شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(حکمة قتل الابناء7 من أجل موسى لتعود إلیه بالامداد حیاة کلّ من قتل من أجله،
________________________________________
(7) . و تحقیق هذا الکلام یحتاج إلى تذکّر مقدّمة حکمیّة، هی أنّ التعیّن - الذی هو عبارة عن العوارض الممیّزة لأفراد الحقیقة النوعیّة الواحدة بالذات تمیّزا عرضیّا کونیّا - على ضربین:
أحدهما: ما تمیّز به الشخص عند نفسه ممّا تصوّر به قلبه، و هو صورة باطنه المسمّاة بالهمّة، و قد وقفت فی صدر الکتاب علیه.
و الآخر: ما یتمیّز به عند بنى نوعه ممّا یظهر به عندهم من الأعراض الخارجیّة، و هو صورة ظاهرة المسمّاة بالهویّة. و بیّن أنّ الأوّل منهما أنّما یظهر فی الشخص عند تمیّزه و بلوغه کمال الاستواء، فلا یکون للطفل قبل تمییزه منه شیء.
فإذا عرفت هذا تبیّن لک أنّه لیس لأولئک الأبناء المقتولین من ذینک التعیّنین شیء ممّا یعود إلیهم.
أمّا الأوّل فلما عرفت. و أمّا الثانی فلأنّهم متعیّنون عند بنی نوعه بالتعیّن الموسوی متّفقین فیه عندهم (ص).
جلد: 2، صفحه: 1251
لأنّه قتل على أنّه موسى1، و ما ثمّ جهل2 و3، فلا بدّ أن تعود حیاته4 و5 على موسى، أعنی حیاة المقتول من أجله6 و7.
و هی8 حیاة طاهرة9 و10 على الفطرة11، و لا تدنّسها الأغراض النفسیّة12، بل هی على فطرة «بلى»13 و14، و کان موسى مجموع حیاة من قتل15 على أنّه هو16، فکلّ ما کان مهیئا لذلک المقتول ممّا کان استعداد روحه له17 و18 کان19 فی
________________________________________
(1) . و هو فی نفسه کذلک، فإنّه إذ لم یکن لهم تعیّن یظهرون به و قد یکمل استعدادهم له، فإنّما یتکوّنون بالتعیّن الکلّی الغالب الذی له القهرمان فی ذلک الزمان على ما هو غیر مستبعد، و لا خفی عند الزکیّ الخالص ذائقة فهمه عن شوائب التقلید و تعصّبه، و إلیه أشار بقوله: «و ما ثمّ جهل» (ص).
(2) . لأنّ قتل فرعون الأبناء لا یکون سهوا و خطأ حتى لا یکون له جزاء بإزائه، بل کان من العهد و القصد.
(3) . فهو تعالى یعلم أنّه قتل على أنّه موسى (جامی).
(4) . أی حیاة من قتل من شخص الإنسان، بناء على ما مرّ من أنّ فی النوع - من الکلّیات المستنبطة فیه المتقوّمة هو بها - أحکاما و آثارا یظهر بها أفراده، کالحیاة من الحیوان فی أفراد الإنسان، فلا بدّ من عود الحیاة على موسى (ص).
(5) . أی روحانیّته بالإمداد (جامی).
(6) . ضرورة أنّه متکوّن بتعیّنه (ص).
(7) . و روحانیّته لیجازی قاتله فی صورة موسى، فإنّ الوجود مجازی مکافی کلّ ما ألقی إلیه لصورة الفعل، ألقی مثله إلى الفاعل فی صورة الجزاء، و ما أشبه کونه مقتولا فی صورة موسى توهّما بکونه قاتلا لقاتله فی صورته حقیقة (جامی).
(8) . أی حیاة المقتول و روحانیّته (جامی).
(9) . باقیة (جامی).
(10) . من الطهارة التی هی ضدّ الدنس.
(11) . التی فطرها اللّه علیها (جامی).
(12) . المانعة لها من الإمداد (جامی).
(13) . إشارة إلى قوله تعالى: أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قٰالُوا بَلىٰ الأعراف (7):172.
(14) . القابلة بها أن یفیض علیها من الربّ المطلق ما یمدّ به موسى فی قتل فرعون و أعوانه جزاء وفاقا (جامی).
(15) . و روحانیّتهم حین قتل کلّ واحد منهم (جامی).
(16) . أی موسى (جامی).
(17) . من أسباب الإمداد من الحیاة و العلم و الإرادة و القدرة و غیرها (جامی).
(18) . ممّا اشتمل على حقیقته النوعیّة من الحیاة و العلم اللذین هما أحکام جنسه و فصله (جامی).
(19) . أی کان مهیّأ فی صورة موسى للانتقام من فرعون و أعوانه (جامی).
جلد: 2، صفحه: 1252
موسى)1 و2.
اعلم، أنّه قد مرّ فی المقدّمات أنّ الوجود حقیقة واحدة لا تعدّد فیها و لا تکثّر، و تتعدّد بحسب التجلّیات و التعیّنات فتتکثّر و تصیر أرواحا و أجساما، و معانی روحانیة و أعراضا جسمانیة.
