عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

 

مقدمة الشارح 

الحمدللّه الذی عیّن الأعیان1 بفیضه الأقدس الأقدم، و قدّرها بعلمه فى غیب ذاته و تمّم، و لطّف برشّ نور التجلّی علیها و أنعم، و أظهرها بمفاتیح خزائن2 الجود و الکرم، عن مکامن الغیوب و مقارّ العدم، و وهب لکلّ منها ما قبل استعداده فأکرم، و أوجد منها ما کان ممکنا، و أحکم بإظهار3 ملابس أسمائه فى القدم، و دبّرها بحکمته فأتقن و أبرم، فسبحان الّذی تجلّى بذاته لذاته فأظهر آدم، و استخلفه على مظاهر أسمائه المنعوتة بالعالم، و أجمل فیه جمیع الحقائق و أبهم؛ لیکون صورة اسمه الجامع4 العزیز الأکرم، و حامل أسرار العلیم الأعلم، فیدلّ به علیه فیعلم.

و صلّى اللّه على من هو الاسم الأعظم، الناطق بلسان مرتبته: «أنا سیّد ولد آدم»5، المبعوث بالرسالة إلى خیر الأمم، و على آله و أصحابه المصطفین من العرب و العجم6، الرافعین بأنوارهم أستار الظلم، و على وارثیه من الأولیاء و الکمّل، السّالکین لطریق الأمم المطّلعین بالحقّ على الأسرار و الحکم.

و بعد، یقول العبد الضّعیف داود بن محمود بن محمّد، الرومیّ‌، القیصری مولدا السّاویّ محتدا، أنجح اللّه مقاصده فى الدّارین: لمّا وفّقنی اللّه تعالى و کشف علیّ أنوار أسراره، و رفع عن عین قلبی أکنّة أستاره، و أیّدنی بالتأیید الرّبانی بأعلام رموزه، و التوفیق الصمدانیّ بإعطاء کنوزه، و ساقتنی الأقدار إلى خدمة7 مولانا الإمام العلاّمة، الکامل المکمّل، وحید دهره، و فرید عصره، فخر العارفین، و قرّة عین الموحّدین، و نور بصر المحقّقین، کمال الملّة و الحقّ و الدّین؛ عبد الرّزاق بن جمال الدین أبی الغنائم القاسانی8، أدام اللّه على المستفیدین برکة أنفاسه، و أنار بمعارفه قلوب الطالبین و جلاّسه.

و کان جماعة من الإخوان المشتغلین بتحصیل الکمال، الطالبین لأسرار حضرة ذی الجمال و الجلال، شرعوا فى قراءة کتاب «فصوص الحکم» الذی أعطى النبی صلّى اللّه علیه و آله الشیخ الکامل المکمّل، قطب العارفین، و إمام الموحّدین، و قرّة عیون المحقّقین، وارث الأنبیاء و المرسلین، خاتم العامة الولایة9 المحمّدیة، کاشف الأسرار الإلهیّة، الذی لا یسمح بمثله الدهور و الأعصار، و لا یأتی بقرینه الفلک الدوّار؛ و محیی الملّة و الحقّ و الدین (ابن عربی) رضی اللّه عنه و أرضاه، و جعل أعلى جنانه موطنه و مثواه، لیخرجه10 الى الخلق و یبیّن لهم ما ستر من الحقائق، و یکشف علیهم ما انحجب من الأسرار و الدقائق؛ لأنّه کاد أن ینجلی11 الحقّ بالنور12 و13 الموجب للظهور، و قرب أن ینکشف لهم کلّ مرموز و مستور، و حان طلوع شمس الحقیقة14 من مغربها، و بروز عرش الربوبیّة من مشرقها15.

و کان الحقّ قد أطلعنی على معانیه المتساطعة أنوارها، و ألهمنی بفحاویه المتعالیة أسرارها، و أرانی فی سرّی من بشّرنی بمعرفتی هذا الکتاب، و خصّصنی بالعلم به من بین سائر الأصحاب، من غیر تأمّل سابق فیه، أو مطالعة و استحضار لمعانیه، عنایة من اللّه الکریم، و فضلا من الربّ الرّحیم، لأنّه هو المؤیّد بنصره من یشاء من عباده، و الموفّق بالظفر على أسرار مبدئه و معاده.

