شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و أمّا العقل السلیم1 فهو إمّا صاحب تجل إلهیّ2 فی مجلى طبیعی3 فیعرف ما قلناه، و إمّا مؤمن مسلم4 یؤمن به، کما ورد فی الصحیح).
العقل السلیم هو القلب الساذج من العقائد الفاسدة الباقی على الفطرة الأصلیّة، فهو إمّا صاحب تجلّ إلهیّ، أی: ذو کشف و عیان فی هذه النشأة العنصریّة و الصورة الطبیعیّة، و إمّا مؤمن بالرسل و أهل الکشف مسلّم أمره إلیهم منقاد بأوامرهم.
فإن کان صاحب تجلّ فهو عارف بشهوده حقیقة ما قلناه من أنّ الأمر منقسم إلى مؤثّر و مؤثّر فیه، و المؤثّر فی جمیع الحضرات الکونیّة و الإلهیّة هو اللّه، و المؤثّر فیه فی کلّها هو الأعیان، و لا بدّ أن یسند کلّ منهما إلى أصله.
و إن کان مؤمنا بالرسل و الأولیاء، فیؤمن به کما ورد فی الصحیح: «انّ العبد لا یزال یتقرّب إلى بالنوافل حتّى احبّه»5 الحدیث.
(و لا بدّ6 من سلطان الوهم أن یحکم على العاقل الباحث7 فیما جاء به الحقّ فی هذه الصورة8، لأنّه مؤمن بها9).
________________________________________
(1) . السلیم عمّا یعوقه عن کماله (ص).
(2) . إذا وفّق لما قدّر لأصل استعداده من إدراک الحقائق کلّها - على ما هی علیه - فهو فى مجلى طبیعی (ص).
(3) . أی صورة إنسانیة قائمة.
(4) . یلقی السمع لصاحب التجلّی فهو یؤمن به (ص).
(5) . بحار الأنوار، ج 75، ص 155، ح 25.
(6) . فما بقى إلاّ صاحب النظر و الاستدلال، فإنّه غیر مؤمن بإلقاء السمع إلى صاحب التجلّی، و لا بالغ عقله إلی کماله الطبیعی و حینئذ لابدّ من سلطان الوهم أن یحکم على العاقل الباحث ضرورة نفاذ أمره فی هذه النشأة و عدم انقهاره أصلا، فیکون تحت حکمه (ص).
(7) . أی الذی هو بصدد بحث و تفتیش (جامی).
(8) . التی تجلّى فیها الحقّ نوما و یقظة (جامی).
(9) . هذا على تقدیر أن یکون الباحث من حکماء الإسلام و المتکلّمین من الملیّین فامّا إذا لم یکن منهم کالفلاسفة الذین قصروا طریق الاستفاضة على النظر المجرّد و البحث البحت، فإلیه أشار بقوله: «و أمّا غیر المؤمن» (ص).
جلد: 2، صفحه: 1186
المراد بالصورة: الصورة التی تجلّى بها الحقّ فی النوم، أو صورة الرسل، أی: و لا بدّ أن یحکم الوهم بحقیقة ما أدرکه و شاهده من الصور المرئیّة فی النوم أو الیقظة على العاقل، المؤمن بالرسل الطالب1 تحقیق ما آتاه الحقّ من هذه الصورة المثالیّة،2 و3 أو الصورة الکاملة الانسانیّة من الآیات و الأخبار الدالة على تجلّیات الحقّ بالصور الحسیّة و المثالیة.
لأنّ هذا العاقل مؤمن بأنّ تلک الصورة المرئیّة صورة الحقّ، أو بالرسل4 و الشرائع المنزلة بالتنزیه الذی یحکم به العقل، و التشبیه الذی یحکم به الوهم.
(و أمّا غیر المؤمن فیحکم على الوهم بالوهم، فیتخیّل بنظره الفکری أنّه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلک التجلّی فی الرؤیا، و الوهم فی ذلک5 لا یفارقه6 من حیث لا یشعر بغفلته عن نفسه).
أی، و أمّا العاقل الذی لا ایمان له بالرسل و الشرائع، و هو صاحب العقل المشوب بالوهم، فیحکم على بطلان ما حکم به الوهم من إثبات الصور على اللّه بالوهم الذی هو مشوب بعقله، لأنّ العقل إذا تنوّر بنور الکشف أو الایمان یدرک ما هو الأمر علیه، و عند عدم الایمان بالشرائع لا یخلص عن حکم الوهم.
فیتخیّل أنّ ما أعطاه التجلّی فی الرؤیا من الصورة مستحیل لما أعطاه نظره الفکری ذلک، فأبطل حکم الوهم بتوهّمه الفاسد و هو لا یشعر بذلک، لعدم علمه بنفسه و أحکامها.
(و من ذلک قوله: اُدْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ7، قال اللّه تعالى: وَ إِذٰا سَأَلَکَ عِبٰادِی
________________________________________
(1) . هذا تفسیر قوله: «الباحث».
(2) . هذا على تقدیر کون المراد بالصورة صورة الرسل.
(3) . أی أو من الصورة.
(4) . أی أو مؤمن بالرسل.
(5) . أی ذلک الحکم (جامی).
(6) . أی لا یفارق ذلک الحاکم العاقل.
(7) . غافر (40):60.
جلد: 2، صفحه: 1187
عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعْوَةَ اَلدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ1؛ إذ لا یکون مجیبا إلاّ إذا کان من یدعوه).
أی، و من ذلک القبیل المذکور و هو قوله: (إنّ الأمر منقسم إلى مؤثّر و مؤثّر فیه)، قوله تعالى: اُدْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ أُجِیبُ دَعْوَةَ اَلدّٰاعِ؛ لأنّ أمر الوجود منقسم إلى مؤثّر و متأثر، و الداعی هو القابل المتأثر، و المجیب هو الفاعل المؤثّر.
و کما أنّ الفاعل لا یکون فاعلا إلاّ بالقابل، کذلک لا یکون المجیب مجیبا إلاّ إذا حصل من یدعوه، و (ذلک)2 إشارة إلى قوله: (إنّ الأمر منقسم)، و «کان» فی قوله: (إلاّ إذا کان من یدعوه) تامّة.
_______________________________________
(1) . البقرة (2):186.
(2) . فی قول الشیخ (رض).