شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
فرجوع العبد إلى الواحد العین المزیل بالسبب ذلک الألم أولى من الرجوع إلى سبب خاصّ،
________________________________________
جلد: 2، صفحه: 1121
ربّما لا یوافق ذلک علم اللّه، فیقول: إنّ اللّه لم یستجب لی، و هو ما دعاه).
«ما» نافیة، أی: الحال أنّ العبد الداعی لم یدع الحقّ، بل دعا ما یطلق علیه اسم الغیریة و مال إلیه، و هو السبب القریب فی الصورة، و هذا معنى قوله:
(و إنّما جنح إلى سبب خاصّ لم یقتض الزمان1 و لا الوقت2 و3، فعمل أیّوب4بحکمة اللّه5 إذ کان نبیّا،6 لمّا علم7 أنّ الصبر: و هو حبس النفس عن الشکوى عند الطائفة)8 و9.
أی، عند علماء الظاهر و أهل السلوک الذین لم یصلوا إلى مقام التحقیق بعد.
(و لیس ذلک بحدّ للصبر عندنا، و إنّما حدّه حبس النفس10 عن الشکوى لغیر اللّه، لا إلى اللّه).
لأنّ الشکایة إلى الغیر تستلزم الاعراض عن اللّه، و عدم الرضا أیضا بأحکامه، و ذلک یستلزم ادّعاء العبد بالعلم بالأولویّة و کلّها مذمومة، و الشکایة إلى اللّه تستلزم إظهار العجز و المسکنة و الافتقار إلى اللّه، و إظهار أنّ الحقّ قادر على إزالة موجبات الشکوى، و کلّها محمودة.
(فحجب11 الطائفة نظرهم فی أنّ الشاکی یقدح بالشکوى فی الرضا بالقضاء،
________________________________________
(1) . خ ل: «لم یقتضه الزمان».
(2) . أی وقت الداعی و حاله (جامی).
(3) . اللذان هما مدارج تنزّل الصور العلمیّة إلى العین. هذا بیان تحقّقه بکمال العبودیّة و أنّه نعم العبد، و أمّا وجه أنّ هذا الدعاء لا یقدح فی صبره و أنّه صابر فقوله: «فعمل أیّوب بحکمة اللّه» (ص).
(4) . فی الدعاء لدفع الضرّ (جامی).
(5) . خ ل: «حکمة اللّه».
(6) . عارفا بحکمه و مصالحه فی جمیع الأفعال و الأحوال و المقامات (جامی).
(7) . على صیغة المبنیّ للمفعول (جامی).
(8) . الظاهریّة من الصوفیّة (جامی).
(9) . یعنی - رض - أنّ المتقدّمین من المشرقیّین من أهل التصوّف قالوا به. (جندی).
(10) . ظنّی أنّ لفظة «الواو» زائدة من إلحاق النسّاخ، و تکون «هو خبر» «إنّ» و لا یحتاج حینئذ إلى التوجیهات التی ذکرها الشّراح.
(11) . جواب «لمّا».
جلد: 2، صفحه: 1122
و لیس کذلک فإنّ الرضا بالقضاء لا تقدح فیه الشکوى إلى اللّه و لا إلى غیره، و إنّما تقدح فی الرضا بالمقضیّ،1 و نحن ما خوطبنا بالرضا بالمقضیّ،2 و الضرّ هو المقضیّ ما هو عین القضاء)3.
أی، و إنّما منع هذه الطائفة عن الشکایة نظرهم فى أنّ من یکون شاکیا لا یکون راضیا بالقضاء، سواء کانت الشکایة إلى اللّه أو إلى غیره، و لیس کذلک لأنّ القضاء حکم اللّه فی الأشیاء على حدّ علمه بها، و ما یقع فی الوجود المقضیّ4 به الذی یطلبه عین العبد باستعداده من الحضرة الإلهیّة.
و لا شکّ أنّ الحکم غیر المحکوم به و المحکوم علیه، لکونه نسبة قائمة بهما، فلا یلزم من الرضا بالحکم الذی هو من طرف الحقّ الرضا بالمحکوم به، و من عدم الرضا بالمحکوم به لا یلزم عدم الرضا بالحکم.
و إنّما لزم الرضا بالقضاء لأنّ العبد لا بدّ أن یرضى بحکم سیّده، و أمّا المقضیّ به فهو مقتضى عین العبد سواء رضى بذلک أو لم یرض، کما قال: «من وجد خیرا فلیحمد اللّه، و من وجد دون ذلک فلا یلومنّ إلاّ نفسه.
و لو قال قائل: المقضیّ به لازم للقضا، و عدم الرضا باللازم الذی هو المقضیّ به یوجب عدم الرضا بملزومه الذی هو القضاء.
نقول: إنّ القضاء هو الحکم بوجود مقتضیات الأعیان و أحوالها، فوجودها لازم للحکم لا نفسها5.
________________________________________
(1) . راجع الأسفار ج 6 ص 382.
(2) . إذ المقضى به أمر یقتضیه عین المقضى و حاله و استعداده، و القضاء حکم اللّه بذلک، و هما متغایران، فلا یلزم من الرضا بحکم اللّه الرضا بالمحکوم به، فإنّه مقتضى حقیقة العبد المقضیّ علیه لا مقتضى حکم اللّه (المولى عبد الرزاق القاسانی).
(3) . یشیر - رض - إلى أنّ القضاء حکم اللّه بمقتضى حقیقة المقضیّ علیه و حاله و استعداده بالمقضى به، کان ما کان، فالقضاء و هو الحکم غیر المقضى به و هو المحکوم به، فلا یلزم من الرضا بحکم اللّه الرضا بالمحکوم به؛ لتغایرهما، فإنّ المتغایرین متفارقان بما هما متغایران. (جندی).
(4) . أی هو المقضیّ.
(5) . أی هاهنا أمران: أحدهما: إیجاد الأعیان الثابتة فی الخارج.
و ثانیهما: ما تقتضیها تلک الأعیان.
و الأوّل قضاؤه المبرم، فلا بدّ للعبد أن یرضى بقضاء سیّده. و الثانی لیس بمجعول بالذات، فإن اللّه، ما جعل المشمشة - مثلا - مشمشة، بل أوجدها، فالرضا بالقضاء أمر و عدم الرضا بالمقضیّ - أی بما تقتضیه العین الثابتة - أمر آخر.