مع تجوال عقول العقلاء حول فنائه، و ترجاعهم خاسرین، و تطواف فهوم الفضلاء حریم حمائه، و تردادهم حاسرین؛ لکونه منزّلا من سماء16، یحیط بفلک العقل و لا یحاط، و مقام ینوط بکلّ ما یناله الفهم و لا یناط، مشیرا بحقائق عجزت العقول عن إدراکها، و کاشفا لدقائق وقفت القلوب من ذرى أفلاکها، و حارت أعین ذوی البصائر و الأبصار فی عرائس معانیها المتلألئة من وراء الحجاب، و شخصت أبصار أهل العلم و الفهم فی محاسن مجالیها المتجلّیة لأولی الألباب.

تجول عقول الخلق حول جنابه و لم یدرکوا من برقه غیر لمعة سنح17 لی أن أکشف بعض أسراره على طالبیه، و أرفع القناع عن وجوه عرائس معانیه، التی فاضت على قلبه المنوّر، و روحه المطهّر، من حضرة العلیم الخبیر، الحکیم، القدیر، بالتجلّی منه علیه، و الدنوّ منه، و التدلّی إلیه، امتثالا لأمره، و انقیادا لحکمه، حیث قال18:

(هذه الرّحمة التی وسعتکم فوسّعوا) و دخولا فیمن قال تعالى فیهم: وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ یُنْفِقُونَ‌19 و أداء لشکره کما قال: وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ‌20.

فشرعت فیه مستعینا باللّه، طالبا لرحمته، أن أقیّد21 بعض ما فتح اللّه لی فیه، و ما استفدت من کتب الشیخ و کتب أولاده22 رضوان اللّه علیهم أجمعین، بعبارة واضحة، و إشارة لائحة، من غیر إیجاز مخلّ‌، و لا تطویل مملّ‌، شارطا أن لا انزل کلامهم إلاّ على قواعده، و لا أتعرّض فی معاقده إلاّ بأذیال عقائده.

بل أبیّن بحیث یتّضح للناظر معنى الکتاب، و یعلم ما هو الباطل من الصواب، فیحقّ الحقّ‌23، و یبطل الباطل، من غیر إشارة منّی و خطاب، مع اعترافی بالعجز و التقصیر، و إقراری بأنّه هو العلیم الخبیر.

و لمّا کان العلم بهذه الأسرار موقوفا على معرفة قواعد و اصول اتفقت علیها هذه الطائفة، قدّمت لبیانها فصولا، و بیّنت فیها اصولا تبتنی قاعدة التوّحید علیها، و تنتسب هذه الطریقة إلیها؛ بحیث یعلم منها أکثر قواعد هذا العلم، لمن وفّقه اللّه تعالى و أنعم علیه بالفهم، و جعلتها اثنی عشر فصلا:

الأوّل: فی الوجود24، و أنّه هو الحقّ‌25.

و الثانی: فی أسمائه26 و صفاته تعالى.

و الثالث: فی الأعیان الثابتة، و التنبیه على بعض مظاهر الأسماء فی الخارج.

و الرابع: فی الجوهر و العرض و ما یتبعهما على هذه الطریقة.

و الخامس: فی بیان العوالم الکلّیة و الحضرات الخمس الإلهیّة.

و السادس: فیما یتعلّق بالعالم المثالیّ‌.

و السابع: فی مراتب الکشف، و أنواعها إجمالا.

و الثامن: فی أنّ العالم هو صورة الحقیقة الإنسانیّة بحسب مراتبها.

و التاسع: فی بیان خلافة الحقیقة المحمّدیة و الأقطاب.

و العاشر: فی بیان الرّوح الأعظم، و مراتبه، و أسمائه فی العالم الإنسانیّ‌.

و الحادی عشر: فی عود الرّوح و مظاهره العلویّة و السفلیّة إلیه تعالى.

و الثانی عشر: فی النبوّة، و الرسالة، و الولایة.و وشّحتها بغرائب قد منّ اللّه علیّ بها، و لم ار فی کتب الطائفة شیئا منها، و لطائف استنبطتها من قواعدهم و سمّیت الکتاب ب‍ «مطلع خصوص الکلم فی معانی فصوص الحکم».

و جعلته مشرّفا بألقاب المولى المعظّم، الصدر الأعظم، صاحب دیوان الأمم، دستور الممالک فی العالم، مربّی ضعفاء العرب و العجم، سلطان الوزراء، و أکمل من فی عصره من الورى، حاوی الشیم الملکیّة، مظهر الصّفات الرحمانیّة، مجمع الأخلاق الربّانیة، اللّطیف بعباد اللّه، المتخلّق بأخلاق اللّه، الذی لم یتشرّف مسند الوزارة بمثله فی الصّدارة، و لم یمکن إحاطة صفاته بلسان العبارة و الإشارة.

