح الإختصاص بالإنسان.
(7) . الصّافات (37):164.
جلد: 2، صفحه: 1106
ظهر الانسان على صورته هُوَ اَلَّذِی فِی اَلسَّمٰاءِ إِلٰهٌ وَ فِی اَلْأَرْضِ إِلٰهٌ1.
و کذلک باقی الجهات، و قد مرّ تحقیقه فی المقدّمات2 من أنّ الحقیقة الانسانیّة هی التی ظهرت فی جمیع صور العالم.
________________________________________
(1) . الزخرف (43):84.
(2) . راجع الفصل الثامن.