عرفان شیعی

شرح القیصری علی فصوص‌الحکم (حسن‌زاده الآملی):

(و إنّما حبّب إلیه النساء فحنّ إلیهنّ‌، لأنّه من باب حنین الکلّ إلى جزئه، فأبان بذلک عن الأمر فی نفسه من جانب الحقّ‌1 فی قوله فی هذه النشأة الانسانیّة العنصریّة: وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی2 و3).
و اعلم، أنّ المرأة باعتبار الحقیقة عین الرجل، و باعتبار التعیّن یتمیّز کلّ منهما عن الآخر.
و لمّا کانت المرأة ظاهرة من الرجل فی الأصل، کانت کالجزء منه انفصل و ظهر بصورة الأنوثة، فحنینه صلّى اللّه علیه و آله و سلم إلیهنّ من باب حنین الکلّ إلى جزئه، فأبان النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلم و أظهر بذلک القول عن الأمر فی نفسه.
و کذلک الأمر فی الجانب الإلهی، فإنّ قوله تعالى: وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی یدلّ على أنّ نسبة آدم إلى ربّه بعینها نسبة الجزء إلى کلّه، و الفرع إلى أصله، و کلّ کلّ یحنّ إلى جزئه، و کلّ أصل یحنّ إلى فرعه، فحصل الارتباط بین الطرفین، فصار کلّ منهما محبّا من وجه و محبوبا من آخر.
(ثمّ وصف4) الحقّ (نفسه بشدّة الشوق إلى لقائه5).
أی، إلى لقاء من هو مشتاق إلیه، و لمّا کان المحبّ المشتاق عین المحبوب فی الحقیقة، و إن کان غیره بالتعیّن، قال: (إلى لقائه).
(فقال6 للمشتاقین7 و8:) أی: خاطب لأجل المشتاقین (یا داود، إنی أشدّ شوقا إلیهم، یعنی للمشتاقین إلیه، و هو لقاء خاصّ‌9).
________________________________________
(1) . بالنسبة إلى العبد (ص).
(2) . الحجر (15):29.
(3) . فإنّه معرب عن الارتباط المذکور بین الکلّ و الجزء.
(4) . بعد ما قال: وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی و أثبت بینه و بین العبد نسبة الکلیّة و الجزئیّة (جامی).
(5) . أی لقاء الجزء. و الشارح ارجع الضمیر إلى الحقّ‌.
(6) . لداود علیه السّلام (جامی).
(7) . أی لأجلهم (جامی).
(8) . الذین من جملتهم داود (ص).
(9) . لا یکون إلاّ بعد الموت (جامی).
جلد: 2، صفحه: 1333
أی، لقاء الحقّ لنفسه فی صورة المحبّ المشتاق لقاء خاصّ‌، غیر لقائه لنفسه فی صورة الاطلاق الکلّی، و الغیب الأصلی بالشهود الأزلی، و لهذا اللّقاء خصوصیّة لا تحصل بدون هذا المجلى المعیّن کما مرّ فی أوّل الکتاب، لذلک کان أشدّ شوقا إلیهم؛ لأنّ‌1 ما لا یحصل إلاّ بالمرآة2 المحدثة لا یکون أزلیا، فیشتاق إلى المرآة لیرى صورة نفسه، و یبتهج بنفسه ابتهاجا کلّیا.
و شوق کلّ مشتاق لا یکون إلاّ بحسب علمه و ادراکه للمعانی الظاهرة فی محبوبه، و الحقّ تعالى منبع العلم الذاتی و الصفاتی، و من حضرة علمه نصیب کلّ عالم من العلم، فعلمه بحقیقة المحبوب و کمالاته أتمّ‌، فشوقه و محبته إیّاهم أعظم و أقوى من محبّة کلّ مشتاق إلیه.
قوله: (فإنّه قال فی حدیث الدجّال: «إنّ أحدکم لن یرى ربّه حتّى یموت»3) تعلیل لقوله: (و هو لقاء خاصّ‌).
فإنّ قوله علیه السّلام «إنّ أحدکم لن یرى ربّه حتّى یموت» یدلّ على أنّ الملاقاة بین العبد و بین ربّه مترتّبة على موت العبد، و ما یکون مترتّبا على الأمر الخاصّ یکون خاصّا.
(فلابدّ من الشوق4 لمن هذه صفته5 و6 و7).
________________________________________
(1) . بیان لشدّة الشوق.
