شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و إن کانت الرحمة جامعة7، فإنّها بالنسبة إلى کلّ اسم إلهیّ8 مختلفة، فلهذا
________________________________________
(7) . لأنواع الرحمة (جامی).
(8) . فإنّ رحمة المعزّ غیر المذلّ و الضارّ غیر النافع مغایرة بالحقیقة لتضادّ ما یترتّب علیها من الأحکام و الآثار (ص).
جلد: 2، صفحه: 1161
یسأل سبحانه أن یرحم بکلّ اسم إلهیّ، فرحمه اللّه1).
«یسأل» على المبنی للمفعول، و «ان یرحم» على المبنی للفاعل، أی: الرحمة الذاتیّة و إن کانت جامعة لجمیع أنواع الرحمة، لکنّها تختلف بالنسبة إلى الأسماء المختلفة، إذ کلّ منها یرحم مظهره و داعیه بما یخصّه و یعطی حقیقته.
«فلهذا» أی: فلأجل هذا الاختلاف، یسأل الحقّ سبحانه أن یرحم بکلّ واحد من أسمائه، فیرحم اللّه ذلک السائل بالاسم الذی سأل.
«فرحمه اللّه» بمعنى یرحمه اللّه، کما یقال فی الدعاء: «رحمه اللّه»، و یجوز أن یکون بالتاء و الاضافة إلى اللّه، أی فرحمة اللّه.
(و الکنایة هی التی وسعت کلّ شیء).
الکنایة هی ضمیر المتکلّم فی قوله: وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ2، و المخاطب فی قوله: رَبَّنٰا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً3، أی: رحمة اللّه و الذات التی الکنایة تدلّ علیها هی التی وسعت کلّ شیء، إذ رحمته عین ذاته کما مرّ آنفا.
(ثمّ لها4 شعب کثیرة5 تتعدّد بتعدّد الأسماء الإلهیّة، فما تعمّ6 بالنسبة إلى ذلک الاسم الخاصّ الإلهیّ7 فی قول السائل: «ربّ ارحم»8، و غیر ذلک من الأسماء9، حتّى «المنتقم» له أن یقول: «یا منتقم ارحمنی»).
________________________________________
(1) . على ما عبّر عنه لسان الخاتم الناطق بالقول الثابت بقوله تعالى: رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ الأعراف (7): 156 و التعبیر عن الرحمة بصیغة الماضی إشارة إلى ما مهّد من شمول الرحمة بسؤال القابل و إمکانه، فلها تقدّم ذاتیّ على السؤال و إن تأخّر وجودا و حکما (ص).
(2) . الأعراف (7):156.
(3) . غافر (40):7.
(4) . أی للرحمة (جامی).
(5) . و لکلّ شعبة منها اختصاص باسم خاصّ (جامی).
(6) . الرحمة جمیع شعبها إذ اعتبرت بالنسبة إلى ذلک الاسم الخاصّ الإلهى الذى هو الربّ مثلا فى قول السائل رب ارحم (جامی).
(7) . الذی به تتخصّص سواء کان ظاهر الاندراج فی حیطة الرحمة کما فی قول السائل (ص).
(8) . طالبا منه تربیته فی مراتب الکمال (جامی).
(9) . الخفیّة الاندراج (ص).
جلد: 2، صفحه: 1162
«ما» فی قوله: (فما تعمّ) للنفی، أی: ثمّ للرحمة الإلهیّة شعب کثیرة تتعدّد بتعدّد الأسماء الإلهیّة، أی إذا قال السائل: «ربّ ارحمنی» أو «یا اللّه ارحمنی»، أو غیر ذلک من الأسماء، حتّى للسائل أن یقول: «یا منتقم ارحمنی»، فما تعمّ الرحمة و إن کان الاسم المدعوّ من الأسماء الجامعة1 کالاسم «اللّه» و «الرحمن» و «الربّ».
أی، لیس المطلوب بالرحمة من جمیع الأسماء معنى عامّا شاملا للکلّ، بل معنى خاصّا، فإنّک إذا قلت: «یا ربّ ارحمنی» ترید أن یجعلک موصوفا بالکمالات، و إذا قلت: «یا منتقم ارحمنی» ترید أن یخفّف عنک العذاب.
(و ذلک لأنّ هذه الأسماء تدلّ على الذات2 المسمّاة، و تدلّ بحقائقها3 على معان مختلفة، فیدعو4 بها5 فی الرحمة).
أی، فیدعو الداعی بتلک الأسماء فی طلب الرحمة.
(من حیث دلالتها على الذات المسمّاة بذلک الاسم6 و7 لا غیر).
ذلک إشارة إلى قوله: (فما تعمّ) أی: فما تعمّ الرحمة؛ لأنّ الأسماء تدلّ على الذات و تدلّ بحقائقها، أی بما تتمیّز به عن غیرها على المعانی المختلفة.
فدعاء الداعی بتلک الأسماء فی طلب الرحمة انّما هو من حیث انّها تدلّ على الذات المسمّاة بها لا غیر، أی نظر الداعی فی دعائه انّما هو إلى الذات المسمّاة بالاسماء فقط، أیّ اسم کان.
________________________________________
(1) . الجامعة من حیث الجمعیّة أیضا خصوصیته.
(2) . الإلهیّة، المسمّاة بها بحسب تخصّص الشارع أو إرادة الداعی، فإنّها بحسب اللغة موضوعة لذات مبهمة غایة الإبهام یحتمل الذات الإلهیّة و غیرها (جامی).
(3) . أی بسبب مفهوماتها الکثیرة المغایرة و الدالّة علیها على معان (جامی).