کملت محاسنه فلو أهدى السنا للبدر عند تمامه لم یخسف.

و على تفنّن واصفیه بحسنه یفنى الزمان و فیه ما لم یوصف.

أردت له مدحا فما من فضیلة تأمّلت إلاّ جلّ عنها و قلّت الصاحب27 غیاث الملّة و الحقّ و الدّین؛ أمیر محمّد بن صدر، السّعید الشهید، المغفور المرحوم، رشید الدّنیا و الدّین، أنار اللّه تعالى ضریح السلف، و ضاعف جلال الخلف، و أعزّ أنصار دولته، و أعوان رفعته، لا زال الحفیظ لجنابه حفیظا، و الرقیب المجیب له رقیبا؛ لکونه متحلّیا بهذه الأسرار العلیّة، و حاملا للأنوار السنیّة، سالکا طریق الحقّ‌، متوجّها إلى مقعد الصدق، مدبّرا بظاهره نظام العالم، مشاهدا بباطنه کمال بنی آدم.

فاستحقّ‌28 أن یخلّد بخلود ذکره، و یحمد بمحامد خلقه و خلقه، إن قرن بعنایته الجسیمة التامّة، و ألطافه العمیمة العامّة، و نظر أصحابه المخادیم الکرام، و قدوة فضلاء الأنام، أعزّهم اللّه و حرّسهم إلى یوم القیام.

و کلّ ناظر فیه بعین الإنصاف، تارکا طریق الجور و الإعتساف؛ إذ لا یستفید بهذا النّوع من العلم إلاّ من تنوّر باطنه بالفهم، و جانب طریق الجدل، و نظر بنظر من أنصف و عدل، و انعزل عن شبهات الوهم الموقع فی الخطأ و الخلل، و طهّر الباطن عن دنس الأغیار، و توجّه إلى اللّه الواحد القهّار، و آمن بأنّ فَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ‌29 و علم قصور العقل عن إدراک أسرار العزیز الحکیم، فإنّ أهل اللّه أنّما وجدوا هذه المعانی بالکشف و الیقین، لا بالظّنّ و التخمین.

و ما ذکر فیه ممّا یشبه الدلیل و البرهان، أنّما جیء به تنبیها للمستعدّین من الإخوان؛ إذ الدلیل لا یزید فیه إلاّ خفاء، و البرهان لا یوجب علیه إلاّ جفاء؛ لأنّه طور لا یصل إلیه إلاّ من اهتدى، و لا یجده عیانا إلاّ من زکّى نفسه و اقتدى.

فأرجو من اللّه الکریم أن یحفظنی على الطریق القویم، و یجعل سعیی مشکورا، و کلامی مقبولا، و أسأل اللّه العون و التوفیق، و العصمة من الخطأ فی مقام التحقیق.


(1) أی الصور العلمیة کلیّة کانت أو جزئیة. و قوله: «فى غیب ذاته» أی فى غیب ذاته الواحدیّة

(2) أی ذوات الأسماء فى العین

(3) و إعطاء خواصّ الأس

(4) . فى الاسم الجامع الدائر فى ألسنة هؤلاء الأکابر و مشایخ علماء الحروف. سرّ و هو أن عدد ج ا م ع یساوی عدد سور القرآن. و القرآن المسطور بین الدفّتین صورة الإنسان الکامل الکتبیّة، کما أنّ القرآن الکونی صورته العینیّة. و عدد أسمائه تعالى فى القرآن من غیر تکریر یساوی عدد سوره، و على هذا المنوال قولهم: الجفر الجامع، و قد قال الشیخ الأکبر محیى الدین العربى فى کتابه الدر المکنون و الجوهر المصون فى علم الحروف فى فائدة الجفر ما هذا لفظه: «و فائدته الاعتلاء إلى فهم الخطاب المحمدی صلى اللّه علیه و آله فتبصّر».

(5) بحار الأنوار ج 38 ص 93 ح 8

(6) بیان للآل و الأصحاب؛ لأنّ بعض الصحابة کانوا من العجم کسلمان الفارسی علیه السّلام و قال رسول الله صلّى اللّه علیه و آله: «کلّ تقی و نقی آلی». - - و قال صلّى اللّه علیه و آله: «سلمان منّا أهل البیت» (بحار الأنوار ج 22 ص 349 ح 67).