(2) . لا المرأة مقابل الرجل، بل المرآة اسم آلة من الرؤیة، و سیأتی فی تحقیق ذلک قوله: «إذا شاهد الرجل الحقّ فی المرأة کان شهوده فی منفعل».
(3) . صحیح مسلم ج 4 ص 2245 کتاب الفتن الباب 19، ح 95؛ سنن الترمذی ج 4 ص 508 کتاب الفتن الباب 56، ح 2235.
(4) . إلى الموت، على تفسیر الشارح.
(5) . أی لا بدّ أن یشتاق الحقّ إلى من هذه الرؤیة - التی یکون بعد الموت - صفته (جامی).
(6) . و هو أن یکون منحجبا مع کمال القرب غیر محظوظ عن المشاهدة (ص).
(7) . یعنی (رض) لمن یحبّ أن یموت شوقا إلى الحقّ‌، و السرّ أنّ الحقّ من حیث تعیّنه تعیّن العبد المشتاق یشتاق إلى نفسه من حیث تعیّنه فی الأصل. ثمّ إنّه من حیث الأصل یشتاق إلى نفسه فی مرتبة التقیید، فیکون حینئذ اشتیاق الحقّ أشدّ لکون شوقه تعالى ضعف الشوق الظاهر من المسمّى عبدا؛ إذ هو المشتاق إلی نفسه من حیثیتین فی مرتبتین له ذاتیتین، فافهم (جندی).
جلد: 2، صفحه: 1334
أی، إذا کان اللّقاء الخاصّ موقوفا على الموت، فلا بدّ من أن یکون الشوق حاصلا.
(لمن) تکون (هذه) الحال (صفته).
أی، اللّقاء الخاصّ صفته، ف‍ «من»1 عبارة عن الحقّ سبحانه، أی: لابدّ من أن یکون الحقّ مشتاقا إلى ما لا یمکن أن یراه العبد إلاّ به، و هو الموت.
و تحقیقه: أنّ الهویّة الإلهیّة الظاهرة فی صورة العبد هی التی تشتاق إلى الموت، لیصل إلى مقام جمعه، و یخلص عن مضائق الامکان و عوارض الحدثان2، و ذلک لا یحصل إلاّ بالموت؛ لأنّ الملاقاة بین العبد و بین ربّه موقوفة على الموت، و الحقّ سبحانه یرید هذا النوع من الملاقاة فیشتاق إلیه.
و یجوز أن یکون الاشتیاق من جهة العبد، أی، لا بدّ لمن لا یرى ربّه إلاّ عند الموت من أن یشتاق إلیه.
لکنّ قوله3 آخرا: (فهو یشتاق لهذه الصفة الخاصّة التی لا وجود لها إلاّ عند الموت) یؤیّد ما ذکرنا، لأنّ الضمیر فی قوله: (فهو یشتاق) للحقّ‌؛ إذ العبد یکره الموت فلا یشتاق إلیه، و ذکر تحقّقه4 و اللّه أعلم.
و اعلم، أنّ هذا الخطاب - أی قوله: (أحدکم) للمؤمنین الموحّدین، لا للکافرین المحجوبین، لأنّ المراد بالموت إمّا الموت الارادی أو الطبیعی.
و الأوّل الحاصل للعارفین موجب للقاء الحقّ بحسب تجلّیاته الأسمائیّة، أو الصفاتیة، أو الذاتیّة على قدر قوّة استعدادهم و سیرهم فی السلوک، و العابدون و الزاهدون و الصلحاء من عباد اللّه الذین لا قوّة لاستعداداتهم على قطع المنازل و المقامات، فلا یحصل لهم اللّقاء حتّى یحصل لهم الموت الطبیعی، و ینکشف لهم النعیم الاخراوی، فیتجلّى لهم الحقّ على صور عقائدهم کما دلّ علیه حدیث التحوّل.
________________________________________
(1) . فی قوله: «لمن هذه صفته».
(2) . حدثان الدهر و حدثانه: نوائبه.
(3) . أی قول الشیخ.
(4) . أی یکره ذکر تحقّق الموت.
جلد: 2، صفحه: 1335
و أمّا المحجوبون الذین طبع اللّه على قلوبهم و ران علیها الهیئات المظلمة و الأخلاق المعتمّة المکتسبة، فلا ینظر الحقّ إلیهم و لا یکلّمهم یوم القیامة و لا یشتاق إلیهم، کما قال: 
«من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه، و من کره لقاء اللّه کره اللّه لقاءه»، وَ مَنْ کٰانَ فِی هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِی اَلْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِیلاً1.

________________________________________

(1) . الإسراء (17):72.