شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و لو لم یکن العرش على الماء ما انحفظ وجوده، فإنّه بالحیاة ینحفظ وجود الحیّ، ألا ترى أنّ الحیّ اذا مات الموت العرفی تنحلّ أجزاء نظامه، و تنعدم قواه عن ذلک النظم الخاص؟)3 و4.
أمّا العرش الجسمانی، فلأنّه لو لا الهیولى القابلة للصورة الجسمانیة لما کان للصورة العرشیّة وجود ضرورة.
________________________________________
(3) . فإنّ لتلک الأجزاء و القوى نظما فی کلّ عالم بما یناسبه، و حیاة تقبله و توافقه؛ و لذلک قیّد الموت ب «العرفی»، و النظم ب «الخاصّ»، فظهر من هذه المقدّمات أنّ الماء هو مبدأ نظام الأجزاء و الأرکان و القوى، التی علیها بناء المزاج الشخصی و الهیئة الوحدانیّة الجمعیّة؛ و لذلک قال تعالى لأیّوب علیه السّلام حین أشرف مزاجه على الإنحلال و نظام أمره إلى الإختلال: اُرْکُضْ بِرِجْلِکَ (ص).
(4) . یعنی - رض - إذا عدم الحیّ الحیاة التى، الماء صورته انحلّت أجزاء نظامه؛ و ذلک لأنّ الحرارة الغریزیّة التی بها حیاة الحیّ أنّما تنحفظ بالرطوبة الغریزیّة، فحیاة الحرارة أیضا بالرطوبة و هی صورة الماء، فبفقدانه وجود الموت الذی هو إفتراق أجزاء الإنسان. (جندی).
جلد: 2، صفحه: 1108
و امّا العرش بمعنى الملک، فلأنّه لو لا النفس الرحمانی القابل لصور حقائق العالم لما کان شیء منها موجودا، فضلا عن دوامه.
و أمّا السماوات و الأرض التی کلّ منها عرش لاسم من الأسماء فلأنّه لو لا وجود الماء المتعارف لما کان شىء منها موجودا.
و قد تقدّم أنّ الهیولى و النفس الرحمّانی یسمّى فی اصطلاح أهل اللّه بالماء، کما سمّی الماء المتعارف به.
و لمّا کان الماء مظهرا للاسم الحیّ، و کلّ شیء حیّ، قال: (فإنّه بالحیاة ینحفظ وجود الحیّ) و الباقی ظاهر.
و لمّا کان ذکره من أوّل الفصّ إلى هنا تمهیدا للمقدّمات فی بیان حال أیّوب علیه السّلام قال.
(قال تعالى لأیّوب علیه السّلام: اُرْکُضْ بِرِجْلِکَ هٰذٰا مُغْتَسَلٌ بٰارِدٌ وَ شَرٰابٌ1، أی: ماء بارد و شراب لما کان علیه من افراط حرارة الألم، فسکّنه2 اللّه ببرد الماء)3.
أی، قال تعالى لأیّواب: اضرب برجلک الأرض لیظهر لک ماء تغتسل به بارد، مسکّن حرارة الآلام مطهّر لبدنک من الأمراض و الأسقام، فلمّا أتى بالمأمور به سکّن اللّه افراط الحرارة ببرودة الماء هذا ظاهره.
و أمّا باطنه فهو أمر بالریاضة و المجاهدة بضرب أرض النفس لیظهر له ماء الحیاة الحقیقیّة متجسدا فی عالم المثال، فیغتسل به فتزول من بدنه الأسقام الجسمانیّة و من قلبه الأمراض الروحانیّة.
فلمّا جاهد و صفا استعداده، و صار قابلا للفیض الإلهیّ، ظهر له من الحضرة الرحمانیّة ماء الحیاة فاغتسل به، فزال من ظاهره و باطنه ما کان سبب الحجاب و البعد عن ذلک الجناب.
________________________________________
(1) . ص (38):42.
(2) . أی أیّوب أو إفراط الحرارة (جامی).
(3) . و کسره شدّة حرارته و تعصیه لها (ص).
جلد: 2، صفحه: 1109
(و لهذا کان الطبّ1 النقص من الزائد و الزیادة فی الناقص، و المقصود2 طلب الاعتدال3، و لا سبیل إلیه إلاّ أنّه یقاربه).
أی، أزال الحقّ منه افراط الحرارة الذی کان سبب الآلام، لا الحرارة مطلقا و لهذا المعنى کان الطبّ و التداوی بالتنقیص من الکیفیّة الزائدة و الازدیاد من الناقصة، لیحصل المقصود و هو القرب من الاعتدال؛ إذ لا سبیل إلى الاعتدال الحقیقیّ4، إلاّ أنّ الطبیب یجعل المزاج قریبا من الاعتدال.
________________________________________
(1) . یعنی طبّه اللّه تعالى، بنقص حرارة الألم و زیادة البرد و السلام و سلم منها، فإن کانت - أعنی الآلام - نارا أوقدها الشیطان سبع سنین فی أعضاء أیّوب علیه السّلام فشفاه اللّه عنها بهذا الطبّ الإلهی. (جندی).
(2) . من ذلک النقص و الزیادة (جامی).
(3) . أی تساوى الزائد و الناقص (جامی).
(4) . أی إلى الإعتدال الحقیقی المطلق، الذی شهدت البراهین بامتناعه و استحالة تکوّنه (ص).