و الأهل هو الآل، فافهم

(7) و قد قال فى شرح الفصل الآدمى (ص 75) ما هذا لفظه: «قد صرّح شیخنا (رضی اللّه عنه) فى کتاب المفتاح...» إلخ، فالشارح القیصری تلمذ عند القاسانی و الصدر القونوی کلیهما

(8)قاسان قریة بسمرقند

(9)لا یعنی بذلک أنّه کان خاتم الولایة المحمّدیة صلّى اللّه علیه و آله المطلقة؛ و ذلک لأنّ الولی الختم المطلق بعد النبی الخاتم صلّى اللّه علیه و آله هو ولیّ الله الأعظم و حجّته على خلقه الإمام الغائب خاتم الأولیاء م ح م د، ابن الإمام الحسن العسکری علیهما السّلام

و الشیخ معترف بذلک بلا ارتیاب و مصرّح به فى عدّة مواضع [من] صحفه کالفصوص و الفتوحات و قد ألّف رسالة موسومة بشق الجیب فى المهدی (عج) نعم إنّ للروح المحمدی صلّى اللّه علیه و آله مظاهر فى العالم، و للولایة مراتب، و للختمیة شؤونا عدیدة، و لا ضیر أن یکون بعض الأولیاء ختما فى بعض شؤون الختم المحمدی صلّى اللّه علیه و آله و الشیخ کذلک و لا ینکر فیه ذلک، و لا ینافى ذلک کون المهدی (عج) خاتم الولایة المحمدیة مطلقا، و سیأتی الکلام فى ذلک فى الفص الشیثی علیه السلام و للحکیم المتألّه آقا میرزا محمد رضا القمشئی تعلیقة أنیقة فى المقام على الفص المذکور، بل هی رسالة فریدة فى ذلک المبحث الأسنى، نسخة مخطوطة منها بخط بعض تلامیذه موجودة فى مکتبتنا، و قد طبعت أیضا.

(10)متعلّق بقوله: أعطاه النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و ناظر إلى قول الشیخ فى دیباجة فصوص الحکم

(11)لقوّة استعداد أهل زمانه

(12)خ ل: بنوره

(13)أی بالاسم «النور» لأنّ لکلّ اسم من أسمائه الحسنى شأنا یوجب أمرا خاصا، و النور یوجب الظهور

(14)أی الحقیقة الإلهیة

(15)أی مرتبة القلب أو الإنسان الکامل

(16)یعنی من سماء القلب فإنّ سماءها أوسع من فلک العقل، کما یأتی البحث عن ذلک فی عدّة مواضع من الکتاب سیّما فی الفص الشعیبی

(17)جواب «لمّا وفقنی الله تعالى»

(18)یعنی قال الشیخ، و سیأتی ذکر هذا البیت مع أبیاته الأخرى فی آخر دیباجة هذا الکتاب

(19)البقرة (2):3.

(20)الضحى (93):11.

(21)خ ل: أفید (من الإفادة).

(22)أی أولاده الروحانیین الذین هم تلامذته.

(23)اقتباس من قوله تعالى: و یرید الله أن یحقّ الحق بکلماته و یقطع دابر الکافرین لیحق الحق و یبطل الباطل و لو کره المجرمون (الأنفال (8):8-9)

(24)الوجود بما هو وجود مقابل للمفهوم، فالوجود واحد بالوحدة الشخصیة الصمدیّة و هو الحقّ سبحانه، و هذا هو التوحید الإسلامی إِنَّ اَلدِّینَ عِنْدَ اَللّٰهِ اَلْإِسْلاٰمُ (آل عمران (3):20) وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ اَلْإِسْلاٰمِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ (آل عمران (3):86) فَمَنْ یُرِدِ اَللّٰهُ أَنْ یَهْدِیَهُ یَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاٰمِ (الأنعام (6):126).

(25)حقیقة الحقّ تعالى هی الوجود، و هذه الحقیقة هی موضوع هذا العلم الأشرف، قال صدر الدین القونوی فی أول مفتاح الغیب فموضوعه الخصیص به وجود الحقّ سبحانه (مصباح الأنس ص 13) فهم یعبّرون فی صحفهم عن موضوع هذا العلم تارة بالوجود و تارة بالحقّ‌، و الحقّ أن تعبیر الواقع الذی هو متن الأعیان و حقیقة الحقائق و جوهر الجواهر - بلفظ - عسیر جدا.

