شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(جاء موسى فی الجواب بما یقبله الموقن) و هو صاحب الکشف و الیقین، و هو الجواب الأوّل.
(و العاقل خاصّة) و هو الجواب الثانی.
(فَأَلْقىٰ عَصٰاهُ و هی صورة ما عصى به فرعون موسى فی ابائه عن اجابة دعوته1فَإِذٰا هِیَ ثُعْبٰانٌ مُبِینٌ2 و3 أی: حیّة ظاهرة).
لمّا کان عصا مأخوذة من العصیان، و فرعون هو الذی عصى ربّه و أبى، جعل العصا صورة ما تحقّق به اباء فرعون و عصیانه عن اجابة الدعوة، و لیس ذلک إلاّ النفس الأمّارة.
________________________________________
(1) . اعلم أنّ الشیخ (قدس سره) أو مأ إلى أنّ اللّه تعالى بیّن صورة المحاجّة التى جرت بین موسى و فرعون على طریقة ضرب الأمثال، فضرب العصا مثلا للنفس المطمئنّة الموسویّة المطواعة للقلب، المؤتلفة بنور القدس المؤیّد بتأیید الحقّ؛ و لهذا قال: «و هی صورة ما عصى به فرعون فی إبائه» فإنّ النفس حقیقة واحدة، فلمّا أطاعت الهوى فی فرعون و استولى علیه سلطان الوهم بغلبة الهوى کانت نفسا أمّارة مستکبرة أبت الحقّ و أنکرته، و لمّا انقادت للحقّ و أطاعت القلب - أی النفس الناطقة - و تنوّرت بنور الروح فی موسى کانت عصا یعتمد علیها فی أعمال البرّ و الطاعات و الأخلاق الفاضلة، و یهشّ بها على غنمه القوى الحیوانیّة البهیمیّة أوراق الشجرة الفکریّة من العلوم النافعة، و حیّة تسعى فی مقاصده و مطالبه بترکیب الحجج و الدلائل و تحصیل المقاصد، و ثعبانا یلتقم ما زورّته سحرة القوى المتخیّلة و الوهمیّة من فرعون و قومه من الشبه؛ کلّ ذلک لطاعتها موسى القلب و الروح (ق).
(2) . الشعراء (26):32.
(3) . تنبعث منه و تنفجر منه عیون علم و کشف، من ثعبت الماء فانثعب، أی فجّرته فانفجر (جامی).
جلد: 2، صفحه: 1301
فالعصا صورة النفس الأمّارة، فإذا انقلبت حیّة صارت صورة النفس المطمئنة المفنیة للموهومات و المتخیلات، لذلک قال: هِیَ عَصٰایَ أَتَوَکَّؤُا عَلَیْهٰا، أی: استعین بها على مطالبی فی سیری و سلوکی وَ أَهُشُّ بِهٰا عَلىٰ غَنَمِی أی: على رعایای، و على ما هو تحت یدی من القوى البدنیة وَ لِیَ فِیهٰا مَآرِبُ أُخْرىٰ1 أی: مقاصد لا تحصل إلاّ بها من الکمالات المکتسبة.
(فانقلبت2 المعصیة التی هی السیئة طاعة، أی: حسنة، کما قال: یُبَدِّلُ اَللّٰهُ سَیِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ3 وَ4).
أی، انقلاب العصا حیوانا ایماء إلى انقلاب المعصیة طاعة حسنة، فإنّ العصا من المعصیة، و المعصیة إذا انقلبت صارت طاعة، کما قال تعالى: فَأُوْلٰئِکَ یُبَدِّلُ اَللّٰهُ سَیِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ.
و لمّا کان تبدیل السیئة حسنة عبارة عن ترتّب حکم الحسنة علیها، لا أنّ عینها تصیر حسنة، قال:
(یعنی فی الحکم کما) جاء فی الخبر من أنّ المحبوبین یعدّ قتلهم بالاحیاء، و افسادهم بالاصلاح و على هذا.
(فظهر الحکم هنا5 عینا متمیّزة6 و7 فی جوهر واحد).
