شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(و إنّما کانت هذه التغیّرات منها) أی: من المرآة (لاختلاف مقادیر المرائی).
هذا تصریح بوجه التشبیه، و تقدیره: أنّ المرآة مع أنّها خالیة عن الصور التی تظهر فیها لها أثر فی الصور الظاهرة فیها، و ذلک ردّها إیّاها متغیّرة الشکل فی الصغر و الکبر و الطول و العرض و الاستدارة و غیرها، فکلّ من الرائی و المرآة مؤثّر من وجه و متأثر من آخر.
فکذلک للحقّ أثر فی الصور الظاهرة فی مرآة ذاته، و ذلک بواسطة تجلّیاته العینیّة و شؤونه الذاتیّة.
و لصور العالم أثر و هو بواسطة تفاوت أعیانهم، و اختلاف استعداداتهم الموجبة لاختلاف عقائدهم، فلابدّ للعارف أن یلحق الأثر الإلهیّ إلى حضرته، و الأثر الکونی إلى حضرته.
(فانظر فی المثال مرآة واحدة) أی: حال کونه مرآة واحدة (من هذه المرائى5لا بنظر الجماعة).
________________________________________
(5) . المرائی جمع مرآة کما قال الشارح سابقا.
جلد: 2، صفحه: 1190
أی، بنظر الکامل الجامع للعقائد لا بنظر الجماعة من المعتقدین بالاعتقادات الجزئیّة، و فی بعض النسخ (لا تنظر الجماعة1) بتاء الخطاب.
أی: فانظر فی هذا المثال مرآة واحدة هی مرآة الذات الأحدیّة و لا تنظر الجماعة من المرایا الأسمائیّة، فإنّها تفرّق خاطرک و تخرجک عن الصراط المستقیم، کما قال تعالى: وَ لاٰ تَتَّبِعُوا اَلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ عَنْ سَبِیلِهِ2.
(و هو نظرک من حیث کونه ذاتا)3.
أی، انظر و الشأن أنّ نظرک فی الحقّ من حیث کونه ذاتا واحدة غنیة عن العالمین، و یجوز أن یعود الضمیر إلى مصدر «فانظر».
أی: و ذلک النظر شهودک إیّاه من حیث ذاته، لا من حیث أسمائه.
(فهو) أی: الحقّ من حیث ذاته (غنیّ عن العالمین، و من حیث الأسماء الإلهیّة فذلک الوقت یکون کالمرائی).
أی، و إذا کان نظرک فیه من حیث أسمائه و صفاته یکون کالمرایا المتکثّرة.
و الخلاصة: أنّک إذا نظرت إلى الحقیقة الواحدة المرآتیّة - لا إلى المرایا المتعدّدة التی هی أشخاصها - بنظرک الکامل، وجدت الحقیقة المرآتیّة مثالا للذات الغیبیّة الإلهیّة، و إذا نظرت إلى المرایا المتعدّدة وجدتها أمثلة لمرایا الأسماء المتکثّرة فتکون عقیدة الناظر فی الذات من حیث هی هی و من حیث الأسماء و الصفات کالهیولى لجمیع العقائد، بخلاف أصحاب العقائد الجزئیّة، فإنّه یقرّ بما یعرفه و ینکر ما یجهله.
(فأیّ اسم إلهیّ نظرت فیه نفسک) بتاء الخطاب، و نصب «نفسک» على المفعولیة.
(أو من نظر، فأنّما یظهر للناظر) و فی بعض النسخ: (فی الناظر) (حقیقة ذلک الاسم4).
________________________________________
(1) . هکذا فی النسخة المقروءة علیه (رض) (جامی).
(2) . الأنعام (6):153.
(3) . واحدة من غیر نظر إلى کثرة الأسماء (جامی).
(4) . فالناظر هاهنا هو الذی فی المثال المذکور بمنزلة المرآة التی یظهر فیها مثال الشخص عند التعاکس، و هی معدومة بنفسها لاحظّ لها من الوجود، و الموجود بالحقیقة هو ذلک الاسم؛ و لذلک قال: «حقیقة ذلک الاسم» (ص).
جلد: 2، صفحه: 1191
أی، «أیّ اسم إلهیّ» شاهدت نفسک فی مرآته، و أدرکت صورة عقیدتک أو نفس من نظر فیها و عقیدته، فأنّما تتجلّى لنظر الناظر حقیقة ذلک الاسم، فتصیر کالمرآة المظهرة صورة کلّ ناظر فیها.
أو أیّ اسم إلهیّ نظرت - بسکون التاء - فیه نفسک أو نفس من نظر فیه، برفع نفسک على الفاعلیّة، فأنّما تظهر فی الناظر حقیقة ذلک الاسم بظهور لوازمه فیه.
(فهکذا هو الأمر1 و2 إن فهمت).
أی، الشأن الإلهیّ فی تجلّیاته و فی ظهوراته کالشأن فی المرآة، إن فهمت ما اشیر الیک من أنّ الذات الأحدیّة غیر مدرکة، و لا صورة فیها من حیث «هی هی» و هى مظهرة لجمیع صور العالم.
(فلا تجزع3 و لا تخف4 و5) عند احتجابک عن شهود نفسک، و لا تخف عند اقدامک بطلب شهود حقیقتک من الفناء.
(فإنّ اللّه یحبّ الشجاعة).
و أعلى مراتب الشجاعة هو افناء نفسه و ذاته مع صفاتها و أفعالها فی عین ذات الحقّ و صفاته و أفعاله، و إنّما کانت الشجاعة محبوبة لاستلزامها عین البقاء الأبدی و تحقیقها بالوجود المحض الحقّانی.
(و لو على قتل حیّة) هذا تضمین لقوله علیه السّلام: «إنّ اللّه یحب الشجاعة و لو على قتل حیّة».
________________________________________
(1) . أی أمر الفناء فی التجلّی الذاتی أو الأسمائی (جامی).
(2) . من أنّ الناظر نفسها معدومة العین و الأثر کما ظهر فی المثال (ص).
(3) . من هذا العدم (ص).
(4) . من هذا الفناء فی التجلّی الذاتی و الأسمائی (جامی).
(5) . من ورود الهلاک على نفسک (جامی).