و نعم ما أفاد فی المفتاح من أنّ‌: «قولنا هو وجود» للتفهیم لا أنّ ذلک اسم حقیقی له (مصباح الأنس ص 59) و ما أجاد فی تمهید القواعد من «أنّ التعبیر عمّا یصلح لأن یکون موضوعا لهذا العلم - من المعنى المحیط و المفهوم الشامل الذی - - لا یشذّ منه شیء و لا یقابله شیء - عسیر جدا، فلو عبّر عنه بلفظ الوجود المطلق أو الحقّ أنّما ذلک تعبیر عن الشیء بأخصّ أوصافه، الذی هو أعمّ المفهومات هاهنا؛ إذ لو وجد لفظ یکون ذا مفهوم محصّل أشمل من ذلک و أبین، لکان أقرب إلیه و أخص به، و کان ذلک هو الصالح لأن یعبّر به عن موضوع العلم الإلهی المطلق لا غیر.

ثم إنّه لیس من الألفاظ المتداولة هاهنا شیء أحقّ من لفظ الوجود بذلک؛ إذ معناه أعمّ المفهومات حیطة و شمولا و أبینها تصوّرا و أقدمها تعقّلا و حصولا» الخ (ص 8).

و اعلم أنّ المشّائین یقولون فی بیان موضوع علمهم الفلسفی: إنّ الموضوع الأول لهذا العلم هو الموجود بما هو موجود، کما فی الفصل الثانی من أولى إلهیات الشفاء (ج 2 ص 17) ثم یقسّمونه إلى العلم الإلهی الأعم و الأخص، فهم ناظرون إلى المفهوم، و أما الصحف العرفانیة فلیس العلم و البحث و المسائل إلاّ عن الله سبحانه و العلم هو الإلهی مطلقا، فتدبّر فی قول الشارح المحقّق القیصری فی الفصّ الهودی: «و العلوم الإلهیة ما یکون موضوعه الحقّ و صفاته، کعلم الأسماء و الصفات و علم أحکامها و لوازمها و کیفیة ظهوراتها فی مظاهرها و علم الأعیان الثابتة و الأعیان الخارجیة من حیث إنّها مظاهر الحقّ‌» (ص 245).

و هذا الوجود الحقّ هو الصمد الذی لا جوف له، فهو الأوّل و الآخر و الظاهر و الباطن و هو موضوع هذا العلم و کان بعض مشایخنا یقول: «موضوع این علم خداست» و کان أیضا یعبّر عن هذا التوحید بالتوحید الإسلامی، و کان یقول شیخنا الآخر: «بهترین تعبیرات در وحدت وجود تعبیر حضرت أمیر المؤمنین علیه السّلام است: و لا یقال له حدّ و لا نهایة و لا انقطاع و لا غایة» (نهج البلاغة ص 158 الخطبة 186).

و اعلم أنّ المتقشّفین - المنکرین أنّ حقیقة الحقّ تعالى هی الوجود المطلق - لهم شبه واهیة جمعها فی شرح المقاصد و ارتضاها و نقلها العلاّمة ابن الفناری فی مصباح الأنس (ص 56) و دفع کل واحدة منها بأتقن وجه، و کذا دفعها صدر المتألهین فی عدّة مواضع من الأسفار مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اَللّٰهُ لَهُ نُوراً فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ (النور (24):40).

(26)قال العارف الربانی الفیض المقدس فی عین الیقین «قد دریت أنّ موجودات العالم لا حقائق لها متأصّلة سوى کونها مضافة إلى موجدها و متعلّقة بها و ما یجرى مجرى ذلک، و لیس لها هویة مستقلة سوى هویة موجدها و قیّومها. و دریت فی موضع آخر أنّ أفعاله سبحانه و آثاره هی بعینها الأسماء الحسنى و کلماته التی لا تنفد من حیث ظهوراتها على وجه تفصیلی، یظهر بحسبها صفاتها و کمالاتها بصور متعدّدة متمایزة بعضها عن بعض. و دریت أنّ الاسم هو الذات المتجلّی بصفة من الصفات و تعیّن من التعیّنات، فأفعاله سبحانه بعینها هی ذاته المتعیّنة بتعیّنات مختلفة من حیث ظهوره التفصیلی، فالوجود المطلق یتجلّى بتعیّن متناه، و یظهر ظهورا تفصیلا یصدر منه بحسبه الآثار، فیصیر خلقا من الخلائق، و أسماؤه سبحانه للعالم عبارة عن هذا التجلّی و الظهور».

(27)یعنی بنام غیاث الدین وزیر تألیف شده.

(28)أی هذا الکتاب.

(29)یوسف (12):76.







منبع:


شرح فصوص الحکم داود القیصری - تصحیح آیة الله حسن حسن زاده آملی - جلد اول - ص13-19.