و الأرواح منها کلّیة و منها جزئیة، فأرواح الأنبیاء علیه السّلام أرواح کلّیة، یشتمل کلّ روح منها على أرواح من یدخل فی حکمه و یصیر من أمّته، کما أنّ الاسماء الجزئیّة داخلة فی الأسماء الکلّیة على ما بیّنا فی فصل الاسماء، و إلیه أشار بقوله تعالى:
إِنَّ إِبْرٰاهِیمَ کٰانَ أُمَّةً قٰانِتاً3، و إذا کان الأمر کذلک یجوز أن یتحد بعض الأرواح مع بعض بحیث لا یکون بینهما امتیاز، کاتحاد قطرات الأمطار و أنوار الکواکب مع نور الشمس فی النهار.
فإذا علمت هذا فلنرجع إلى المقصود فنقول: الحکمة فی قتل الابناء على ید فرعون هی أن تعود أرواحهم مع الروح الموسوی، و یمدّونه فی الغلبة على فرعون و قومه، فروح کلّ ممّن قتل من الأبناء على أنّه موسى رجع مع الروح الموسوی، و أعانه فی هلاک فرعون؛ لتحصل المجازاة و القصاص الذی لا بدّ منه للوجود.
و قوله: (و ما ثمّ جهل) معناه: أنّ فرعون کان یقتلهم على أنّهم موسى، و ما کانوا عین موسى، و لا یقتل الشخص لغیره، کما قال وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ4،
________________________________________
(1) . فهو یستمدّ من همم أشخاص الأمّة کما أنّ محمّدا صلّى اللّه علیه و آله و سلم یمّد الهمم على ما عرفت، و یطلعک علیه ما فی القرآن الکریم من قوله تعالى حکایة عن موسى: رَبِّ اِشْرَحْ لِی صَدْرِی طه (20):25 و خطابا لمحمّد صلّى اللّه علیه و آله و سلم: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ الشرح (94):1، فإنّ الصدر هو ظرف ظاهریّة القلب، و هو صورته المعبّر عنها ب «الهمّة» کما عرفت؛ و لذلک قال: و هذا اختصاص إلهی (ص).
(2) . توجّهت أرواح هؤلاء المقتولین إلى الروح الموسوی الکمالی الموجد من اللّه، لإظهار ما أراده و مظهریّته على الوجه الأفضل الأکمل، فاتّصلت الأنوار بنوره و تحصّلت إلى روحه فتجمّعت فیه خصائص الکلّ، فکان الروح الموسوی مجموع تلک الأرواح کلّها، فتضاعفت القوى و تقوّت و تکاملت الأنوار.
(3) . النحل (16):120.
(4) . الأنعام (6):164.
جلد: 2، صفحه: 1253
و الفاعل الحقیقیّ هو الحقّ، و هو العلیم الخبیر، لا یجهل على ما یجری فی وجوده، و لا یفعل إلاّ ما ینبغی أن یفعل، فقتل1 الأبناء فی المادّة الفرعونیّة على أنّها موسى، کان لعلمه2 فی الأزل على أنّهم یجتمعون مع الروح الموسوی فی هلاک فرعون، فما کان الهلاک عن جهل بل عن علم متقن بما هو الأمر علیه3، و إن کان لا یشعر فرعون بذلک تفصیلا، و یشعر به اجمالا، لذلک أمر بقتلهم فاجتمعت أرواحهم و اتحدت، فظهرت بالصورة الموسویّة استیفاءا لحقوقهم و اعانة لربّهم و مددا لنبیّهم؛ إذ کانوا على الفطرة الأصلیّة و الطهارة الأزلیّة، ما عملوا شیئا یجب به قتلهم، فإذا اتحدت و ظهرت فی الصورة الموسویّة ظهرت معها جمیع ما کانت مهیئا لهم، من الاستعدادات و الکمالات المترتبة علیها.
(و هذا اختصاص إلهیّ لموسى لم یکن لأحد قبله)4.
أی، هذا الاجتماع للامداد اختصاص إلهیّ لأجل موسى علیه السّلام، و لم یکن ذلک لأحد من الانبیاء علیهم السّلام قبل موسى، و لمّا کان هذا حکمة من جملة الحکم التی خصّه اللّه بها قال:
(فإنّ حکم5 موسى کثیرة، و أنا إن شاء اللّه تعالى أسرد منها فی هذا الباب على قدر ما یقع به6 الأمر الإلهی فی خاطری).
أی: عیّنه فی قلبی للاظهار.
(و کان هذا أوّل ما شوفهت7 به من هذا الباب8 و9) أی، أوّل ما خوطبت به
________________________________________
(1) . أی قتل الحق الأبناء.
(2) . أی لعلم الحقّ.
(3) . خ ل: «بل عن علم تیقّن بالأمر على ما هو علیه».
(4) . و حکمة واحدة من الحکم التی خصّه اللّه بها (جامی).
(5) . ذکر ستّ حکم ممّا هو معنون بالحکمة.
(6) . أی بإظهاره (جامی).
(7) . من الحضرة الإلهیّة فی الصورة المحمّدیة (جامی).
(8) . أی الفصّ الموسوی (جامی).
(9) . و هذا من غلبة حکم النبوّة فى حکم موسى علیه السّلام حیث شوفه لها کلاما (ص).
جلد: 2، صفحه: 1254
فی المکاشفة من الحضرة المحمّدیة فی هذا الفصّ الموسوی کان هذا المعنى المذکور، و هو اتحاد أرواح الابناء المقتولین و عودهم فی المادّة الموسویّة، فالشیخ رض مأمور باظهار هذا المعنى، و المأمور معذور.