(4) . السائل.
(5) . أی بکلّ اسم من تلک الأسماء فی طلب الرحمة (جامی).
(6) . لأنّ قبلة الحاجات و وجهة استجابة الدعوات أنّها هی تلک الذات (جامی).
(7) . لامن حیث دلالتها على الأسماء المتقابلة و خصوصیّاتها الامتیازیّة، فالرحمة المدعوّ بها فى کل اسم دلالة على الذات باعتبار خصوصیّة ذلک الاسم (ص).
جلد: 2، صفحه: 1163
(لا بما یعطیه1 و2 مدلول ذلک الاسم الذی ینفصل3 به عن غیره4، و یتمیّز5).
أی، لا بالخصوصیات المتکثّرة المتمیّز بعضها عن بعض.
(فإنّه6 لا یتمیّز7 عن غیره، و هو عنده دلیل الذات)8 و9.
أی، فإنّ الاسم الخاصّ لا یتمیّز عن غیره من حیث إنّه یدلّ على الذات الواحدة، و «هو عنده» أی: ذلک الاسم الخاصّ عند السائل دلیل بالذات، و لیس نظره إلاّ إلى الذات فإنّها قبلة الحاجات، و إن کان المسؤول لا یصدر من الذات إلاّ على ید الاسم الخاصّ من حیث خصوصیّته.
(و إنّما یتمیّز) أی: الاسم الخاصّ (بنفسه10 عن غیره لذاته11؛ إذ المصطلح علیه12بأیّ لفظ کان13 حقیقة متمیّزة بذاتها عن غیرها).
أی، و إنّما یتمیّز الاسم الخاصّ بنفسه عن غیره لذاته، إذ الحقیقة المصطلح علیها بالألفاظ - بأیّ لفظ کان - متمیّزة بذاتها عن غیرها، ألا ترى أنّ العلیم متمیّز عن القادر بعین العلم، و القادر متمیّز عنه بعین القدرة، و الکلّ فی الدلالة على الذات الإلهیّة غیر
________________________________________
(1) . ذلک الاسم فقط بدون دلالتها على الذات فإنّه هو الذی ینفصل (ص).
(2) . أی لا لمجرّد خصوصیّة یقتضیها مدلول ذلک الاسم (جامی).
(3) . الاسم (جامی).
(4) . من الأسماء (جامی).
(5) . و هذه الحیثیّة لإشعارها بالغیر لا تصلح لأن تکون دالّة على الذات (ص).
(6) . أی ذلک الاسم (جامی).
(7) . بما تعطیه من الخصوصیّة (جامی).
(8) . الإلهیّة، أی لا یتمیّز عن غیره بخصوصیّة مدلوله حین قصد دلالته على الذات الإلهیّة (جامی).
(9) . أی من حیث التمیّز، و عند کونه ممیّزا لا یصلح للدلالة، و هذا منشأ التفرقة بین الأسماء الإلهیّة التی عیّنها الشارع لأن یدعو بها الحقّ و بین الأسماء الکیانیّة التی لا رخصة فیها لذلک من الشارع، على أنّ الکلّ أسماء الحقّ، فإنّ الدالّ منها على الخصوصیّة الامتیازیّة أنّما یدلّ على نفسه الممتازة عن الغیر (ص).
(10) . أی بحسب مفهومه الاصطلاحی (جامی).
(11) . من غیر اعتبار خصوصیة خارجة عنه، إذ المعنى المصطلح (جامی).
(12) . یعنی الموضوع له (جامی).
(13) . عربیّ أو عبری إذا لم یکن من الألفاظ المترادفة (جامی).
جلد: 2، صفحه: 1164
متمیّز، و إلیه أشار بقوله:
(و إن کان الکلّ1 قد سیق2 و3 لیدلّ على عین واحدة مسمّاة4، و لا خلاف فی أنّه لکلّ اسم حکم لیس للآخر، فذلک5 أیضا ینبغی أن یعتبر کما تعتبر دلالتها على الذات المسمّاة)6.
أی، و لا خلاف فی أنّ لکلّ اسم حکما یختصّ به و لیس ذلک للآخر، فذلک الحکم أیضا ینبغی أن یعتبره السائل کما اعتبر الذات؛ و ذلک لأنّ السائل لا بدّ له من مطلوب یطلبه، فینبغی أن یطلب ذلک من الذات باسم یعطی بخصوصیّة مطلوبه، کالمریض إذا دعا «یا اللّه» أو «یا رحمن» ینبغی أن یعتبر الشفاء، لیقضی اللّه حاجته على ید الشافی.
________________________________________
(1) . أی کلّ واحد من الأسماء (جامی).
(2) . أی استعمل (جامی).
(3) . فی نفس الأمر بدون اعتبار من الوضع و الاصطلاح (ص).
(4) . و هی الذات الإلهیّة (جامی).
(5) . الحکم (جامی).
(6) . و الحاصل أنّ الألفاظ لها فی نفسها دلالة على الذات المسمّاة و على الخصوصیّة الامتیازیّة، فإذا اعتبر لها هذان المعنیان فهی أسماء الحقّ، و إن کان باعتبار الوضع و الاصطلاح و جعل الجاعل لیس لها إلاّ الدلالة على الخصوصیّة فقط.
ثمّ إنّه إذا کان لکلّ اسم فی نفسه - بدون اعتبار الخارج من الوضع و الجعل له - دلالة على الذات المسمّاة تکون له جهة جمعیّة الأسماء کلّها؛ و لهذا قال أبو القاسم بن قسى الخ (ص).