أی، ظهر حکم العصیان المنقلب إلى الطاعة على صورة عین الثعبان، و هی متمیّزة عن صورة أخرى و کلّها تظهر فی جوهر واحد لا تعدّد فیه حقیقة.
________________________________________
(1) . طه (20):18.
(2) . العصا ثعبانا کما تنقلب المعصیة (جامی).
(3) . الفرقان (25):70.
(4) . فإنّ الأعیان أنفسها لا تتبدّل و لکن تنقلب أحکامها (جامی).
(5) . أی فی مادّة انقلاب العصا ثعبانا (جامی).
(6) . أی ظهور عین متمیّزة الأحکام (جامی).
(7) . أی ظهور عین متمیّزة بحسب الاسم و الأثر (ص).
جلد: 2، صفحه: 1302
(فهی العصا1 و2 و هی الحیة3 و4 و الثعبان الظاهر5 و6).
أی، فتلک العین هی العصا بحکم العصیان، و هی الحیّة و الثعبان بحکم الطاعة للرحمن.
(فالتقم الثعبان أمثاله من الحیّات من کونها7 حیّة8، و العصّى من کونها عصا9، فظهرت حجّة موسى على حجج فرعون10 فی صورة عصّی و حیّات و حبال11).
لأنّ الحقّ أراد تصدیق نبّیه و تغلیبه على فرعون، فظهرت العین الظاهرة بالصور العصائیّة على الصورة الثعبانیّة، فالتقمت أمثالها من الحیّات من کونها حیّة، و العصا من کونها عصى فی الأصل.
(فکانت للسحرة الحبال، و لم یکن لموسى حبل12، و الحبل التل الصغیر، أی:
مقادیرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال13 من الجبال الشامخة).
________________________________________
(1) . للعوامّ باعتبار الاعتماد علیها فی الآراء المبنیة للمبدأ و المعاد (ص).
(2) . حیث کان یتوکّأ علیها (جامی).
(3) . أیضا للخواصّ، باعتبار فیضان ماء الحیاة، أی العلم منها (ص).
(4) . من حیث إنّها یحسّ منها الحسّ و الحرکة (جامی).
(5) . أیضا باعتبار انفجار عیون انبساطه و کماله على مزارع القلوب من العالمین (ص).
(6) . باعتبار التقامها أمثالها من الحیّات و العصا (جامی).
(7) . أی من حیث کونها حیّة (جامی).
(8) . ضمیر «کونها» راجع إلى «العصا» و کذا من کونها عصا؛ لأنّ العصا مؤنّث سماعی، قال عزّ من قائل: وَ مٰا تِلْکَ بِیَمِینِکَ یٰا مُوسىٰ قٰالَ هِیَ عَصٰایَ أَتَوَکَّؤُا عَلَیْهٰا وَ أَهُشُّ بِهٰا عَلىٰ غَنَمِی وَ لِیَ فِیهٰا مَآرِبُ أُخْرىٰ طه (20):21.
(9) . و الذی یدلّ على تطبیق هذا التأویل و إصابة سهامه مرامی قصد صاحب الکتاب قوله فی تأویل الالتقام: «فظهرت حجّة موسى علیه السّلام» (ص).
(10) . الظاهرة فی صورة عصا (جامی).
(11) . و هی باعتبار جذب القلوب بها و اقتناص خواطر أهل القرب و النّیة منها (ص).
(12) . فإنّه العلم الذی هو مبدأ التخیّل و الإیهام، ممّا یشوّق و یجذب إلى العالم به و یوهم و ینفرّ عن غیره، و لیس لموسى علیه السّلام من ذلک العلم شیء؛ لعلوّ قدره عن أمثال تلک الحیل؛ و لذلک قال: «و الحبل: التلّ الصغیر» (ص).
(13) . أی التلال الصغیرة (جامى).
جلد: 2، صفحه: 1303
أی، حبال السحرة الظاهرة على صورة الحیّات إشارة إلى صغر قدرهم بالنسبة إلى قدر موسى، لأنّ الحبل فی أصل اللّغة التل الصغیر، فنسبة مقادیرهم إلى قدر موسى عند اللّه کنسبة التلال الصغیرة إلى الجبال الشامخة.